ar_porsesh4-ch1_2.htm

التدین حق الانسان أم تكلیفه؟

سؤال: هل التدین حق للانسان ام تكلیف علیه؟

جوابه: ربما تطرح المسألة بهذا النحو: ان البشر فیما مضى كانوا یذعنون للقوة والاستبداد والعبودیة ویستسلمون للتكلیف والمسؤولیة، غیر ان الانسان الآن وفی عصر الحضارة والمدنیة الحدیثة یبحث عن حقوقه ویطالب الطبیعة والله والدین بحقه، وهنا یكمن السرّ فی تطور البشر، وعلیه اذا ما اراد دین بلوغ النجاح فی عصرنا فینبغی ان لا یتحدث عن التكلیف وطاعة الله والنبی والحاكم الشرعی، بل علیه ان یتحدث عن حقوق متنوعة ومتعددة للانسان فی هذا المجال، فلقد مضى زمان الحدیث عن الطاعة والتكلیف والحدّ والواجب والحرام، ولابد من الاهتمام برغبات الانسان.

فی معرض الاجابة ینبغی فی البدایة التطرق الى هذه القضیة وهی: هل ثمة حقٌ یترتب دون تكلیف یقابله أم لا؟ لقد اجاب فلاسفة الحقوق بانه لا معنى لأی حق دون تكلیف یقابله، فعندما نقول ـ مثلاً ـ ان لكلّ انسان حق الانتفاع بالهواء الطلق، فمعنى ذلك انه لا یحق للآخرین تلویث الجوّ، والاّ فلو قلنا بحق الجمیع وحریتهم فی تلویث الجو فانه لن یعود هنالك معنىً لحق الانتفاع بالهواء الطلق. وكذلك اذا قیل: ان لی الحق فی التنعم باموالی، فمعنى ذلك ان الآخرین ملزمون بعدم التطاول على اموالی واحترام حقی، واذا كان من حق الآخرین التمتع باموالهم فانا مكلّف بان لا اتطاول على اموالهم ایضاً. اذن الحق والتكلیف متلازمان مع بعضهما، واثبات الحق لأحد معناه اثبات التكلیف على الآخرین.

الأمر الثانی هو ان أی حقٍّ یثبت للمرء یلازمه تكلیف علیه، فلو كان ـ مثلاً ـ لأحد حق الانتفاع من مكتسبات المجتمع فهو مكلف ایضاً بخدمة المجتمع. اذن اثبات أی حقٍّ للمرء یثبت معه تكلیف علیه.

ثمّ إنّه ینبغی الانتباه الى ان الغایة الاساسیة من هذا السؤال والشبهة المذكورة هی ان الله لا یحق له فرض التكلیف علینا وأمرنا ونهینا، واذا كان هنالك حق وتكلیف فالناس هم الذین یحددونه، ولا مجال الیوم للقول بعلاقة العبد والمولى والتعبد والطاعة المطلقة، فالزمن زمن حریة الانسان وكرامته.

ان التهرب من التكلیف ـ بالطبع ـ وامتناع الانسان عن الاذعان لأوامر الله تعالى ونواهیه لا یقتصر على الانسان المعاصر المتحضر، فلقد كان النزوع نحو الاعمال الصالحة والطالحة كامناً فی نفوس البشر منذ بدء الخلیقة، وما دفع قابیل لأن یقتل هابیل كان هو عدم رغبة أحد ابنی آدم فی الخضوع للقانون ونیته فی التحلل من التكلیف، وان القصص التی تصور صراع الانبیاء(علیهم السلام) مع الاقوام السالفة والتی تكرر ذكرها فی القرآن تعج بذوی الطباع الحیوانیة والشیطانیة من البشر الذین یأبون الانصیاع للحق ولا یخضعون للتكلیف الالهی.

على أیة حال، ان اساس الحضارة والرقی هو تقبل الناس للمسؤولیة والتكلیف والقانون، وان اساس الاسلام والدین هو الامتثال للتكالیف والاحكام الالهیة، وان بلاغ الانبیاء جمیعاً هو الدعوة للتوحید (لا اله الاّ الله)، وبما ان الله تعالى هو خالقنا وبارئنا ونحن عبید ومملوكون له فبامكانه التصرف بنا واصدار الامر والنهی لنا كیفما شاء. اذن روح الدین هو التحرر من كل قید وغلٍّ ومعبود سوى قید العبودیة لله تعالى.

لقد خلق البشر مختارین احراراً تكوینیاً. وبالرغم من ان خلق الانسان والكون بأصله وحجمه وطبیعته جاء بمشیئة الهیة، وهو یسبح الله بلسان صامت، بید ان الارادة الالهیة قضت من الناحیة التشریعیة ان یبیَّن طریق الخیر والشر وان یختار البشر طریق السعادة والكمال انطلاقاً من حسن اختیارهم، وان ینالوا عبر ادائهم للتكالیف الالهیة حقهم العظیم وهو القرب من الله تعالى.

* * * * *