ـ دِقّة علی(علیه السلام) فی تنفیذ الأحكام والحدود الالهیّة
ـ هدف علیّ(علیه السلام) هو تقدیم مثال للحكومة الاسلامیّة
طرحنا فی الفصل السابق سؤالاً قد یخطر على بال كثیر من الشباب، وهو: كیف أقدم المسلمون ـ وهم معتقدون بالدین ویؤدّون الصلاة والصیام والجهاد وقد ساهم الكثیر منهم فی الغزوات، وأكثرهم قد حظی بمرافقة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) أو قاتَل تحت رایته ـ مع هذا كلّه كیف أقدم هؤلاء على قتل الحسین بن علی(علیه السلام) بتلك الصورة الفاجعة وهو الانسان العظیم الّذی یتمتّع بذلك الشرف الرفیع والعزّة والمحبّة؟
قلنا انّه لكی تتّضح أبعاد الموضوع لابدّ لنا من الرجوع الى الماضی واستعراض تاریخ صدر الاسلام. وقد أشرنا ـ بصورة اجمالیّة ـ فی الفصل السابق الى وضع البلد الاسلامیّ فی زمان معاویة، بعد استشهاد أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) وحتّى وصول یزید الى الخلافة.
وخلاصة ما ذكرناه هو انّ معاویة ـ من بین الشخصیّات المعروفة لذلك العصر ـ كان یتمتّع بذكاء حادّ، بحیث كان یطلق علیه اسم «داهیة العرب». واشتهرت سیاسته وذكاؤه وفراسته وتدبیره الى الحدّ الذی كانوا یوجّهون فیه اللوم الى الإمام علی(علیه السلام)قائلین انّ علیاً(علیه السلام) لا یملك سیاسة معاویة وإلاّ لانتصر علیه ولم یستطع معاویة ان یحقق ما كان یصبو الیه.
ولعلّ الامام امیرالمؤمنین یشیر الى هذا الموضوع بقوله:
«لولا كراهیة الغدر لكنتُ من ادهى الناس»(1).
أی انّ معاویة لیس اذكى ولا أكثر تدبیراً وسیاسةً منّی ولكنّ التقوى هی التی تقیّدنی بحیث لا أسمح لنفسی أن أفعل أیّ شیء.
یحسن بنا أن نشیر هنا الى ملاحظة بعنوان كونها جملة معترضة، وهی قد تخطر هذه الشبهة على بعض الأذهان الساذجة، وهی: لو أنّ امیرالمؤمنین علیّاً(علیه السلام) قد سایر معاویة أو الآخرین الى حدّ مّا لم یكن الأمر لینتهی الى ما انتهى الیه.
وفی العصر الحاضر یبذل البعض غایة جهدهم لتضعیف مقام الولایة بشكل عامّ، ومقام عصمة النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) والأئمة الأطهار(علیهم السلام) بشكل خاص، وذلك من خلال الطعن فی بعض مجالات سلوكهم، ویثیرون الشبهات حتى تفقد الأجیال اللاحقة ایمانها العمیق بعصمة هؤلاء وافضلیّتهم. فیوحون بهذه الشبهة مثلاً: لعلّه كان هناك طریق أفضل، ولعلّ هؤلاء العظماء قد اخطأوا فی بعض الموارد. واذا جاءت «لعلّ» فقد فُتح الباب على مصراعیه، وأصبح كلّ شیء قابلاً للتشكیك. وهذا هو ما یفعلونه الیوم بكلّ دِقّة وتخطیط.
قد تطرح الشبهة بهذه الصورة (وارجو العذر على كیفیّة تصویرها) حیث یقولون: حینما هجم الناس على علیّ(علیه السلام) یبایعونه بذلك الشكل المنقطع النظیر، ممّا یصوّره الامام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) نفسه فیقول: «حتّى وطئ الحسنان» فقد كان من بین هؤلاء بعض الشخصیّات البارزة فی ذلك العصر، جاءوا وبایعوا علیاً(علیه السلام)، مثلاً طلحة والزبیر لم یكونا من الناس العادیّین. وكما تعلمون فانّ الخلیفة الثانی عمر بن الخطاب قد
1. نهج البلاغة، الخطبة 200.
عیّن فی أواخر أیّام حیاته شورى مكوّنة من ستّة اشخاص هم الذین سوف ینتخبون واحداً منهم خلیفة للمستقبل. وكان طلحة والزبیر من جملة هؤلاء الستّة. اذن هذان الشخصان كانا مرشّحین للخلافة، وقد جاءا وبایعا علیّاً(علیه السلام) للخلافة.
وهنا یأتی دور أصحاب الشبهة لیعلّقوا بقولهم: ألم یكن من المناسب لعلیّ(علیه السلام) ان یدعو هاتین الشخصیّتین وان یقوم بعمل یطیّب به خاطریهما، كأن یقدّم لهما هدیّة، وعندما یطلبان منه وقتاً للّقاء فانّه یخفّ الى لقائهما ویكرم وفادتهما، ولانّهما قد بایعاه كان ینبغی له(علیه السلام) ان یعقد معهما جلسة تكریم ویخاطبهما: اخویّ العزیزین اهلاً بكما! وانّی لم أظفر بالخلافة إلاّ بفضلكما، حیث قمتما بتأییدی فوصلتُ إلى الخلافة، فأنا شاكر لكما هذا التأیید!
هل فی هذا الكلام المعسول ضیر؟!
ثمّ یعدّ لهما مائدة طعام ممّا تشتهی الأنفس وتلذّ الأعین.
والامام علیّ(علیه السلام) كان یعلم ماذا یدور فی ذهن كل واحد منهما، واذا لم نقل انه كان یتمتّع بعلم الامامة وانه یعلم بأحداث المستقبل فعلى أقلّ تقدیر كان یحتمل ذلك من خلال معرفته بوضعهما الروحیّ وتركیبة شخصیّتهما، فهو یحتمل انّه اذا لم یسایرهما فسوف یشنّان علیه حرباً كحرب الجمل، فلكی لا یحدث مثل هذا ولا تقع الحرب ولا تهرق الدماء ولا تفكّك القوى ـ وانّما تستخدم هذه القوى فی اعادة بناء البلد لتحقیق التقدّم الاقتصادیّ ـ كان من الأفضل ان یقول لهما: تعالوا لنتعاون ونفكّر معاً، قدّموا لنا مخطّطكم ونحن نتوفّر على دراسته. أو حتّى انّ جانباً من الدولة الاسلامیّة قد جعلته تحت تصرفكما وأنتما اللذان تدیرانه. ان أحببتما ولایتی الكوفة والبصرة فهما طوع امركما. وان رغبتما فی الشام ومصر فرغبتكما نافذة. المهمّ انّنا نتعاون ونتقاسم.
هكذا كان ینبغی ان یتعامل معهما، ثمّ یطلق ایدیهما فی بیت المال. وحتّى لو
فرضنا انّهما یسیئان استغلال بیت المال قلیلاً فان ذلك افضل من انفاق كمیّة هائلة من بیت المال على الحرب والقتال وإسالة الدماء.
هذا هو لون التفكیر السیاسیّ الذی كان شائعاً بین الناس فی ذلك العصر. وبهذه الطریقة كانوا یصبّون اللوم على علی(علیه السلام). فهؤلاء هم الذین كانوا یقولون انّ علیاً(علیه السلام)لا یعرف السیاسة، او انّ معاویة اكثر سیاسة منه.
وهذا النوع من الكلام هو الذی كان یؤذی علیّاً(علیه السلام) ویحرق قلبه، وحتى انّه لم یستطع ان یقنع بعض اصدقائه.
وقد كان(علیه السلام) یعرف معاویة ویعرف ایّ عنصر خبیث هو، وما هی سیاسته، وكیف استحوذ على قلوب الناس ثم ركب على اكتافهم؟ وكان على علم ببذخ معاویة وكیفیّة تصرّفه بأموال المسلمین وبیت المال حیث كان یجود بمئات الآلاف بل احیاناً بملایین الدراهم والدنانیر وینثرها على مختلف الأفراد. فلو أنّ علیاً(علیه السلام)استخدم السیاسة مع امثال هؤلاء الشخصیّات وسایرهم لكان افضل من وقوع تلك الحروب واهراق تلك الدماء وصرف تلك المبالغ الهائلة.
وفی العصر الحاضر یُسمع مثل هذا الكلام حول الامام الخمینی(قدس سره) أو حول القائد المحنّك آیة الله السید الخامنئی. فیقولون مثلاً: لو جرت مسایرة الشخصیّة الفلانیّة ما انجرّ الوضع الى هذه النتیجة السیّئة.
اذن هذه الشبهات لا تزال مطروحة فی سیاسة علی(علیه السلام).
ویمكننا ان نقول فی الجواب على هذه الشبهات بان الامام علیاً(علیه السلام) كان یتمتّع بعلم الامامة أو انّ الله تعالى قد أمره بما فعل، فهل تطلبون من علیّ(علیه السلام) ان یخالف أوامر الله سبحانه؟
لكنّ هذا سوف یكون جواباً تعبّدیاً. فنحن نعتقد انّ الامام(علیه السلام) معصوم لا یخطئ، وهو یعمل حسب ما أمره الله تعالى، فقد كان ذلك واجبه الشرعی.
وهذا جواب مقنع لنا الى حدّ مّا، لكنّه غیر مقنع للشباب الواقعین تحت تأثیر هذه الشبهات، فلابدّ لنا اذن من تقدیم جواب أوضح واكثر اقناعاً.
واستغلّ الفرصة فی هذا المجال لاُوجّه اللوم الى اخوتی علماء الدین: لماذا لم نتدارس مثل هذه المسائل الّتی هی مورد حاجة الناس ولم نعدّ لها اجوبة مناسبة بحیث یستطیع الجمیع ان یفهمها وتكون مقنعة لهم. إمّا أنّنا لم نعدّ مثل هذه الأجوبة وامّا انّنا لم ننشرها لتصل الى أیدی الشباب المتعطّش لها.
لابدّ لنا ان نقدّم جواباً واضحاً لهذا السؤال وهو: لماذا لم یستخدم علی(علیه السلام)سیاسة المسایرة والانعطاف وتبادل الابتسامات؟ ولماذا كان متشدّداً الى هذا الحدّ بحیث كان یردّد انّنی لا أسمح لمعاویة أن یحكم حتى لیوم واحد؟ اذا كنتُ أنا الخلیفة فانّه لا یحقّ له ان یتصرّف اطلاقاً. وفی نفس الوقت یستقبل معاویة طلحةَ والزبیرَ ویتودّد الیهما. انّ طلحة والزبیر لیسا شخصین عادیّین وانّما هما من اكبر الشخصیّات فی العالم الاسلامیّ ومن جملة المرشّحین للخلافة. عندما كان هذان یحلاّن ضیفین عند علیّ فانّه كان یطفئ مصباح بیت المال لیضیء مصباحاً آخر. فاذا سئل(علیه السلام) ما الفرق بین هذین؟ كان جوابه: ان المصباح الأوّل متعلّق ببیت المال وقد كنت مشغولاً بمهامّه فمن حقّی استخدام مصباحه، امّا الآن فأنتما فی زیارة شخصیّة لی وتتحدّثان فی شؤون خاصّة، ولا حقّ لی عندئذ ان استخدم مصباح بیت المال. ویستولی علیهما العجب ویقولان فیما بینهما اذا لم یكن علی(علیه السلام) على استعداد لاستخدام مصباح بیت المال لفترة قصیرة ونحن من الشخصیّات الاسلامیّة المهمّة ونرید التحدّث فی امور تتعلّق بمصالح البلاد الاسلامیّة ـ هكذا كانا یصوّران القضیّة ـ وهو لا یوافق على استخدام مصباح بیت المال قلیلاً، فكیف یمكننا ان نتعامل معه ونتعاون؟
انّ هذین الشخصین قد انتفعا كثیراً فی زمان الخلیفة الثالث، وقعت فی ایدیهما
املاك وثروات ضخمة وامتلكا غلماناً واماءً كثیرة! وقد نقلت فی هذا المضمار قصص عدیدة.
والآن یواجهان هذا التشدّد من امیرالمؤمنین(علیه السلام).
ما هو الجواب على هذا السؤال؟
وهل هناك جواب آخر غیر الجواب بانّ علیّاً(علیه السلام) معصوم ولا یفعل شیئاً إلاّ بأمر الله عزّ وجلّ؟
هل لدینا جواب واضح بحیث نقدّمه للشباب فیقنعهم؟
یبدو لنا هذا الجواب الذی سوف نشرحه، ونرجو من القرّاء ان یتأمّلوا فیه، فان توصّلوا الى جواب افضل فلیطلعونا علیه.
الجواب الذی یبدو لنا انّه صحیح هو: لو كان هذا الأمر قد حدث فكیف كنّا نعرف علیّاً(علیه السلام)؟ لو نقل التاریخ لنا هذه القصة وهی: فی احدى اللیالی زار طلحة والزبیر خلیفة المسلمین علی بن ابی طالب(علیه السلام) ودار الحدیث بینهم حول شؤون الدولة الاسلامیّة، وبالتالی اتّخذ الخلیفة هذا القرار وهو ان یبعث احدهما والیاً من قبله الى العراق والثانی الى مصر.
لو كان التاریخ قد سجّل مثل هذه الحادثة فكیف كنّا ننظر أنا وأنت الى علی(علیه السلام)؟ وهل كنّا نرى أیّ فرق بین علیّ وطلحة والزبیر؟ وهل كان بامكاننا ان نفرّق بین معاویة وعمرو بن العاص وعلیّ(علیه السلام)؟ وأقصى ما یمكن قوله حینئذ هو انّ عدّة شخصیّات عقدوا اجتماعاً تشاوروا فیه واتّخذوا قراراً. فی یوم مّا بایعا شخصاً آخر والیوم جاءا یبایعان علیّ بن ابی طالب(علیه السلام). فی السابق عیّن الخلیفة الأوّل ـ بعد التشاور مع بطانته ـ معاویة والیاً على الشام، ثمّ جاء من بعده الخلیفة الثانی ثمّ
الخلیفة الثالث واقرّا ولایته على الشام. والآن جاء دور طلحة والزبیر لیصبحا والیین على العراق ومصر. لو كان هذا قد حدث للزم منه ان ینظر أكثر من ملیار مسلم ومن جملتهم مئات الملایین من الشیعة فلا یجدون فرقاً بین علی(علیه السلام) وطلحة والزبیر، بل سوف لا یقولون بفارق بین علیّ(علیه السلام) ومعاویة.
واذا كنّا الیوم نعلم انّ لعلیّ(علیه السلام) منزلةً اخرى، وقد كان فی اتّجاه ومسیر آخر فذلك بفضل ما بذله علماؤنا من جهد خلال الف وثلاثمائة عام لتوضیح الفوارق بین علیّ(علیه السلام) وغیره، وقد تولّى آباؤنا وامّهاتنا زرع نتائج تلك الجهود المباركة فی أنفسنا منذ نعومة أظفارنا.
وامّا اذا قیل: عقد عدّة اشخاص اجتماعاً تقاسموا فیه الحكم والسلطة، فانّه لن یكون هناك فرق بینهم، وغایة ما یمكن قوله حینئذ انّ علیّاً أحسن منهم قلیلاً.
ولیس هذا اكتشافاً جدیداً، وانّما الامام علیّ(علیه السلام) كان یبدی اسفه من المقارنة بینه وبین معاویة فیقول(علیه السلام):
«الدهر أنزلنی ثمّ أنزلنی حتّى یقال علیّ ومعاویة»(1).
وفی ذلك الزمان أیضاً كان بعض أصحاب النبی(صلى الله علیه وآله) وبعض من استظلّ برایة علیّ(علیه السلام) سنین عدیدة وانتفع من مجلسه یقول: انّ لمعاویة بعض الوان الحسن، فله جود وكرم، وله تدبیر جیّد یدیر به البلد الاسلامیّ.
وهؤلاء الأشخاص كانوا اذا أغضبهم شیء من علیّ(علیه السلام) فانّهم یلجأون الى معاویة. وحتّى بعض المقرّبین الى الامام(علیه السلام) كلّما كانت لهم طلبات لم یلبّها لهم الامام علیّ(علیه السلام) فانّهم كانوا یقصدون معاویة. كانوا ینظرون الى هذین الاثنین على انّهما من طراز واحد غیر انّهم كانوا یعتقدون بانّ علیاً(علیه السلام) اكثر عدلاً وعبادة.
1. فرحة الغرى، ابن طاووس، ص 7.
لو كان هذا الذی فرضناه قد وقع فعلاً فكیف كنّا ننظر ـ أنا وأنت ـ الى علىّ(علیه السلام)؟
ولو كانت هذه رؤیتنا للاسلام ولعلیّ(علیه السلام)، وكنّا ننظر الى هذا السلوك على انّه هو واجب الخلیفة الاسلامیّ، ففی هذه الحالة ایّ اختلاف یبقى بین الخلافة الاسلامیّة والحكومات الدنیویّة امثال سلطنة كسرى وقیصر؟ هؤلاء كانوا یتعاملون بهذه الطریقة، وهی اذا واجهوا معارضاً لهم لا یستطیعون التخلّص منه فانّهم یجلسون معه على طاولة المفاوضات ویستسلمون لبعض طلباته ویتبادلون معه الابتسامات، كی یتجنّبوا الحروب وإراقة الدماء وأسالیب العنف.
ألیس الوضع بهذه الصورة فی العالم كله؟
وعندئذ ایّ فرق بین حكومة علیّ(علیه السلام) وحكومة كلنتون أو غیره من الطغاة؟
اذا كنّا مطّلعین الیوم على حقیقة الاسلام ولدینا مذهب التشیّع فانّ ذلك من بركات هذا اللون من سلوك علیّ(علیه السلام).
صحیح انّ علیّاً(علیه السلام) لم ینجح فی إلحاق الهزیمة بمعاویة والقضاء علیه، لكنّه ترك لنا هذا الفكر والمنهج وأوضح لنا سیاسة الاسلام. فالاسلام لا یسمح بالمساومة على الاصول والاُسس. من الممكن ان یُضحّى بالمصالح الشخصیّة فی سبیل الاسلام، ومن الممكن التضحیة بالمصالح الجزئیّة من أجل تحقیق المصالح الكلیّة، لكنّ الاُسس والاصول لا یجوز المساس بها اطلاقاً حتى ولو بمقدار رأس الإبرة، بل لابدّ من المحافظة علیها.
لو لم یتصرّف علیّ(علیه السلام) كما تصرّف فمن أین نعرف ـ أنا وأنت ـ انّ للاسلام منهجاً خاصّاً للحكم وانّه لا یسمح للدیمقراطیّة الغربیّة ان تحكم البلد الاسلامیّ؟ وكیف كنّا نعرف انّ الاسلام یلزمنا بتنفیذ أحكام الله؟
عندما بایع الناس علیّاً قالوا له نبایعك على سیرة الشیخین، ألم یكونا مسلمین؟ أما كانا خلیفتین للنبی(صلى الله علیه وآله)؟ ألا یُعدّان أبوین لزوجتین من أزواج النبی(صلى الله علیه وآله)؟ ألم
یبایعهما المسلمون؟ فالمطلوب منك أنت یا علی(علیه السلام) ان تسیر بسیرتهما.
فأعلنها علیّ(علیه السلام) صریحة قائلاً: انّی ارفض هذا الشرط. وان اردتم البیعة لی فلابدّ ان تبایعونی على ان اعمل حسب كتاب الله وسنّة نبیّه(صلى الله علیه وآله). لا علاقة لی بآراء الآخرین، وفی ایّ مورد یكون فیه حكم الله ثابتاً فانّی لا التفت حتّى الى آرائكم، ولو فرضنا أنّكم جمیعاً عارضتم فی تطبیق حكم الله فأنا اطبّقه ولا یهمّنی شیء.
انّ مثل هذه السیاسة لا تنسجم مع اُسس الدیمقراطیّة. ولو لم یتصرّف علیّ(علیه السلام)كما تصرّف ما كان بامكاننا الیوم ان ندّعی بانّ للاسلام نظاماً خاصّاً للحكم، وله اصول واُسس لابدّ من تنفیذها. وفی غیر هذه الصورة یصبح الاسلام دیناً عائماً تابعاً للأذواق والقراءات المختلفة. فهناك قراءة للخلیفة الأوّل، وقراءة اخرى للخلیفة الثانی، وقراءة ثالثة هی لعلیّ(علیه السلام). ما هو الفرق بین القراءات المختلفة؟ وانّى لنا ان ندّعی بأنّ قراءة علیّ(علیه السلام) هی الصحیحة، بینما القراءات الاخرى غیر صحیحة اذا اصطدمت بقراءة علیّ(علیه السلام)؟ وعلى ایّ أساس كان من الممكن ان نقول انّ لدینا قراءةً للاسلام تنتسب الى المعصوم(علیه السلام) ویجب على الجمیع ان یخضعوا لها؟
وحسب ایّ معیار كان یمكننا القول انّ الوقوف فی مقابل رأی المعصوم هو تطفّل مرفوض؟
لو كان علیّ(علیه السلام) قد سار بالسیرة التی یریدونها لقالوا: أرأیتم كیف سار الخلیفة الاول بسیرة، والخلیفة الثانی بسیرة، وعلىّ(علیه السلام) بسیرة؟ لقد كان مثل الآخرین. وعندئذ كیف نشخّص انّ رأیه كان أفضل من آراء الآخرین؟ انّ الخلفاء السابقین ارسلوا معاویة الى الشام من أجل مصالحهم ولكی لا یزاحمهم. فلو كان علیّ(علیه السلام) قد اقرّهم على هذا الفعل فأیّ فرق بینه وبینهم؟ وعلى أیّ معیار كنّا نشخّص انّ سیرة واحدة من مجموع هذه السیر كانت على أساس رأی المعصوم، وأمّا البقیّة فقد كانت مبنیّة على رأی غیر المعصوم؟ أنّى لنا حینئذ ان نلتفت الى انّ مورداً واحداً
منها هو الصحیح، وأمّا الباقی فقد كان خطأ؟
حتّى انّه یمكن ادّعاء عكس ذلك فیقال: اذا كان من حقّنا ان نحكم، آخذین بالاعتبار هذه المعاییر فلابدّ ان نقول ان رأی الخلفاء الذین سبقوا علیّاً(علیه السلام) كان هو الأصح! لانّه حسب ما اتّخذوه من تدبیر لم تجر إراقة دماء فی الشام والعراق، ألم یقل القرآن الكریم: «وَ الصُّلْحُ خَیْرٌ»؟ اذن بما انّ الاسلام هو دین الرأفة والرحمة والصلح والسلام وتبادل الابتسامات، وقد سار علیّ(علیه السلام) بسیرة مخالفة لهذا الجّو حیث حارب أصحاب الجمل وصفّین والنهروان، فعلیّ(علیه السلام) هو المخطئ! قضى اربع سنوات وتسعة اشهر ـ هی كل فترة خلافته ـ فی حروب مستمرّة، اذن قراءة علیّ(علیه السلام)لم تكن صحیحة!
لكنّ علیّاً(علیه السلام) ما كان یهدف الى ان یقدّم منهجاً لزمانه فحسب، وانّما كان یهدف الى ان یقدّم منهج الحكومة الاسلامیّة الى الناس فی جمیع العصور الى یوم القیامة. فالاسلام یهدف الى العدالة، فان أمكن تحقیق العدالة بهدوء وعن طریق الصلح والسلام فانّه لا یجوز ان تراق حتى قطرة دم واحدة ولا یصحّ توجیه ابسط اهانة الى ایّ انسان. فعلیّ(علیه السلام) هو نفس ذلك الشخص الذی عندما سمع انّ خلخالاً انتزع من رِجل امرأة یهودیة قال: «فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا اسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندی جدیراً»(1).
لم یكن علیّ(علیه السلام) على استعداد لان یُنتزع خلخال من رِجل امرأة یهودیّة، فهل من المعقول ان یقوم هذا الشخص بذبح سبعین الفاً من الناس من دون مبرّر؟!!
لو كنّا ـ أنا وأنت ـ نفكّر بالطریقة العصریّة ماذا كنّا نقول عن علیّ(علیه السلام)؟
أما كنّا نقول انّه عنیف، قاسی القلب، لیس له رؤیة سیاسیّة، ونصفه بأوصاف من
1. نهج البلاغة، الخطبة 27.
هذا القبیل؟
واقول لنفسی: توقّف ولا تندفع فی الجرأة.
لكنّ علیّاً(علیه السلام) لم یكن ینظر الى زمانه فحسب، ولم یكن یفكّر فی حكومته فقط، بل كان لابدّ ان یقدّم نموذجاً للحكومة الاسلامیّة، حتّى یستطیع ایّ انسان ان یتأسّى به فی اقامة الحكومة الاسلامیّة الى یوم القیامة.
عندما كان الامام الخمینی(قدس سره) مقیماً فی باریس قصده المراسلون الصحفیون من كل أرجاء العالم وسألوه: اذا انتصرتم على الشاه فما هی نوعیّة الحكومة التی سوف تتولّى زمام الامور فی ایران؟ فأجاب الامام قائلاً: «حكومة علیّ(علیه السلام)، انّ مثالنا وقدوتنا هی حكومة علیّ(علیه السلام)»(1).
وبعد انتصار الثورة صرّح الامام نفسه قائلاً: مع كلّ الوان المشقّة التی تحمّلناها فانّنا الآن نشمّ رائحة من الاسلام فقط، أمّا الحكومة المثالیّة فهی الحكومة التی حققّها علیّ(علیه السلام)، ونحن نتحرّك فی هذا الاتّجاه بالمقدار الذی تسمح به الظروف ویعیننا الناس علیه، انّ هدفنا هو تلك الحكومة، ونحبّ ان نكون بهذه الصورة.
لم یقل(رحمه الله) انّ قدوتنا هی الدیمقراطیّة الاوربیّة او الامریكیّة. لم یقل ایضاً انّ اسوتنا هی حكومة الخلیفة الاول او الخلیفة الثانی او غیرهما، وانّما قال(قدس سره) انّ قدوتنا هی حكومة علیّ(علیه السلام).
لم یكتف علیّ(علیه السلام) بتعریف الحكومة الاسلامیّة بأقواله البلیغة، وانّما قام بتعریفها عملیّاً من خلال برنامج حكومته التی استمرت خمس سنوات تقریباً.
أمّا معاویة فقد استغلّ نقاط الضعف الموجودة فی المجتمع الاسلامیّ آنذاك ـ وقد أشرنا الیها فیما سبق ـ وقد بذل غایة جهده لیغیّر طریقة التفكیر هذه ولیحلّ
1. صحیفه نور، ج 2، ص 47، باللغة الفارسیّة.
محلّها طریقة اخرى للتفكیر. حاول ان یجری للناس عملیّة غسیل للدماغ، ثم یطرح لهم منهجاً آخر. وعلى هذا الأساس نشّط سیاسته المذكورة، فاستغفل الشخصیّات الكبیرة ورؤساء القبائل بالتطمیع، فقد بذل لهم وجاد علیهم حتى اشترى ضمائرهم. وكثیر من الناس كان تابعاً للرؤساء، ففی ایّ اتّجاه یتحرّك رئیس القبیلة فانهم یقتفون أثره. وقد سیطر على الآخرین من خلال استعمال سیاسة التهدید وإثارة الرعب.
انّ معاویة خلال عشرین عاماً من حكومته لم یترك وسیلة إلاّ استغلّها، فمن ناحیة استخدم البذل والجود، ومن ناحیة اخرى لجأ الى الرعب والاغتیال وسیاسة القتل وإراقة الدماء بلا حدّ ولا حصر، والاعتداء على أعراض الناس، أمثال بسر بن ارطاة وسمرة بن جندب، كان یرسلهما لیتصرّفا بشكل بحیث لا یجرؤ احد على القیام بأی اعتراض. ولم یبق فی العالم الاسلامیّ سوى افراد معدودین ولاسیّما فی العراق والحجاز یُطلق علیهم اسم «حواریّی علیّ(علیه السلام)»، وأمّا سائر الناس فقد استولى علیهم الرعب من سیاسة معاویة. فاولئك الحواریّون كانوا محترمین عند الناس، وحتّى الضعفاء واهل الدنیا كانوا یكنّون الحبّ لتلك الشخصیّات من أجل منزلتهم الرفیعة. ونحن ایضاً نعیش نفس هذه الحالة بشكل أو بآخر، یعنی انّنا قد نرتكب بعض الذنوب، لكنّنا نشعر بالمحبّة والتقدیر للأشخاص ذوی التقوى والتدین. مثلاً قد لا نراعی الاحتیاط فی الأموال لكن اذا صادفنا شخصاً نزیهاً یدقّق فی موضوع الانفاق من بیت المال فانّنا نحبّه ونجلّه. فقد لا نتمتّع بهذه الهمّة العالیة لكنّنا اذا رأینا الطیّبین فانّنا نشعر بالسعادة.
وعلى كلّ حال فقد كان فی ذلك الزمان اشخاص عرفوا باسم حواریّی علی(علیه السلام)، وقد سار التاریخ على تسمیتهم بهذا الاسم. وكان من جملتهم مالك الأشتر الذی ارسله علیّ(علیه السلام) والیاً على مصر ثمّ قتل، وكذا محمد بن ابی بكر، وعدد آخر من
الأشخاص الذین كانوا یتمتّعون بالمنزلة الاجتماعیّة بالاضافة الى منزلتهم المعنویّة، نالوا النصیب الأوفر من الزهد والتقوى، واطّلعوا على علوم البلایا والمنایا، وكانوا یخبرون أحیاناً عن الغیب، فبعض أصحاب علیّ(علیه السلام) كانت لدیه أنباء عن استشهاده واستشهاد آخرین. ومن بینهم أربعة اشخاص كانوا هم الأبرز: حُجْر بن عدی وعمرو بن الحَمِق الخزاعی ورُشید الهَجَری ومیثم التمّار، فهؤلاء الأربعة لم یكن من الممكن تطمیعهم بأی شكل من الأشكال، وكلّما حاول معاویة ان یخدعهم باظهار الاحترام لهم والتمجید بهم لكی یستمیلهم نحوه فانّهم لم یبدوا أیّ استجابة له. انّ هؤلاء الكرام كانوا یعرفون النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) معرفة حقیقیّة ویعشقون علیّاً(علیه السلام) عشقاً الهیّاً، وقد وقفوا حیاتهم لبیان فضائل علیّ(علیه السلام) ومناقبه. وقد كان معاویة متحیّراً بشأنهم، لكنه قرّر بالتالی ان یقتلهم: حُجر بن عدی من ناحیة، وعمرو بن الحَمِق الخزاعی من ناحیة اخرى. ثم ارسل رأس عمرو بن الحَمِق الخزاعی الى زوجه. وقد كتبت هذه المرأة العظیمة جواباً ارسلته الى معاویة، وقد أغضبه جوابها الى الحدّ الذی أمر باخراج تلك السیّدة الكریمة من البلد الإسلامیّ.
وفی أحد الأیام جاء عمرو بن الحمق الى الامام امیرالمؤمنین(علیه السلام) وقال له: والله یا أمیرالمؤمنین انی ما اجبتك ولا بایعتك على قرابة بینی وبینك ولا ارادة مال تؤتینیه ولا ارادة سلطان ترفع به ذكری، ولكنّی اجبتك بخصال خمس: انك ابن عمّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وأوّل من آمن به، وزوج سیدة نساء الامّة فاطمة بنت محمد، ووصیّه، وابو الذریّة التی بقیت فینا من رسول الله، واسبق الناس الى الاسلام، وأعظم المهاجرین سهماً فی الجهاد. فلو انّی كلّفت نقل الجبال الرواسی ونزح البحور الطوامی حتى یأتی على یومی فی أمر اُقوّی به ولیّك واُهین به عدوك ما رأیت انی قد أدّیت فیه كلّ الّذی یحقّ علی من حقّك. فقال علیّ(علیه السلام): اللهم نوّر قلبه بالتقى،
واهده الى صراطك المستقیم، لیت انّ فی جندی مائةً مثلك!!»(1).
لا نصادف مثل هذه الزهور العطرة وعلى هذا المستوى من الإیمان إلاّ بأعداد ضئیلة.
وقد قام معاویة بقتل هذین الرجلین الكریمین، ای حجر بن عدی وعمرو بن الحمق، بكل قسوة، متحمّلاً كلَّ النتائج المترتّبة على ذلك الفعل الدنیء.
انّ قتل مثل هؤلاء كان یكلّفه غالیاً، لانّه لا یحبّ ان یكون سیّئ السمعة بین المسلمین، ولكنّه كان یعتقد انّه لا مفرّ من ذلك. فعندما وجد انّ هذین لا یستسلمان بأیّ شكل من الاشكال، ولا یمكن ترویضهما ولا تطمیعهما فقد أمر بقتلهما. وبقی شخصان آخران من حواریّی علیّ(علیه السلام) وهما رُشید الهجری ومیثم التمّار.
وعندما مات معاویة فی الشام فقد اخبر میثم التمّار اصحابه قائلاً: لقد هبّت عاصفة وأظنّ أنّ معاویة قد مات فی الشام. والذین كانوا یعرفون میثم التمّار جیداً علموا انّه لا یتكلم من دون علم.
وبعد فترة قصیرة اصبح عبید الله بن زیاد والیاً على الكوفة وحدثت القصّة المعروفة مع میثم. فقد كان میثم منهمكاً فی نشر فضائل علیّ(علیه السلام) وهو یدعو الناس الى اتّباع اهل بیت النبی(صلى الله علیه وآله). وكلّما حاول عبید الله ان یروّض میثم التمّار فانّه لم ینجح فی ذلك. وفی الأیّام التی سبقت دخول الامام الحسین بن علی(علیه السلام) الى العراق ـ ای فی نفس الوقت الذی كان فیه مسلم بن عقیل فی الكوفة وعبید الله بن زیاد یطارده لیقتله ـ نقل انه: «مرّ میثم التمّار على فرس له فاستقبل حبیب بن مظاهر الأسدیّ عند مجلس بنی اسد فتحدّثا حتى اختلفت اعناق فرسیهما. ثمّ قال حبیب: لكأنّی بشیخ أصلع ضخم البطن یبیع البطیخ عند دار الرزق، قد صلب فی حبّ اهل
1. بحار الانوار، ج 32، ص 399، الباب 11، الروایة 371.
بیت نبیه(علیه السلام) ویبقر بطنه على الخشبة. فقال میثم: وانی لأعرف رجلاً أحمر له ضفیرتان یخرج لنصرة ابن بنت نبیّه ویُقتل ویُجال برأسه بالكوفة. ثمّ افترقا.
فقال اهل المجلس: ما رأینا أحداً أكذبَ من هذین.
قال: فلم یفترق اهل المجلس حتى أقبل رُشید الهجری فطلبهما فسأل اهل المجلس عنهما فقالوا: افترقا وسمعناهما یقولان كذا وكذا، فقال رشید: رحم الله میثماً نسی: «ویزاد فی عطاء الذی یجیء بالرأس مائة درهم»! ثمّ ادبر. فقال القوم: هذا والله أكذبهم. فقال القوم: والله ما ذهبت الأیّام واللیالی حتّى رأیناه مصلوباً على دار عمرو بن حریث، وجیء برأس حبیب بن مظاهر وقد قتل مع الحسین ورأینا كلّ ما قالوا»(1).
هكذا ربّى علیّ(علیه السلام) مثل هؤلاء الأبطال. وبالتالی قتل عبید الله بن زیاد میثم التمار ورشید الهجری، لماذا؟ لأنهما ما كانا مستعدَّین للاستسلام لمطالبه غیر المشروعة.
وقد نقل احد الرواة قال: «سمعت میثماً النهروانی یقول: دعانی امیرالمؤمنین صلوات الله علیه وقال: كیف أنت یا میثم اذا دعاك دعیّ بنی امیّة عبید الله بن زیاد الى البراءة منّی؟ فقال: یا امیرالمؤمنین! انا والله لا ابرأ منك. قال: اذن والله یقتلك ویصلبك، قلت: اصبر فذاك فی الله قلیل. فقال: یا میثم اذاً تكون معی فی درجتی»(2).
وأنتهز هذه الفرصة لأُوجّه كلمة عتاب لأصدقائی علماء الدین تتلخّص فی انّنا عندما ندرس ونحقّق فی المسائل المتعلّقة بموضوع «الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر» نقول انّه واجب ما لم یشكّل خطراً على الروح، فاذا كان فیه خطر على روح الانسان فانّ التكلیف ساقط.
واحبّ أن اتساءل: هل انّ میثم التمّار لم یكن یعلم بانّه اذا تعرّض روحه للخطر فانّ حفظ الروح واجب ولابدّ حینئذ من استعمال التقیّة؟ ألیس من الواجب ان
1. بحار الانوار، ج 45، ص 92، الباب 37، الروایة 33.
2. بحار الانوار، ج 42، ص 130، الباب 122، الروایة 13; ج 75، ص 433، الباب 87، الروایة 95.
یحافظ الانسان على روحه؟
وهذا السؤال وارد فی مجال حجر بن عدی ورشید الهجری وعمرو بن الحمق ثمّ فی مجال سعید بن جبیر وغیر هؤلاء من كبار الصحابة.
یروى ان الحجّاج بن یوسف الثقفی ارسل إلى سعید بن جبیر فأحضر عنده، فطلب منه البراءة من علیّ(علیه السلام) فرفض ذلك بشكل حاسم. فقطعوا لسانه وهدّدوه بالموت فلم یتبرأ من ولایة علیّ(علیه السلام) فقتل رضوان الله علیه.
وروی ایضاً عن قنوا بنت رُشید الهجری، قالت: سمعت ابی یقول: أخبرنی أمیرالمؤمنین صلوات الله علیه فقال: یا رشید كیف صبرك اذا أرسل الیك دعیّ بنی امیّة فقطع یدیك ورجلیك ولسانك؟ قلت: یا أمیرالمؤمنین آخر ذلك الى الجنّة؟ فقال: یا رشید انت معی فی الدنیا والآخرة. قالت: والله ما ذهبت الایام حتّى أرسل الیه عبید الله بن زیاد الدعی فدعاه الى البراءة من أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فأبى ان یتبرأ منه. وقال له الدعی: فبأیّ میتة قال لك تموت؟ فقال له: اخبرنی خلیلی انّك تدعونی الى البراءة فلا ابرأ منه، فتقدّمنی فتقطع یدیّ ورجلیّ ولسانی، فقال: والله لاُكذبنّ قوله. قال: فقدّموه فقطعوا یدیه ورجلیه وتركوا لسانه، فحملت اطرافه یدیه ورجلیه. فقلت: یا ابت هل تجد الماً لما أصابك؟ فقال: لا یا بنیّة إلاّ كالزحام بین الناس. فلمّا احتملناه واخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فقال: ائتونی بصحیفة ودواة اكتب لكم ما یكون الى یوم القیامة فأرسل الیه الحجّام حتى قطع لسانه فمات(رحمه الله) فی لیلته»(1).
ولدیّ كلمة عتاب مع اخوتی علماء الدین وهی اننا لابدّ ان نحقّق اكثر فی هذه المجالات، حتّى نستطیع القول فی ایّ مورد وفی ایّ زمان تجوز البراءة من الامام المعصوم(علیه السلام) تحت عنوان التقیّة؟
1. بحار الانوار، ج 75، ص 433، الباب 87، الروایة 95.
وفی ایّ مجال یجوز ارتكاب بعض المحرّمات من أجل التقیّة، وما هی تلك المحرمات؟ هل هناك موارد لا تستطیع التقیّة ان تحول دون اداء الواجب الشرعی ام لا؟ اذا كانت فما هی تلك الموارد؟
وبالتالی نحن نلاحظ وجود شخصیّات عظیمة تتمتّع بدرجة عالیة من التقوى بحیث تأتی بعد درجة المعصوم(علیه السلام) ولدیها علم البلایا والمنایا، ولكنّها ما كانت مستعدّة للتبرّی من علیّ(علیه السلام) للمحافظة على أرواحهم، لماذا ولأیّ سبب كان ذلك؟ ألم یكن من الأفضل ان یبقى هؤلاء احیاء، لیطول الزمان الذی ینفقونه فی تعلیم الناس الحقَّ والمعارف الأصیلة؟ ثمّ ألیس بقتلهم تُسلب منهم امكانیّة القیام بواجب التعلیم؟ وعلى أقلّ تقدیر كان من المناسب ان یستعملوا التقیّة، فلماذا لم یلجأ هؤلاء الكرام الى التقیّة؟ ما هو مبرّرهم الشرعی؟ أما كان لدیهم علم بموضوع التقیّة؟ وعندما كان علیّ(علیه السلام) یخبرهم بمستقبلهم لماذا لم یأمرهم بالتبرّی منه عندما یُطلب منهم ذلك حفاظاً على ارواحهم؟
یؤسفنی أن أقول انّنا لم نحقّق فی هذه الامور إلاّ قلیلاً، ولعلّ أفضل شخص قام بالمهمّة فی هذا المضمار هو الامام الخمینی(قدس سره)، حیث انّ اوّل فتوى صریحة له كانت هی: التقیّة فی مجال الامور المهمّة حرام ولو بلغ الامر ما بلغ(1).
أمّا الآخرون فانّهم لم یصدروا مثل هذه الفتوى، لانّهم لم یقوموا بالتحقیق مثله، أو انّهم ما كانوا یملكون الجرأة على اصدار مثل هذه الفتوى. امّا الامام الخمینی(قدس سره)فقد كان یتمتّع بالشهامة وقد قام بهذا التحقیق، ولهذا أعلنها صریحة بقوله: لابدّ من اقامة النظام الاسلامیّ، حتّى لو تعرّضت ارواحكم للخطر، وحتّى لو قتل فی سبیل ذلك مئات بل آلاف الأشخاص. لابدّ من القضاء على الأشخاص المتصدّین لمحو الاسلام،
1. صحیفه نور، ج 1، ص 39، ج 7، ص 36، باللغة الفارسیة.
عقائد الاسلام وقیمه، والتقیّة فی هذا المجال حرام، وان بلغت النتائج ما بلغت.
هذه هی فتوى الامام(رحمه الله)، أمّا نحن تلامذته ـ اذا كنّا أهلاً لنُعدّ من تلامذته ـ فقد قصّرنا ولم نواصل الطریق الذی بدأه.
لابدّ ان نبیّن بشكل سلیم الاُسس الفقهیّة لهذه المسألة حتّى یتّضح تماماً فی ایّ مورد یجوز استعمال التقیّة وفی ایّ مورد یجب، وهل هناك موارد یكون استعمال التقیّة فیها جائزاً لكنّ ترك استعمالها أرجح؟
انّ مثل هذه الأسئلة مطروح للبحث، ولكنّی أرجو ان یتّسع مجال مثل هذه البحوث وان تكون هذه المعارف الجلیلة فی متناول أیدی جمیع الناس. ألیست هذه الأحكام جزءاً من الدین؟ ألسنا فی هذا العصر بحاجة ماسّة الى هذه الأحكام؟ هل لدینا اطمئنان بأنّا سوف لن نحتاج الى هذه الأحكام؟ اذا لم نقم ببیان وشرح هذه الأحكام بالشكل الصحیح فسوف یقوم الشیاطین بطرح موضوع التساهل والتسامح ثمّ ینسبونه الى الاسلام، وبهذا یسلبون من المسلمین غیرتهم، ویثیرون فی أنفس المسلمین الشكّ والشبهة بانّ النظام اذا كان یطلق علیه اسم النظام الاسلامیّ فلابدّ من التسلیم لكلّ شیء یحدث فی ظلّه.
عندما كان علیّ(علیه السلام) على رأس السلطة فانّه اذا اخطأ الوالی جاء الناس الى الامام(علیه السلام) یشكونه. ولعلّكم سمعتم بهذه القصة فقد روی: «أنّ سودة بنت عمارة الحمدانیّة قالت: جئت الى امیرالمؤمنین علی بن ابی طالب فی رجل قد ولاّه صدقاتنا فجار علینا، فصادفته قائماً یصلی، فلما رآنی انفتل من صلاته ثمّ اقبل علیّ برحمة ورفق ورأفة وتعطّف، وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: اللهمّ أنت الشاهد علیّ وعلیهم، وانّی لم آمرهم بظلم خلقك، ثمّ أخرج قطعة جلد فكتب فیها: بسم الله الرحمن الرحیم قد جاءتكم بیّنة من ربكم فأوفوا الكیل والمیزان ولا تبخسوا الناس أشیاءهم ولا تفسدوا فی الارض بعد اصلاحها ذلكم
خیر لكم ان كنتم مؤمنین، فاذا قرأت كتابی هذا فاحتفظ بما فی یدك من عملنا حتّى یقدم علیك من یقبضه منك، والسلام. ثم دفع الرقعة الی... فجئت بالرقعة الى صاحبه فانصرف عنّا معزولاً»(1).
انّ اولئك الناس ما قالوا: لمّا كانت حكومة علیّ(علیه السلام) حكومة اسلامیّة اذن لابدّ من قبول كل جزئیّاتها.
ومن الذی یقول انّ المسؤول الذی یعمل رسمیّاً ضد الاسلام، وهو المسؤول الذی یقول فیه قائد الثورة الاسلامیة: انه لم یعمل شیئاً واحداً لصالح الاسلام، وبعض اعماله هی ضدّ الاسلام مائة بالمائة ـ وقد سمعت باُذنی هذا القول من لسان قائد الثورة ـ من الذی یقول انه لا یحقّ لنا الاعتراض على مثل هذا الشخص لانّه مسؤول فی الحكومة الاسلامیة؟ اذن لماذا شُرّع الامر بالمعروف والنهی عن المنكر؟ لماذا نبقى صامتین ونحن نلاحظهم یلعبون بالاسلام؟
ویزعمون انّهم تابعون لأفكار الناس. وحتّى لو فرضنا ان هذا الأساس صحیح ـ وهو غیر صحیح قطعاً ـ ألیس المعترضون جزءاً من الناس؟
كیف یحقّ لمجموعة قلیلة من الشباب والفتیات ان ینزلوا الى الشارع ویرقصوا ویتبادلوا القبلات، ولكنّ الناس المؤمنین لا یحقّ لهم ان یعترضوا وان یبدوا مخالفتهم لهؤلاء؟ هل فی هذه الحالة یحدث ما یهدّد استتباب الأمن؟ ألیس من واجب مسؤولی الجمهوریّة الاسلامیّة ان ینهضوا بالدفاع عن الدستور الرسمیّ للبلد؟
ألم ترد مادّة فی القانون تنصّ على انّ المطبوعات لا یحقّ لها ان تكتب شیئاً مخالفاً لاُسس الاسلام والأخلاق العامّة؟(2).
1. بحار الانوار، ج 41، ص 119، الباب 107، الروایة 27.
2. قانون المطبوعات، الفصل الرابع، المادة السادسة، باللغة الفارسیّة.
ألم ینشر فی مطبوعاتنا ـ خلال هذه السنین الأخیرة ـ امور مخالفة لاُسس الاسلام؟ انّ الذی أقسم على الدفاع عن القانون لماذا لم یتحدّث بشیء؟ أیصحّ الاكتفاء بهذه الذریعة وهی انّ القانون قد أعطى الحریّة للمطبوعات؟ هل انّ القانون قد أعطى المطبوعات الحریّة المطلقة؟ فی نفس هذا القانون نلاحظ وجود هذا القید وهو انّ المطبوعات لا یحقّ لها ان تكتب شیئاً مخالفاً لاُسس الاسلام والأخلاق العامّة. وفی غیر هذه الصورة لابدّ من الخضوع لقانون العقوبات. انّ القانون الصادر من شورى الثورة الثقافیّة یعتبر وزیر الارشاد هو المسؤول عن جمیع المطبوعات وألوان النشاطات الثقافیّة(1).
فلماذا إذنْ لا تُراقب مثل هذه النشاطات؟ ولیت الأمر یقتصر على عدم المراقبة، لماذا یعطون الضوء الأخضر للمطبوعات المنحرفة؟ لماذا یضعون تحت تصرّف أصحابها التسهیلات والامكانیّات؟ أمن أجل ان یتجرّؤا صراحة على مقدّسات الاسلام وعلى شخصیّة سید الشهداء(علیه السلام)؟ هكذا تكون الحكومة الاسلامیة؟
اذا كان قائدنا ـ وهو نور عیوننا ونفدیه بأرواحنا ـ هو الولیّ الفقیه فانّ ذلك لا یعنی انّ جمیع الامور صالحة وانّ جمیع التصرّفات هی مورد تأییدنا، فی كلّ مورد یثبت فیه التخلف لابدّ من الاعتراض.
اذا كانت مسألة مخالفة لفكر الجناح الحاكم ممّن یسمّون انفسهم بالإصلاحیین ـ لابدّ من بیان ماهیّة هذا الإصلاح، وهل یمكن بالتسمیة ان یتحوّل «الافساد» الى «اصلاح»؟ یقول تعالى: (وَ إِذا قِیلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِی الأَْرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا یَشْعُرُونَ)(2).
1. قانون اهداف وواجبات وزارة الثقافة والارشاد الاسلامی ـ المادة الثانیة.
2. سورة البقرة، الآیتان 11 ـ 12.
ـ اذا لم ینسجم موضوع مع ذوق هؤلاء فانّهم یدفعون الى الشوارع عدداً قلیلاً من المتحلّلین لیقوموا بالمظاهرات، ولا نجد احداً یقف فی وجوههم، ویدّعون انّهم تابعون لرغبة الناس، ولرغبة الشباب بالذات، ألیس الناس والشباب هم الذین یملأون هذه المجالس الحسینیّة؟ انّ ثمانین بالمائة من الناس الحاضرین فی مثل هذه المجالس هم من الشباب. لیس المهمّ ان تتعالى الأصوات بشعارات تدافع عن الشباب، بل المهمّ ان نتساءل: ماذا قدّمتم لهؤلاء الشباب؟ انّ هؤلاء الشباب یریدون الدین ویحبّون الحسین(علیه السلام).
فاذا كان المدّعون للاصلاحات صادقین ومخلصین فی دفاعهم عن الدستور وعن الدیمقراطیّة فلینظروا ماذا یرید هؤلاء الناس ثمّ لیعملوا بذلك. ألم یزعموا انّهم یعملون حسب ما یرید الناس؟ ألیس هؤلاء الحاضرون فی المجالس الدینیّة من الناس؟ ام ان مفهوم الناس لا ینطبق إلاّ على عدد قلیل من الشباب الواقعین تحت تأثیر الدعایات الأمریكیّة والذین قد أفسدت اخلاقَهم افلامُ الفیدیو المنحطّة؟ هل واجبنا فقط هو ان نبتسم لهؤلاء ونرسل الیهم القبلات؟ وما هو الموقف من الشباب المتدیّن الملتزم؟ ألیس هؤلاء من الناس؟ وحسب الدستور ألا ینبغی الالتفات الى مشاكلهم وتلبیة طلباتهم؟ ألا یصرّح القانون انه لابدّ من الحیلولة دون المفاسد والتجاوز على احكام الاسلام والقیم الاسلامیّة؟
ان كنتم صادقین فلماذا لا تولون اهتماماً بهذا الجانب؟
ولماذا لا ترى أعینكم إلاّ الطرف المقابل لهم؟
استمعوا قلیلاً الى هؤلاء الشباب المؤمنین ایضاً.
قبل فترة قصیرة قام الناس باعتراض شدید على مضامین بعض الصحف ـ ولم أكن أنا موجوداً فی داخل البلد ولكنّی سمعت بذلك الأمر ـ وقاموا بتحصّن عجیب، وقد ساهم فی هذه الاعتراضات مجموعة من العلماء الكبار، من جملتهم آیة الله
المشكینی، وآیة الله جوادی آملی، وآیة الله النوری.
أمّا المسؤولون فلم یفعلوا ایّ شیء ازاء هذا التحصّن وقد مرّ علیه عدّة شهور.
ألیس مراجع التقلید من جملة الناس؟ ألا یجب الاهتمام بأقوالهم؟
وبالتالی یقول البعض انّ هذا التحصّن غیر قانونی!
وبعض المحافظین قال انّ المظاهرات التی اقیمت لدعم القیادة العلیا للثورة هی مظاهرات غیر قانونیّة!
على أساس ایّ قانون تكون هذه الأحكام؟
انّ عشرة من المحافظین لم یعطوا الرخصة باقامة هذه المظاهرات(1).
لكن هل اهتمّ الناس بهذه المواقف؟
انّ الناس یعتزّون بدینهم، واذا شعروا بانّ دینهم یتعرّض للخطر فانّهم لا یلتفتون الى هذه الامور، ولا ینبغی أیضاً أن یلتفتوا الیها.
نعم اذا أمر قائد الثورة الاسلامیّة بشیء فانّ امره مطاع ونضعه على رؤوسنا، كما كنّا نفعل مع أوامر الامام الخمینی(قدس سره). واذا نهى عن شیء فلابدّ من الانتهاء عنه.
لكنّ القائد المكرّم لم یقل: لا تبدوا مواقفكم ولا تعترضوا ولا تنقدوا.
لو أنّ امّتنا قد وجّهت نقدها بصورة قانونیّة هادئة لهذه الهجمة الثقافیّة العارمة لم یصل وضعنا الثقافیّ الى ما وصل الیه. لكنّه مع الأسف استُغفل الناس وخُدّروا، لقد صوّروا للناس انه لمّا كان النظام اسلامیّاً فلابدّ من الطاعة فی جمیع الموارد!
إلاّ انّ هذه مغالطة لابدّ من التنبیه علیها، فمجرّد كون النظام اسلامیّاً لا یوجب الطاعة لكل مسؤول فیه ولا یحرّم الاعتراض علیه. فاذا لاحظنا تخلّفاً من أحد فلابدّ من الاعتراض علیه ولابدّ ان نصرخ فی وجهه لیعرف العالم انّنا جزء من هذه
1. صحیفه كیهان 1378/04/24 هـ .ش، باللغة الفارسیة.
الاُمّة. انّ الاذاعات وقنوات التلفزیون الأجنبیّة تصوّر الشؤون الایرانیّة وكأنّ الناس فی ایران ـ غیر فئة قلیلة ـ متحلّلون من القیم، متأثّرون بالغرب، هاربون من الاسلام.
لابدّ ان نثبت للعالم انّنا نحن الاُمّة الحیّة، وأمّا الآخرون فلیسوا سوى خلایا سرطانیّة وغدد مَرَضیّة. انّ الذین صنعوا هذه الثورة الاسلامیة المباركة وتحمّلوا أثقالها هم هؤلاء الناس المؤمنون. هم الذین انضووا تحت رایة الحسین(علیه السلام) وثاروا حسب معاییره وقدّموا الشهداء لإحیاء احكام الاسلام. فكیف یمكن الآن ان یعیشوا مستقرّین مطمئنّین وهم یرون احكام الاسلام یُتلاعب بها بأسوء الأشكال؟ هل هذا هو الدین؟ وهل هذا هو سبیل الله؟ وهل هو طریق الامام الحسین(علیه السلام)؟ هل الدستور الرسمیّ للبلد یقول بذلك؟ هل مراجعنا یقرّون هذه الامور؟ ایّ دین یرضى بهذا؟ ایّ دیمقراطیّة تسمح بهذا؟
انّ الطرف المقابل ینظر الى قوانین حقوق الانسان على أساس انها إنجیله، وینظر الى الدستور على اساس انّه قرآنه، فلیكن ذلك كما تقولون، فنحن نطالبكم بالعمل حسب هذا الدستور وحسب تلك الدیمقراطیّة. انّ اكثر من تسعین بالمائة من الشعب الایرانیّ یرید تطبیق الأحكام الاسلامیّة، فلا تخدعوا انفسكم. واللهِ العظیم انّ سكوت هؤلاء الناس ناشئ من طیبتهم ومن تصوّرهم انّ قائد الثورة الاسلامیّة لا یرضى بالاعتراض.
فی یوم مّا كانت لی محاضرة فی احدى مدن خراسان، وبعد الفراغ من المحاضرة اصرّت سیدة على مقابلتی ولمّا حضرت قالت: لدیّ موضوع احبّ أن توصله للسید القائد. فقلت: سوف افعل ذلك ان شاء الله اذا تهیّأت الظروف. قالت: أخبر السید القائد بانّه والله العظیم لولا الاحترام لشخصك الكریم لارتدینا ـ نحن السیدات ـ الأكفان واوقفنا فلانا وفلانا و... عند حدّهم، والذی یحول بیننا وبین هذا التصرّف هو احتمال انّك غیر راض عنه.
انّ امّتنا اختارت السكوت عن بعض التصرّفات احتراماً للقیادة وحفاظاً على الأمن والاستقرار، وإلاّ فانّ الناس لا یوافقون اطلاقاً على أن یموت الاسلام فی هذا البلد. وأنا اوصی اخوتی الاعزّاء واخواتی الكریمات ان یوصلوا اعتراضاتهم ـ بطریقة قانونیّة منطقیّة ـ الى أسماع المسؤولین، ولیقولوا بوضوح انّنا لا نرید هذه الامور. وهذه الطریقة فی الاعتراض لیست جریمة ولا ارهاباً ولا اثارة للشغب. فهل هناك من یعدّ مجرّد المخالفة لسلوك معیّن او سیاسة خاصّة او لمسؤول بعینه عملاً ارهابیّاً او استعمالاً للعنف؟
اذا كان من یقول بذلك من المسلمین فكیف یفسّر سلوك علی(علیه السلام) أو حتّى سیرة النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله)نفسه؟
ینقل التاریخ انّ النبیّ(صلى الله علیه وآله) قام بسبعین غزوة خلال عشر سنوات بعد هجرته المباركة، وان علیّاً(علیه السلام) قام بثلاثة حروب كبیرة خلال فترة حكمه التی لم تكمل خمس سنوات، وقد ذهب ضحیّة هذه الحروب ما یناهز مائة الف قتیل من المسلمین. فكیف یمكن تفسیر مثل هذه الموارد؟
نعم اذا ساد فی المجتمع منطق التساهل والتسامح فان مثل هذه التصوّرات تخطر على اذهان الشباب، ثم یأتی الجبناء الذین لا دین لهم لیقولوا ان الخمینىّ لابد ان یوضع فی متحف التاریخ، فقد ذهب الاسلام، انّها مشكلة الاسلام، انه لا یستطیع ان ینسجم مع الدیمقراطیّة(1).
1. صحیفة كیهان، العدد المؤرخ 1379/02/24 هـ.ش، وهو تقریر عن اللقاء الصحفی الذی اجراه اكبر گنجی مع الصحیفة الالمانیّة تاكس اشبیگل.