ar_porsesh4-ch2_1.htm

الفصل الثانی/ التعددیة

التعددیة ومجالاتها المختلفة

سؤال: ماذا تعنی التعددیة؟ وفی أی المجالات یمكن تداولها؟

جوابه: تعنی كلمة «بلورال» الجمع والكثرة، لذلك فان pluralism تعنی مذهب التعدد أو الدعوة للتعدد والكثرة. ویقابل مذهب التعددیة مذهب الوحدانیة Monoistic. ونحن فی مختلف مجالات الحیاة الاجتماعیة نواجه السؤال التالی وهو: هل ان الأمر ینحصر فی شخص واحد أو مجموعة واحدة أم هو بأیدی عدة اشخاص أو عدة مجامیع؟ فإذا ما قبلنا بتعدد الأفراد أو الفئات فذلك ما یقال له التعددیة، وعلى العكس إذا ما قبلنا بفرد أو فئة فهذا ما یسمى الوحدانیة.

ان الغرب هو مهد هذه المفردة، فكل من كان یشغل عدة مناصب فی الكنیسة أو كان یعتقد بامكانیته تصدّی عدة مناصب فی الكنیسة كان یدعى فی السابق بالتعددی. غیر أن التعددی تطلق الآن فی المیدان الثقافی على من یرى صحة كافة المناهج الموجودة على صعید فكری معین سواء كان سیاسیاً أو دینیاً أو فنیاً أو غیر ذلك. وهذا ما یقابل الإعتقاد بالمذهب الإحتكاری Exclusivism، أی القول بأحقیة مذهب واحد أو مدرسة واحدة لا غیر وان سائر المناهج والمدارس لا صحة لها.

تُطرح التعددیة فی مختلف المجالات، وفی كلٍّ من هذه المجالات تأتی تارة بمعنى الإعتراف بالكثرة وبتعدد الآراء فی مجال العمل، بما یعنیه ذلك من التعایش بوئام، واحترام الرأی الآخر، والسماح بالتعبیر عن وجهات النظر المختلفة، وهذه هی التعددیة العملیة. وتارة تأتی بمعنى التعددیة النظریة والعلمیة بما یعنیه من القول بصحة كافة الآراء على اختلافها فی مضمار السیاسة أو الثقافة أو الإقتصاد أو الدین. أو أن نقول بأن الآراء جمیعها تنطوی على جانب من الحقیقة، لا أن أحدها حقٌ محضٌ وخالصٌ والآخر باطلٌ وخاطئ.

فی السابق حیث لم تنل المجتمعات من التطور بقدر ما علیه الیوم وكان التواصل فیما بینها ضعیفاً لم تُثر قضیة خاصة تُسمى التعددیة، غیر أن هذه القضیة أُثیرت الآن مع اتساع المجتمعات وامتداد التواصل فیما بینها، لاسیما بعد تصاعد وتیرة الحروب الطائفیة والدینیة وعواقبها المدمرة الوخیمة حیث ترسّخت الفكرة القائلة بوجوب الاعتراف بأدیان ومعتقدات الآخرین والتعایش معهم، لأن مصلحة المجتمع البشری تكمن فی التلاؤم فیما بین الأدیان والمذاهب على اختلافها.

إن قوام التعددیة فی بعدها العملی هو التعایش السلمی، لذلك تأتی التعلیمات بأن تبادر الأطراف المتعددة داخل المجتمع لتكریس طاقاتها للبناء الذاتی والتعایش سلمیاً فیما بینها، بدلاً من الإحتكاك مع بعضها، وهذا لا یعنی أن تقول الجماعات كافة بأحقیة بعضها البعض، وإنما الإقرار بوجود الكثرة كأمر واقع، بید أن هذا لا یتنافى مع اعتبار كل فئة انها على حق وان الآخرین على باطل.

ومقتضى التعددیة فی البعد النظری والعملی هی أن لا یكون الإنسان متصلباً متعصباً لفكر معین معتبراً إیاه صواباً مائة بالمائة، وهذا فی الحقیقة إنما یعود إلى نوع من الشك فی مضمار علم المعرفة.

* * * * *