القرآن والروح الاجتماعیة
ولكن فی المواطن التی یكون رضا الله تعالى فی الرجوع الى المجتمع لهدایة الآخرین ومعاشرتهم لا تكون للرهبانیة والبقاء فی الدیر قیمة، اذ كیف یكون ترك الواجب سببا للتقرب الى الله عزّ وجلّ؟
لا شك انّ أغلب كمالات الانسان یتم الحصول علیها فی الوسط الاجتماعی، وبدونه یُحرم الانسان من هذه الكمالات، الاّ انّ هذا لا یعنی كون المجتمع ذا قیمة مطلقة، لأن قیمة الحیاة الاجتماعیة منوطة بتعایش الأفراد والمجموعات الخاصة على أساس خاص وبدوافع خاصة.
فی القرآن الكریم تحظى البراءة من بعض الأشخاص والابتعاد عنهم بأهمیة یعدل مستواها مستوى تبادل المحبّة بین الناس، ویتحدث عن الحرب والجهاد كما یتحدث عن السلم.
والقرآن یرشد الى انّ الاحتفاظ بحیاة اجتماعیة حسنة قد یستلزم الانعزال الاجتماعی:
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْراهِیمَ وَ الَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ)([1]).
لیست الحیاة الاجتماعیة هدفا فی الرؤیة الاسلامیة، ولیست ذات قیمة مطلقة بل هی وسیلة لتوفیر قیم أعلى. وعلیه فانّ قیمتها نسبیة، فحتى فی أرقى مجتمع نموذجی یتأسس فی عصر الامام الحجة(علیه السلام) لا تكون للحیاة الاجتماعیة أصالة ذاتیة، بل یتأسس المجتمع لتوفیر أرضیة أفضل للرقی المعنوی لكل فرد. یقول تعالى:
(وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَُیمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضى لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِكُونَ بِی شَیْئاً)([2]).
تشیر هذه الآیة الى انّ الهدف فی تأسیس المجتمع النموذجی هو أن یعبد بنو الانسان الله سبحانه بنحو أفضل. وعلیه فانّ تقییم الحیاة الاجتماعیة یتبع عوامل اُخرى یصعب العثور علیها وتحدید ضابط دقیق لها، ولكن یمكن القول بعبارة عامة انّ قیمة المجتمع تكون حسب درجة تأثیره فی رقیّ الانسان وتكامله فاذا كان تأثیره فی هذا المجال سلبیا كانت قیمته سلبیة طبعاً.
[1]. الممتحنة 4.
[2]. النور 55.