ar_marefat_zat-ch1_1.htm

بحثٌ كلیٌ موجز حول

بحثٌ كلیٌ موجز حول

معرفة الذات لبنائها من جدید

ضرورة معرفة الذات

من الطبیعیّ جدّاً للموجود الّذی یحمل فی فطرته حبّ الذّات أن یعرف هذه الذات و یدرك كمالاتها و سبل الوصول إلیها، فلا نحتاج للأدلّة العقلیّة المعقّدة أو التعبدیّة الشرعیّة لندرك ضرورة معرفة الذات. و من هنا فإنّ أَیّ تغافل عن هذه الحقیقة و انشغال بالأشیاء التی لاتملك أیّ دخل فی الكمال و السّعادة الإنسانیّة أمر غیر طبیعیّ و انحرافیّ بلا ریب مما یتطلّب منّا البحث عن علة هذا الانحراف و معرفة سبیل الخلاص من آثاره السلبیّة.

و الحقیقة أنّ كل أنماط السعی الإنسانی سواء العلمیّ منها أو العملیّ إنما یتمّ لضمان اللذات و المنافع و المصالح للإنسان، و لذا فإنّ معرفة الإنسان نفسه و بدءه و منتهاه و كذلك كمالاته التی یمكن الوصول إلیها، هذه المعرفة مقدّمة على كل المواضیع بل إنه بدون معرفة حقیقة الإنسان و قیمته الواقعیّة لا تبقى أیّة فائدة و قیمة للبحوث الأخرى.

إنّ تأكید الأدیان السّماویة و قادة الدین و علماء الأخلاق على معرفة النفس و كشف حقیقتها، إنما هو إرشاد إلى هذه الحقیقة الفطریّة و العقلیّة، فهذا القرآن الشّریف یعتبر نسیان النفس من لوازم نسیان اللّه و أنه بمنزلة جزاء لهذا الذّنب العظیم، فیقول تعالى:

«وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِینَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ»([1]) و فی موضع آخر:

«عَلَیْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا یَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ»([2])

و قد وجّه الأنظار إلى آیاته ـ تعالى ـ فی الآفاق و الأنفس فقال:

«سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الآْفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»([3]) و قد أوْلى آیات الأنفس عنایةً خاصّةً حین عبر تعالى بقوله:

«وَ فِی أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ»([4]) فألقى باللّوم على أولئك الذین لا یسعون لمعرفة الآیات الإلهیّه فی أعماق وجودهم.

و قد أعطى النبیّ الأكرم(صلى الله علیه وآله وسلم) معرفة النفس أهمیّةً فائقةً و جعلها سبیل معرفة اللّه حیث قال: «من عرف نفسه فقد عرف ربه».

و قد نقلت روایات كثیرة عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) بهذا الصّدد، نقل منها المرحوم (الآمدی) ما یقرب من 30 روایةً فی كتابه (غُرر الحِكم) و منها هذه الكلمات القصار:

«معرفة النفس أنفع المعارف».

«عجبت لمن ینشد ضالته و قد أضلَ نفسه فلا یطلبها».

«عجبت لمن یجهل نفسه كیف یعرف ربّه».

«غایة المعرفة أن یعرف المرء نفسه».

«الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النّفس».

و قد روی عنه(علیه السلام) قوله:

«كلّما زاد علم الرّجل زادت عنایته بنفسه و بذل فی ریاضتها و صلاحها جهدَه»([5]).



[1]. سورة الحشر: 19

[2]. سورة المائدة، 105

[3]. سورة فصلت: 53

[4]. سورة الذاریات: 21.

[5]. مستدرك الوسائل، ج2، ص 310.