ar_marefat_zat-ch7_3.htm

العلاقة بین العلم و الإیمان و العمل

العلاقة بین العلم و الإیمان و العمل

إن اعتبار الإیمان كتصدیق ذهنی هو بعینه اعتبار العلم و بذلك لیس أمراً اختیاریّا، لأنّ بعض العلوم یدركها العقل بالبدیهة، و لیس للإنسان أیّ اختیار فی تحصیلها و التصدیق بها، و بعض العلوم و إن كانت تحصل عادة عبر مقدّمات اختیاریّة إلاّ أنّ الاختیار لیس مقوّماً لها بمعنى أنّه من الممكن أن تحصل تلك المقدّمات فی الذّهن بسماع صوت أو رؤیة خطّ، و عندئذ یدركها الإنسان بدون اختیار و یصدق بها، نعم إذا كانت مقدمات العلم متحققة بالإرادة و الاختیار فلابّد أن تكون هناك دوافع لتحصیلها و تركیبها و هذه الدوافع قد تكون غریزة الاستطاع أو العمل على كسب مجد و فخر أو الاستفادة المادیّة أو رضا اللّه، و فی الحالة الأخیرة فقط یكون عبادة، ولكن مثل هذه العبادة یجب أن تسبقها حتماً معرفة اللّه.

إنّ المقصود من الإیمان الذی نركّز علیه فی هذا البحث و اعتبر فی القرآن و النصوص الدینیّة أساساً للسعادة، هو حقیقة تختلف عن المعنى المقابل للكفر و الجحود و تتفاوت عن المعرفة، إذ ما أكثر أن یعرف الإنسان شیئاً و لكن قلبه یرفضه و لا یلتزم بلوازم تلك المعرفة و من هنا فهو یخالفه عمداً و ربما اقتضى الأمر أن ینكره بلسانه، و مثل هذا الإنكار مع العلم أشدّ سوءاً من الإنكار مع الجهل و أكثر ضرراً بالتكامل الإنسانیّ، و هذا القرآن الكریم یصفهم:

«و جحدوا بها و استیقنتها أنفسهم ظلماً و علوّاً»([1])

و على لسان موسى(علیه السلام) و هو یخاطب فرعون یقول:

«لقد علمت ما أَنزل هؤلاء إلاّ ربُّ السّماوات و الأرض»([2])

فی حین كان فرعون یقول:

«ما علمت لكم من إله غیری»([3])

و هناك الكثیر من أمثال فرعون ممّن أنكروا ما یعرفون، سواءً فی حیاة الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) أو بعدها و ما زالوا إلى یومنا هذا، و السّر النفسیّ لمثل هذا الإنكار هو أنّ الإنسان قد یرى أنّ قبول بعض الحقائق یعنی تحدید حرّیته و تحلّله و منعه من إشباع متطلّباته الّتی لا یستطیع قطع تعلقه القلبی بها.

یقول القرآن الكریم:

«بل یریدُ الإنسان لیفجر أمامه»([4])

و سنعطی بعض التوضیحات فی هذا الصدد.

و النتیجة هی: أنّ الإیمان عبارة عن قبول القلب للأمر الذی صدّق به العقل و الذهن، و التزامه بكلّ اللوازم المترتّبة علیه و عزمه الإجمالیّ على تنفیذ لوازمه العملیّة، فالإیمان منوط و مشروط بالمعرفة إلاّ أنّه لیس هو نفس العلم و لا اللازم الدائم له.

و من هنا تتوضّح العلاقة بین الإیمان و العمل، ذلك أنّ الإیمان یقتفی العمل و لكنّه لیس نفس العمل الخارجىّ، و إنّما هو سرّه و جهته، و إنّ الصلاح و اللیاقة و الحسن الفاعلیّ للفعل منوط بالإیمان، فإذا لم یستمدّ العمل وجوده من الإیمان باللّه فإنّه سوف لن یؤثّر فی السعادة الحقیقیّة للإنسان و إن كان عملا صالحاً، و كانت له منافع كثیرة فی الدنیا للإنسان أو للآخرین.

«والذین كفروا أعمالهم كسراب بقیعة یحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءهُ لم یجدهُ شیئاً و وجد الله عنده فوفّاهُ حسابهُ».([5])

«مثل الدّین كفروا بربّهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الرّیح فی یوم عاصف لا یقدرون ممّا كسبوا على شیىء».([6])

فالخطوة الأولى التی یخطوها الإنسان فی سیره التكاملیّ نحو الكمال النهائی أی القرب للّه تعالى هو الإیمان، و هذه الخطوة أساس الخطوات التالیة و روح كلّ مراحل الاستكمال.

و أمّا الخطوة التالیة فی السیر التكاملیّ الإنسانیّ فهی النشاط الذی یقوم به القلب بعد الإیمان باللّه بغضّ النظر عن الأعضاء و الجوارح أیّ التوجه للّه و هو ما یعبّر عنه بذكر اللّه.

«و اذكروا اللّه كثیراً لعلّكم تفلحون».([7])

و كلّما قوی هذا التوجّه و تمركز أكثر كان أشدّ تأثیراً فی التقدّم الإنسانیّ و قد تكون لحظة من التوجّه القلبیّ التامّ أكبر تأثیراً من سنین من العبادة البدنیّة.

و الخطوة الثالثة: هی الأعمال الباطنیّة الأخرى التی یؤدیّها الإنسان باسم اللّه مثل التفكیر فی آیات اللّه و علائم قدرته و عظمته و حكمته و إنّ استدامة الذكر و الفكر لها أثرها فی هیام القلب و حبّه و تعلّقه.

«الّذین یذكرون الله قیاماً و قعوداً و على جنوبهم و یتفكّرون فی خلق السّماوات و الأرض».([8])

بعد هذا تصل النوبة للأعمال البدنیة المختلفة، و بعبارة أخرى إنّ العزم الإجمالیّ و هو من لوازم الإیمان یتجلّى فی مظاهر مختلفة و فی قالب الإرادات التفصیلیّة و الجزئیّة، و هذه الإرادات ـ و هی من زاویة معینة فرع الإرادة الأصلیّة ـ توجب تقویة ذكر اللّه و الإیمان به.

«أقم الصّلاة لذكری»([9])

«و العملُ الصّالح یرفعه»([10])

و كذلك فإنّه إذا كانت هناك إرادة على خلاف مقتضى الإیمان، فإنّها تؤدیّ إلى ضعف الإیمان، إذن فالعلاقة بین الإیمان و العمل هی تماماً مثل العلاقة بین جذر النبات و الأعمال النباتیّة، فكما أنّ جذب الموادِّ الغذائیّة مفید و مؤثّر فی نموّ الجذر و استحكامه و قوّته و أنّ جذب المواد السامّة المضّرة موجب لضعفه و بالتالی ذبوله و موته، فإنّ الأعمال الصالحة عامل مؤثر فی دوام الإیمان و استحكامه، و الأعمال السیّئة و ارتكاب الذنوب موجبة للضعف و بالتالی موت جذور الإیمان.

«فأعقبهم نفاقاً فی قلوبهم إلى یوم یلقونهُ بما أخلفوا اللّه ما وعدوهُ و بما كانوا یكذبون»([11]) «ثمّ كان عاقبة الّذین أساؤا السّوأى أن كذّبوا بآیات اللّه و كانوا بها یستهزئون»([12]).




[1]. النمل: 14.

[2]. الإسراء: 102.

[3]. القصص: 38.

[4]. القیامة: 5.

[5]. النور: 39

[6]. إبراهیم: 18.

[7]. الجمعة: 10.

[8]. آل عمران: 191.

[9]. طه: 14.

[10]. فاطر، 10.

[11]. التوبة: 77.

[12]. الروم: 10.