البعد الأخلاقی للمعاهدات
ما یهمنا فی هذه الدراسة هو البعد الأخلاقی للمعاهدات، أی تدرس المعاهدة هنا من ناحیة قیمتها المعنویة ولكونها تستدعی كمال النفس. لدینا آیات عدیدة فی القرآن تأمر الناس بالوفاء بمعاهداتهم، واكثر الالفاظ استعمالاً فی الدعوة الى الالتزام بالعقود والعهود فی هذه الآیات هو لفظ (الوفاء) واكثر الالفاظ رواجا فی موردها ذاتها هو لفظ (العهد)، جاء فی آیة كریمة:
(وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا)([1]).
وقال فی آیة اُخرى:
(وَ الَّذِینَ هُمْ لأَِماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ)([2]).
وقد استعمل تارة لفظ (العقد) كقوله تعالى:
(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([3]).
بناء على ذلك فانّ التعبیر الشائع فی القرآن بشأن العهود والعقود هو لفظ (العهد) ولكن استعملت فی بعض الموارد الفاظ اُخرى أیضاً كلفظ (العقد) الذی مر نموذج منه أو لفظ (عقدة) فی الآیة:
(وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى یَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)([4]).
وكلمتَیْ (إلّ) و(ذمة) حیث قال تعالى:
(كَیْفَ وَ إِنْ یَظْهَرُوا عَلَیْكُمْ لا یَرْقُبُوا فِیكُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً)([5]).
وینبغی الالتفات طبعا الى ان لفظ (إلّ) جاء بمعنى القرابه أیضا، كما یقول سبحانه فی آیة اُخرى:
(لا یَرْقُبُونَ فِی مُؤْمِن إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً)([6]).
وقد استعمل فی بعض الموارد لفظ المیثاق فی تبیان (العهد). ان استعمال المیثاق فی مورد العهد هو تأكید على هذه الحقیقة وهی ان على الطرفین الوفاء بالعهد لكی یترسخ اعتماد كل منهما على الآخر، لان المیثاق مشتق من مادة (الوثوق) ویعنی الاعتماد، أی یعمل الطرفان بنحو یزدادا اعتماداً وطمأنینة فیما بینهما، فیلتزمان بعهدهما ویقسمان أحیانا مع العهد لیكون أرسخ.
من الطبیعی ان كل طرف من طرفی العهد یقسم بما یعتقد به، ومن لا یلتزم بذلك فقد انتهك حرمة مقدساته فی الواقع. من هنا یستعمل لفظ (الیمین) أحیاناً فی مورد العهد أیضا. كما استعمل لفظ (الوعد) فی مورد العهد أحیانا من قبیل:
(بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا یَكْذِبُونَ)([7]).
وهو ما سیأتی لاحقاً.
[1]. البقرة 177.
[2]. المؤمنون 8.
[3]. المائدة 1.
[4]. البقرة 235.
[5]. التوبة 8.
[6]. التوبة 10.
[7]. التوبة 77.