ar_porsesh3-ch10_1.htm

10 ـ سبب سكوت القائد والمراجع ازاء بعض الانحرافات

سؤال: ألا یعد سكوت القائد وبعض مراجع التقلید ازاء بعض الانحرافات التی تبدر من بعض المسؤولین بین الفینة والاخرى، من مصادیق التساهل والتسامح؟

جوابه: للاجابة على هذا السؤال وامثاله من الاسئلة، لا مناص لنا من ایراد مقدمة موجزة:

بالرغم من ان الدین الذی ینشد الحق والعدالة یحظى بالقبول من لدن جمیع الناس الباحثین عن الحق والعدالة على الصعید الفكری والنظری، بید ان مثل هذا الاجماع والقبول من قبل هؤلاء باجمعهم لا یُشاهد على الصعید العملی. ان مساوقة السلوك والفعل مع كافة ما یریده الدین بواجباته ومحرماته أو الاذعان لما یقتضیه الحق والعدل لا یقترن على الدوام بالقبول العملی فی الموارد التی تنتهی بضرر الناس، وان الكثیر من البشر ینشدون العدالة مادامت لا تسبب لهم المنغصات.

من جهة اخرى ان المصالح والقیم فی الاسلام لیست باجمعها على درجة واحدة من الاهمیة والشأن بل هنالك افضلیة فی المرتبة والاولویة لبعضها على البعض الآخر.

واخیراً، فان الناس وفی ضوء مواقعهم الاجتماعیة الخاصة بهم لیسوا سواء فی تكالیفهم وواجباتهم، وان الاشخاص بالاضافة الى كونهم مكلفین بتحمل المسؤولیات بالتصدی للانحرافات سیتحملون مسؤولیات جساماً اخرى ایضاً بما یتناسب مع منزلتهم الاجتماعیة، من هنا یأتی وضع شروط خاصة لتطبیق فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، وان كل شخص مكلّف بالدفاع عن القیم الاسلامیة بما یتلاءم مع موقعه الخاص به.

بناءً على هذا، ان ما یحظى باقصى مراتب الاهمیة بالنسبة للجمیع لاسیما القادة الدینیین هو الحفاظ على اساس وكیان الاسلام، وان القائد ومراجع التقلید بما انهم قادة ومراجع لن یسكتوا وسیدقون نواقیس الخطر متى ما شعروا بان خطراً یهدد اصل الاسلام واحكامه النورانیة.

ان القائد اذ یتولى رسم السیاسات العامة للحكومة یقوم بعد تفصیل هذه السیاسات بتكلیف المسؤولین بتطبیقها ویُشرف على حُسن ادائهم، والمسؤولون بوصفهم السواعد التنفیذیة للحكومة ـ ملزمون بدورهم بتطبیق أوامر القائد وتعالیمه.

ومع هذا، فان المشكلة التی تعترض القادة الدینیین على الدوام هی طریقة التعامل مع الذین یعانون ضعفاً فی فكرهم الدینی ولا تتفق سیرتهم مع الرؤیة الاسلامیة، ولكن بما ان اهم شیء بالنسبة للقائد هو المحافظة على اساس الاسلام والنظام الاسلامی فلا مناص له من ان یكتفی بالتنبیه والنصیحة ازاء بعض الانحرافات، لان الموقف الصریح ربما یؤدی الى إضعاف اساس النظام اكثر مما یؤثر فی تعزیزه. وهنا تُقدّم المصلحة الاهم وهی الحفاظ على اساس الاسلام والنظام على سائر المصالح التی تدفع القادة الدینیین لاختیار السكوت احیاناً للمحافظة علیها.

وهذا النمط من السكوت لا یعنی طبعاً ـ التساهل والتسامح بای حال، وانما ینبئ عن تجرع الغصص والحفاظ على اساس النظام والاسلام، وبالامكان مشاهدة الصورة القاسیة لموقف القادة الدینیین حیال انحرافات مسؤولی الحكم، فی هذا الكلام لأمیر المؤمنین(علیه السلام)حیث قال:

«فصبرتُ وفی العین قذى وفی الحلق شجى»1.

اجل، فالقادة الالهیون یتحرقون ویذوبون كالشمع لئلا یبتعد ارباب الحكم أو ابناء الأمة عن صراط الهدایة والكمال المستقیم.

ولكن على ابناء الشعب التحلی بالیقظة، وبالاضافة الى التحلی بالبصیرة بالدین ومعرفة الظروف والاوضاع الاجتماعیة والاشراف على عمل المسؤولین، لابدّ ان یكونوا على اُهبة الاستعداد للاستماع وتلقی توجیهات القائد لیمیزوا الحق عن الباطل ویعملوا بتكلیفهم الشرعی والثوری فی الوقت المناسب.

* * * * *




1. نهج البلاغة: الخطبة الشقشقیة.