ar_akhlag3-ch8_5.htm

عوامل الردع عن قتل النفس

عوامل الردع عن قتل النفس

یطرح هنا هذا السؤال: كیف یمكن مكافحة قتل النفس، وما هی الاعمال التی یلزم القیام بها للحیلولة دون ارتكاب هذه المعصیة؟ بدیهی ان موضوع سؤالنا هنا هو غیر المانع الطبیعی كأن یمسك شخص ید القاتل ویمنعه من ارتكاب القتل. المراد من السؤال هو كیفیة ایجاد الفكر والدافع فی الانسان للاحتراز من ارتكاب هذه المعصیة الكبیرة؟

للاجابة عن هذا السؤال ینبغی القول: فی رؤیة القرآن والمصادر الاسلامیة الاُخرى ان أهم ما یمكنه صد الانسان عن ارتكاب هذا الفعل القبیح هو الالتفات الى التبعات الوخیمة والنتائج المرّة التی تترتب على هذه المعصیة، والعقوبة التی وضعت فی هذا العالم والعالم الآخر وسائر تبعاته الاجتماعیة والحقوقیة والاقتصادیة المرّة كالقصاص والدیة والعزلة عن الناس والفضیحة. أجل، ان الالتفات الى هذه التعبات هو أهم العوامل المانعة القادرة على القضاء على دافع قتل النفس فی الانسان أو إضعافه على أقل تقدیر.

العامل المانع الآخر هو الالتفات الى هذه الحقیقة وهی ان الانسان مملوك لله سبحانه فلا یحق لأی انسان التصرف فی مملوك الله بدون إذنه، الاّ انّ هذا العامل له التأثیر فقط على الذین یكون شعورهم بهذه المسؤولیة ودافعهم لطلب الكمال والقیم یقظاً وفعالاً، أی یتوفر فیهم حد النصاب من الایمان ومعرفة الله سبحانه، أی لهم معرفة إلهیة فعالة وحیّة. امثال هؤلاء یلتفتون الى ان سائر بنی الانسان لیسوا مملوكین لنا، ولا دور لنا فی موتهم وحیاتهم. نعم، یمكن طبعا تملّك عملهم باعطاء المال ولكن لا یمكن امتلاك انفسهم بأی طریق. حتى حینما یكون شخص مالكا لانسان آخر فانه لا یعنی انه مالك لوجوده وحیاته وفكره وسائر شؤونه الوجودیة، بل یعنی تملكه لعمله فقط ویحق له طلب بعض الاعمال منه والانتفاع بنتائجها.

بناء على ذلك فان الالتفات الى هذه الحقیقة وهی ان الانسان موجود مستقل ومملوك لله تعالى ولا یجوز التصرف فی مملوكه بلا إذن منه یمكن ان یمنع الذین یمتلكون حد النصاب من الایمان والمعرفة الالهیة من ارتكاب ذلك الفعل. الاسلوب التربوی العام فی القرآن الكریم هو انه لكی یصدّ الانسان عن ارتكاب المعصیة فی مورد ما یقوم بتخویفه من التبعات السیئة والعذاب المترتب علیها، ثم یرغّبه فی الآثار الحسنة والثمار الجیدة والطیبة التی تترتّب على ترك المعصیة فیشجّعه بهذه الطریقة على ترك المعصیة. وهذا الانذار والتبشیر أو التشجیع والتخویف یوجدان متقارنین فی كل مواضع القرآن وان فاقت موارد الانذار موارد التبشیر.

بناء على ذلك فی الدرجة الاُولى تكفی الذین لدیهم معرفة بالله ویؤمنون به معرفتهم وایمانهم فی الردع عن ارتكابهم هذه المعصیة الكبیرة، وفی الدرجة الثانیة یكون الالتفات الى التبعات المرّة والنتائج السیئة للمعصیة والثمار الطیبة لترك المعصیة اكبر تأثیراً بالنسبة لعموم الناس، ویحول هذا العامل دون ارتكابهم لهذه المعصیة الى حد كبیر، ولكن البعض من بنی الانسان یكون ایمانهم ضعیفا الى حد لا یمنعهم التذكیر بهذه التبعات من ارتكاب المعصیة، وعند الانفعال والغضب تنتابهم أحیاناً حالة یفقد فیها هذا العامل تأثیره. لمثل هؤلاء الافراد تكون العقوبة الدنیویة ذات تأثیر وردع أقوى.

لقد وضع القرآن الكریم حدوداً أو قصاصا أو دیة للكثیر من المعاصی، وهناك اشارات فی الآیات ذاتها الى ان تنفیذ هذه العقوبات هی للحد من ارتكاب الجریمة، قال تعالى فی آیة كریمة:

(وَ لَكُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الأَْلْبابِ)([1]).

بدیهی ان من یُقتل بحكم القصاص لا حیاة له، كما انّ المقتول لیس حیّاً. وعلیه فانّ المراد من هذه الآیة هو ان تنفیذ القصاص یكون منشأ لحفظ وحیاة سائر الافراد وأعضاء المجتمع وبقائها، ویحول دون ارتكاب الآخرین القتل وتهدید حیاة الآخرین.

وتقول آیة اُخرى:

(وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ)([2]).

اذا لم یجعل لولی القتیل قدرة قانونیة على القصاص فسوف تكثر حوادث القتل یسبب الانتقام المتبادل، إذنْ وجود هذه القدرة القانونیة لولی المقتول یمنع الآخرین من ارتكاب هذا الفعل. بناء على ذلك فانّ القصاص والدیات والحدود وامثالها وضعت كطرق مختلفة للصد عن هذا الفعل الخطیر.



[1]. البقرة 179.

[2]. الاسراء 33.