ar_marefat_zat-ch6_4.htm

سبیل التقرب

سبیل التقرب

إن كل موجودات العالم مخلوقة لله تعالى و هی محتاجة إلیه فی شؤونها الوجودیّة و لا استقلالیة لها مطلقاً.

«ذلكم اللهُ ربكم خالقُ كلّ شیء»([1])

«انتُمُ الفقراءُ إلى اللهِ و اللهُ هوَ الغنیُّ الحمید»([2])

و حقیقة وجودها عین الربط و التعلق و محض المملوكیة و العبودیة.

«كلُّ شیء هالكٌ إلاّ وجهه»([3])

«وعنت الوجوهُ للحیّ القیّوِم»([4])

«اِن كلُّ من فی السماواتِ و الأرضِ إلاّ آتی الرّحمن عبداً»([5])

و الأفعال التی تصدر منها هی آثار للوجود التعلّقی و علامة للمملوكیّة و الفقر، و علیه فكلّ موجود هو عبدالله تكویناً.

«و لهُ أسلمَ من فی السماواتِ و الأرضِ»([6])

«و لّلهِ یسجدُ ما فی السماواتِ و ما فی الأرض»([7])

«و إن مّن شیء إلاّ یسبّحُ بحمده ولكن لاتفقهونَ تسبیحهُم»([8])

و لیس الإنسان مستثنى من هذه القاعدة الكلّیة و لكنه لا یعی عادة عبودیّته التكوینیّة و بعبارة أخرى: فإنه خلق فی هذا العالم بحیث یتصور نفسه و الأشیاء الأخرى مستقلّة فی الوجود.

«بناهم بنیة على الجهل»([9])

بمعنى أنه لا یرى وجوده متعلقاً بالله و یرى أن كمالاته هی من صنع نفسه و یرى نفسه مستقلا فی أفعاله، و یرى للموجودات الأخرى هذا الاستقلال فی الوجود و الآثار الوجودیّة.

و هو یسعى دائماً لتوسعة دائرته الوجودیّة و نیل كمالات أكثر و قدرة أكبر على الأعمال و تحكیم أسس استقلاله. فلا یوجد بین إدراكاته و میوله الواعیة شیء یتنافى مع (تصور الاستقلال هذا). و طبیعیّ أنّ له إدراكاً لا شعوریّاً فطریّاً باحتیاجه الذاتیّ و عدم استقلاله الوجودیّ ولكن سیطرة الجانب المادّیّ و الحیوانی تمنع من أن یصل إدراكه الفطریّ إلى حد الوعی اللهم إلاّ فی الظروف الاستثنائیة.

و عندما یصل الإنسان إلى رشده العقلی یستطیع بواسطة نشاطاته الذهنیّة و استدلالاته العقلیّة أن یعی فقره الوجودی ـ إن قلیلا أو كثیراًـ و یهتدی بذلك إلى وجود خالق الكون. و من خلال تكامله العقلی و قدرته الاستدلالیّة بالتدریج یحصل على وعی أكثر بحاجته الأساسیّة و عدم استقلاله الذاتی و من ثم یصل فی نهایة السیر العقلانی إلى حقیقة ربطه و یعلم بها علماً حصولیاً. و لكن هذا السیر الذهنی بنفسه لا یؤدی إلى نتیجة شهودیّة حضوریّة حیث لا یُبقی تسلط الغرائز و الاحساسات و جاذبیّة المیول و العواطف ـ فی الغالب ـ مجالا لظهور المعرفة الفطریّة و تجلیها. اللهم إلاّ أن یصمّم الإنسان على الوقوف بوجه طغیانها لیعی ذاته إلى حدّ ما و یفتح له سبیلا إلى أعماق روحه و یبدأ سیراً معنویاً إلى الحق; بمعنى أن یتوجه بقلبه إلى الله و یصقل معرفته الفطریة بدوام التوجه القلبی و تقویته و تركیزه و بالتالی بتقریب نفسه إلى الله.

فی مثل هذه الحالة یبدأ السیر التكاملی الإنسانی باتّجاه المقصد الحقیقی و المقصود الفطریّ. بمعنى أنه بالاختیار الحرّ یبدأ بسعی واع لیجد ارتباطه بالله و یعترف بحاجته و عجزه و ذلّته و بالتالی فقره و فقدانه الذاتی و یُرجع مملوكات الله ـ التى كان ینسبها بالباطل إلیه و إلى الآخرین ـ إلى مالكها الحقیقی و یعید رداء الكبریاء الإلهیّ إلى صاحبه.

«إنّهُ كان ظَلُوماً جهولا»([10])

و تستمر هذه المرحلة حتى یكون عبداً خالصاً و على هذا فیمكن القول إن الكمال النهائی للإنسان یكمن فی صیرورته عبداً خالصاً أو مشاهدة الفقر الذاتی أو الكمال فی نفسه، و إنّ سبیل الوصول إلیه یتمّ بالعبادة و طلب رضا الله بمعنى جعل رضا الله بدلا لرضا نفسه.

«إلاّ ابتغاءَ وجهِ ربّهِ الاَعلى»([11])

فالمسیر الأصلیّ التكاملیّ و الصراط المستقیم للإنسانیّة و السبیل الصحیح للقرب الإلهی هو قضاء حقّ العبودیّة و العبادة و إلغاء تصورات الاستقلال و الاعتراف بالعجز الكامل الشامل له.

«و ما خلقتُ الجنَّ و الإنسَ إلاّ لیعبدونِ»([12])

«و أنِ اعبدُونی هذا صراطٌ مستقیمٌ»([13])

و إنّما یمكن أن یعتبر السّعی سعیاً فی سبیل القرب الإلهی و فی مسیر التكامل الحقیقی و بتعبیر آخر سعیاً إنسانیّاً إذا كان مصطبغاً بصبغة العبودیّة و عبادة الحق المعبود. و لا یمكن اعتبار أیّ عمل أو نشاط أمراً موجباً للكمال الحقیقیّ مطلقاً إلاّ عبادة الله تعالى.




[1]. غافر: 62.

[2]. فاطر: 15.

[3]. القصص: 88.

[4]. طه: 111.

[5]. مریم: 93.

[6]. آل عمران: 83.

[7]. النحل: 49.

[8]. الإسراء: 44.

[9]. بحار الأنوار ـ ج3، ص 15، ج 2.

[10]. الأحزاب: 72.

[11]. اللیل: 20.

[12]. الذاریات: 56.

[13]. یس: 61.