ar_porsesh4-ch1_9.htm

اللیبرالیة واصولها

سؤال: ماذا تعنی اللیبرالیة؟ وما هی اصول المذهب اللیبرالی؟

جوابه: كما تقدم ذكره ان المفاهیم تقسم الى طائفتین انضمامیة وانتزاعیة، وان فهم الموضوعات ذات الصلة بالمفاهیم الانتزاعیة امرٌ صعبٌ. واحدى المفردات الغامضة والانتزاعیة ذات الصلة بدائرة العلوم الانسانیة هی مفردة اللیبرالیة، ومن الطبیعی ان الغموض سیلف هذه الكلمة لوجود الغموض والاجمال فی مفهوم الحریة; مثلما تسری القدسیة والمحبوبیة التی تتمیز بها الحریة الیها، ولكن ماذا تعنی الحریة والمطالبة بالحریة یا ترى؟ فهل المراد هو الحریة السیاسیة أم الاقتصادیة أم الاجتماعیة أم ما هو اعم من هذه الموارد؟

ما یمكن قوله بایجاز هنا هو ان كلمة «الحرّ» استخدمت لغةً بمعان شتى، فتارة تستخدم بمعنى یقابل العبد; واخرى بمعنى «المتنور» وثالثة بمعنى «السخی» ورابعة بمعنى «الطائش والمتحلل». أما اصطلاحاً فهی تطلق على طریقة التفكیر المستخدمة فی المجالات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والدینیة، وهی تعتمد اساساً فی طبیعتها على المزید من الاهتمام بالحقوق الطبیعیة للافراد.

اذا ما قیل «اللیبرالیة السیاسیة» فان المراد هی السیاسة التی یتم فیها ایلاء حقوق الافراد وحریتهم فی الشؤون السیاسیة ما امكن من الاهتمام، واللیبرالیة الاقتصادیة اشارة للاقتصاد الذی یُعتمد فیه على الفرد وحریة الافراد فی نشاطهم الاقتصادی، ووجوب ان یكون للدولة الحد الادنى من التدخل فی نشاطات الافراد، وهكذا اللیبرالیة الثقافیة والدینیة... الخ.

ان لهذا المذهب الذی ظهر لاول مرة عام 1850 م فی انجلترا كحزب سیاسی، اصوله وخصائصه نشیر الى بعضها بایجاز:

اولاً: الفردیة: وهی من الخصائص البارزة للیبرالیة، فالفرد وحقوقه مرجحٌ على كل شیء فی هذا المذهب، واذا ما اقیمت حكومة فلابد ان تكرس لتلبیة رغبات افراد المجتمع، وان المفاهیم الجماعیة من قبیل «مصلحة المجتمع» فهی تعدّ وهماً، فكلّ امرئ یعرف مصلحته الشخصیة افضل من الآخرین، واذا ما سعى الجمیع نحو خیرهم وصالحهم فسیصل المجتمع فی خاتمة المطاف الى الخیر. ولا وجود لدینا لأی خیر مطلق أو فضیلة حتى نحاول على أساسها التدخل فی الحیاة الخاصة للناس، ولا حقَّ للدین والاخلاق والدولة والمصلحین والمفكرین فی اصدار الاوامر والتعالیم للافراد، فالمهم «أنا» ورغباتی وتشخیصی والظروف التی استطیع عن خلالها بلوغ تطلعاتی على احسن وجه.

ثانیاً: القیمة المطلقة للحریة: والمراد من القیمة المطلقة هی تلك القیمة التی تعلو كافة القیم ولا مجال للتغاضی عنها من اجل أیة قیمة اخرى من قبیل العدالة الاجتماعیة أو الاقتصادیة أو المحافظة على كیان الاسرة والاخلاق. اذ یصرح اللیبرالیون بان التحلل الجنسی وانهیار الكیان الأُسری والانحطاط الاخلاقی وسائر المفاسد التی تشهدها اغلب المجتمعات البشریة المعاصرة ما هی الاّ ضریبة وثمن یدفعه الانسان للمحافظة على القیمة الأسمى وهی الحریة.

ان الحد الوحید للحریة فی نظر اللیبرالیین هو حریة الأفراد الآخرین، وبعبارة اخرى: ان المبضع الوحید الذی باستطاعته ان یقطع الحریة هو الحریة نفسها، فاذا ما اتفقت حریة الطرف المقابل لك مع رغبتك اذ ذاك یجوز كل تصرف ولم تعد هنالك اهمیة للرجل والمرأة والزوج والغریب والاجنبی والصدیق، ولله والدین والاخلاق والانصاف والعقل والانسانیة، فالمهم ما تصبو الیه رغبتی وانا حرّ فی تلبیتها.

ثالثاً: انسجام الرأسمالیة مع المادیة: لقد عُجنت اللیبرالیة مع الرأسمالیة واقتصاد السوق الحر بنحو اعتقد فیه الكثیر من المفكرین ونخصّ بالذكر الیساریین ـ ان اللیبرالیة هی ایدیولوجیا الرأسمالیة.

رابعاً: محوریة الانسان: ترى اللیبرالیة وبعض المذاهب الحدیثة فی الغرب من قبیل الشیوعیة والاشتراكیة ان الانسان هو محور الكون، وفی ضوء الرؤیة المادیة لهذه المذاهب ازاء العالم فان الانسان هو الاصل، ولهذا فان المهم والاصل فی سنّ القوانین ورسم الخطوط العامة للسیاسة والاقتصاد والثقافة هی رؤیة الانسان وارادته، على العكس من الادیان الالهیة والتوحیدیة التی تؤمن بمحوریة الله وتعتبر الخالق هو المشرّع الاساسی، وتقول بالبعد المعنوی والروحی والالهی للانسان بالاضافة الى البعد المادی، اذ ان قوام الانسانیة هو هذا البعد الروحی له.

وهنالك امور اخرى من قبیل العلمانیة والفصل بین الدین والدنیا وتبنی التسامح والتساهل وما شابهها یمكن اعتبارها من تفرعات المحاور الاساسیة للیبرالیة.

* * * * *