ar_porsesh4-ch2_2.htm

مفهوم التعددیة الدینیة

سؤال: ماذا تعنی التعددیة الدینیة؟

جوابه: تُطرح التعددیة الدینیة تارة فی البعد النظری والفكری، واخرى فی البعد العملی.

والمراد من التعددیة الدینیة فی البعد العملی هو احترام عقیدة الطرف المقابل وما یؤمن به من دین ومذهب، والتعایش السلمی مع الآخرین. والتعددی هو الذی یؤمن بالتعایش السلمی بین نوعین أو أكثر من الأفكار ـ بغض النظر عن إثباتها أو نفیها نظریاً ـ وأن لا تفتعل المشاحنات فیما بینها على الصعید الإجتماعی. وأمّا مَنْ قال بإلغاء أحد الطرفین من المجتمع والسماح بالعمل لأحدهما فهو ضد التعددیة، ففیما یتعلق بالمذهب الكاثولیكی أو المذهب البروتستانتی ـ مثلاً ـ یقول البعض: یجب أن یحكم أحدهما لذلك یتعین مقارعة الآخر حتى یخرج من الساحة.

ولكن فی ضوء التعددیة الدینیة ینبغی لهذین المذهبین التعایش باخوة من الناحیة العملیة بالرغم من أن كلاً منهما یرى الآخر باطلاً من الناحیة النظریة.

* * * * *

وأما التعددیة الدینیة فی البعد النظری فهی تعنی أحقیة الأدیان والمذاهب برمتها، وسیأتی المزید من التوضیح والتفصیل لهذا الموضوع فی إطار الأسئلة اللاحقة.

تقییم للتعددیة الدینیة فی البعد النظری

سؤال: ماذا تعنی التعددیة الدینیة فی البعد النظری؟ وهل یمكن القبول بها؟

جوابه: إن التعددیة الدینیة تعنی على نحو الاجمال والایجاز حقانیة الأدیان على تعددها، بید أن بیان وتفسیر هذا الكلام فی إطار مفرداته یأتی على ثلاثة أنماط هی:

أولاً: لیس هنالك دین باطلٌ محض أو حقٌ مطلق، وإنما فی كل دین تعالیم صائبة واخرى خاطئة.

ثانیاً: ان الحق واحد وكل دین من الأدیان یمثل صراطاً نحو ذلك الحق.

ثالثاً: ان المسائل الدینیة تعد من القضایا التی لا تقبل الإثبات، وهذه القضایا إما ان تكون لا معنى لها وإما انه مما یتعذر إثباتها ان كان لها معنىً. بناءً على هذا فهی على مستوىً واحد، ولكل انسان أن یختار أیَّ دین یرتضیه.

توضیح التفسیر الاول

یرى القائلون بهذا الرأی أن الحقیقة تتكون من مجموعة من الاجزاء والعناصر وإن كل جزء من أجزائها یتبلور فی دین معین. لا ان الدین الواحد یكون خاطئاً وباطلاً بأكمله ولا وجود فیه لأی مرسوم أو حكم صحیح وصالح، كما أننا لا نمتلك دیناً یخلو من أی حكم خاطئ ومناف للواقع، فالكثیر من أحكام المسیحیة وردت فی الإسلام بنحو من الأنحاء، لذلك لا یصح القول ببطلان المسیحیة كلیاً، كما أن الإسلام یتفق مع الیهودیة فی الكثیر من الموارد. إذن لا یمكن القول برفض الیهودیة أو الإسلام كلیاً.

إذا ما توزعت المحاسن والحقائق فیما بین الأدیان إذ ذاك لا یمكن القول بصحة دین بشكل تام وخطأ آخر بشكل تام، بل یتعین إحترام كافة الأدیان والمذاهب على حدٍّ سواء. بل ویمكن القیام بعملیة تفكیك فی الأدیان، بمعنى إلتقاط التعالیم الصحیحة من كل دین من الأدیان والإعتراف بمزیج منها، فنأخذ جانباً من الیهودیة وجانباً من الإسلام وجانباً من دین آخر.

نقد التفسیر الاول

إن أساس القول بأن الكثیر من الأدیان بل جمیعها تتضمن نوعاً ما من عناصر الحق هو موضع قبولنا. ولا یوجد فی هذا العالم باطل مائة بالمائة. ومثل هذا الكلام لا یحظى بالقبول من لدن أی إنسان. ولكن إذا كان المراد ـ من ناحیة أخرى ـ ان كافة الأدیان فی العالم تتضمن أحكاماً ومعتقدات باطلة ولیس هنالك دین كامل وجامع، فإن هذا الكلام مما لا نقبله، فالإسلام یصرح: ان دین الله وشریعة محمد(صلى الله علیه وآله)كامل وصحیح وقد اكتمل الدین وتمت النعمة بظهور الإسلام. وإن ما ورد فی سائر الادیان فهو صحیح إن كان منسجماً مع الإسلام وإلا فهو باطل. فعبادة الأصنام والحیوانات... الخ لا تنسجم مع الإسلام ودین التوحید المصون من التحریف. وإن وجدان كل منصف یرى تناقضاً واضحاً بین هذه الأدیان وتعالیمها مع بعضها.

بالاضافة إلى أن الإسلام دینٌ یرفض بكل وضوح الإیمان ببعض الآیات والكفر ببعضها الآخر، ویصرح بأن التمییز بین تعالیم الدین وأحكامه یوازی الرفض لكل الدین والكفر به، وخلاصة القول ان الإسلام وما ورد عن الثقلین حقٌ كله ولا سبیل للباطل فیه.

توضیح التفسیر الثانی

ویرتكز هذا الرأی على أن الدین الحق بمثابة قمة وإن كافة الأدیان السائدة فی العالم تمثل سبلاً تؤدی إلى تلك القمة، فای دین فهو یرید الأخذ بأیدینا إلى ذلك الحق الواحد ویوصلنا الغایة على أیة حال، سواء كان سبیله طویلاً أم قصیراً أم مساویاً للسبل الاخرى; فالّذی یتوجه إلى المسجد أو الذی یتوجه إلى الكنیسة أو إلى معبد الأوثان أو الدیر بأجمعهم یتوجهون إلى معبود واحد هو الحق.

نقد التفسیر الثانی

هذا الكلام یمكن تصوّرة فی مقام التمثیل والتشبیه، لكن العلاقة بین الأدیان على اختلافها لا تُرسم بهذه الصورة، فعندما یكون نداء «الله واحد» أول قضیة وأول حدیث فی الإسلام وأن سبیل الفلاح هو الاقرار بالتوحید فكیف یتلاءم هذا السبیل مع طریق المسیحیة التی تنادی بالتثلیث؟! وكیف یوصلان إلى نقطة واحدة یا ترى؟ وهل یلتقی فی نقطة واحدة خطان یمتدان باتجاهین متعاكسین؟ وهل یشترك القرآن ـ الذی یقول فی تعاطیه مع عقیدة التثلیث ـ: «تَكادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً»1 بالخط والهدف مع القائلین بالتثلیث؟! وهل یصل الدین الذی ینهى عن أكل لحم الخنزیر وعن تناول المشروبات الكحولیة مع الدین الذی یجوزهما إلى نتیجة واحدة ونهایة واحدة؟

توضیح التفسیر الثالث

وهنا یعتبر بعض الوضعیین وبشكل إفراطی ان هذه القضایا تخلو من المعنى. ویقول البعض: ربما تنطوی على المعنى لكنها لیست قابله للإثبات; ولعلها تكون صالحة وصائبة بالنسبة لبعض وخاطئة بالنسبة لآخرین; أو انها تكون صالحة فی عصر وسیئة ومخطئة فی آخر. إننا لا یمكننا الحصول على معرفة قطعیة وتامة بالواقع، وان تحقق الیقین التام بأی قضیة دلیل على عدم الدقة والتأمل فیها، وما شابه هذه النظریات.

وخلاصة القول، ان هذه الأمور ضربٌ من التلاعب بالألفاظ وتابع
للتوجهات الإجتماعیة والفردیة. وان أهمَّ دواعی وجذور الدعوة للتسامح والتساهل المنطلقة فی عالم الیوم انما یعود إلى هذا الأمر.

واستناداً إلى هذا المنطلق الفلسفی قال البعض بالتعددیة الدینیة وصرحوا بانه لیس لدینا دین صحیح ودین خاطئ أو دین حق ودین باطل، فاستخدام الصواب والخطأ فی هذه الامور خطأ بحد ذاته، وهذه القضایا إمّا انها بلا معنى واما انها لا یمكن اثباتها أو نفیها. وبتعبیر آخر یمكن القول ـ مع شیء من التسامح ـ أن كافة الأدیان والسبل حقّة ومستقیمة.

ولقد فرّق البعض هنا بین القضایا الدینیة قائلین: ان ما یتحدّث عن الحقائق والوجودات فهو ذو معنىً، وفیه مجال للصدق والكذب من قبیل مسألة «الله واحد» وامّا ما كان من قبیل الواجبات والمحرمات فانه لا سبیل للصدق والكذب الیه من قبیل قضیة «لابد من اجراء العدالة» و«لا ینبغی القیام بالظلم».

نقد التفسیر الثالث

ان الحدیث عن الفلسفة الوضعیة وكون القضایا غیر الحسیّة ذات معنى والحدیث عن الاتجاه الحسی أو الاتجاه العقلی فی مجال المعرفة یرتبط بموضع آخر وقد جاء بالتفصیل فی البحوث الفلسفیة والمعرفیة.2 ونحن هنا نكتفی بالإشارة إلى أنه نظراً لرفضنا الإعتماد
التام على الحس وعدم الإعتماد على العقل فی مضمار المعارف والعلوم الانسانیة ونظراً لان الحس والتجربة لا تمثل الطریق الوحید لبحث صحة أو سقم كلام ما ـ بل یمكن إثبات بعض القضایا أو نفیها عن طریق العقل ایضاً كما فی الأبحاث الریاضیة والفلسفیة ـ فان هذه النظریة مرفوضة بشكل تام من قبلنا، بالإضافة إلى ما نراه بالوجدان من فارق بین قضایا من قبیل «الله موجود» و«لا ینبغی القیام بالظلم» و«لابد من أداء الصلاة» وبین قضیة «نور المصباح مرّ الطعم»، فلو كانت المسائل الثلاث الاولى تفتقد المعنى فینبغی ان لا تختلف عن المسألة الرابعة من حیث المعنى.

فاذا كانت المفاهیم الدینیة معقولة وقابلة للبحث وممكنة الإثبات والنفی ففی مثل هذه الحالة ینقدح الإشكال السابق وهو انه كیف یمكن الجمع بین هذه القضایا الثلاث «الله غیر موجود» و«الله واحد» و«الله ثالث ثلاثة» وان تكون صحیحة بأجمعها؟ فهل یمكن الاعتقاد بصحة هذه القضایا الثلاث حقاً فی ضوء نظریة التعددیة؟

* * * * *




1. مریم: 90 و91.

2. راجع كتاب المنهج الجدید فی تعلیم الفلسفة، محمدتقی مصباح الیزدی، ج 1، الدرس الثالث عشر حتى التاسع عشر.