الفصل الاول/خلق المرأة
تساوی المرأة والرجل فی الخلقة
سؤال: یقال ان المرأة فی نظر الاسلام فرعٌ والرجل أصلٌ، وان المرأة أدنى من الرجل فی الانسانیة. هل هذا الكلام صحیح؟
جوابه: ان جنس الرجل والمرأة بما ان كلاًّ منهما انسان واحد، وهما یشتركان فی أصل الخصائص الانسانیة، لكنهما صنفان ـ بما یسمى صنفاً فی علم المنطق ـ مختلفان، وان التمعّن الدقیق بمشتركات هذین الصنفین وافتراقاتهما سیعیننا فی حلِّ قضایاهما وفهم حقوقهما وتكالیفهما.
ویمكن تصنیف موارد اشتراك الرجل والمرأة فی ضوء ما یترشح عنه استقراء القرآن الكریم كما یلی:1
1 ـ ان الرجل والمرأة سیّان من حیث الماهیة الانسانیة ولوازمها، أی ان الاثنین «انسان». غایة الأمر انهما فی ذات الوقت الذی یتمتعان فیه بوحدة نوعیة، فانهما یعودان منطقیاً الى صنفین، أو وفقاً للتعبیر العرفی الى جنسین، وقدیماً كانت هناك نظریة لا ترى النساء من نوع الانسان وتعتبر ان لهنّ ماهیة أخرى. وإن الاسلام یرفض هذه النظریة بشكل كامل. نقرأ فی الآیة الاولى من سورة النساء:
«یا أَیُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِی خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس واحِدَة وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» فعبارة «خَلَقَ مِنْها زَوْجَها» فی هذه الآیة الكریمة تبین بجلاء ان زوج آدم(علیه السلام) ـ حواء ـ هی من جنسه2.
كما ان اشتراك آدم وحواء فی الانخداع بوساوس الشیطان دلیل على اشتراك مصیرهما. وان أدنى مقارنة بین القرآن الكریم والتوراة فی باب انخداع آدم وحواء ستكون موضوعاً فیه عبرة، فاستناداً لما جاء فی التوراة، سفر الظهور، الباب الثالث، الآیات 1 ـ 13، ان الأفعى تحادث المرأة «حواء» وتوسوس لها وتخدعها وأخیراً «حیث وجدت المرأة ان الشجرة صالحة للأكل وجمیلة المنظر وهی شجرة لذیذة وتزید العلم، فقد أخذت من ثمرها وأكلته ثم أعطت لزوجها فأكل منه»، وحینما یتوجه الخطاب الإلهی الممزوج بالعتاب لآدم فانه یقول: «انّها المرأة التی خلقتها قرینة لی هی التی أعطتنی ثمر الشجرة فأكلته» فقال الله للمرأة «ما هذا الفعل الذی فعلتیه؟ قالت المرأة: الأفعى هی التی أغوتنی فأكلت» وعلى هذا الأساس فان الیهود والنصارى یعتقدون ان الشیطان أغوى حواء وهی التی أغوت آدم.
ان القرآن الكریم وفی المواضع الثلاثة3 التی یتطرق فیها لقصة آدم وحواء یؤكد انهما تعرضا على حدًّ سواء لخطاب الله سبحانه وتعالى ونهیه، وقد خُدعا معاً بوساوس الشیطان. بناءً على هذا لیس الأمر ان سبب خدیعة حواء هو الشیطان وسبب خدیعة آدم هو حواء، وانما الشیطان هو خادعهما ومغویهما.
2 ـ ان المرأة والرجل یتكاملان على حدّ سواء إثر العبودیة لله تعالى وأداء التكالیف الملقاة علیهما. ولیس الحال ان بعض أنواع ومراتب الكمالات الانسانیة تختص بالرجال ولا نصیب أو مشاطرة للنساء فیها، أو بالعكس4.
3 ـ ان فی كلا طرفی الحق والباطل رجالا ونساءاً، ولیس ان عماد الحق أو عماد الباطل یقوم على الرجال أو النساء، فالذی یضع البشر ـ من الرجال والنساء ـ فی طرفی الحق والباطل هو الإیمان الحقیقی أو الكفر الباطنی والنفاق، ولیس الرجولة أو الأنوثة، فالذین آمنوا إیماناً صادقاً من الرجال والنساء وعملوا الصالحات هم أولیاء بعضهم البعض، والكفار والمنافقون من الرجال والنساء بعضهم أولیاء بعض أیضاً5.
4 ـ ان الكثیر من التكالیف والواجبات مشتركة بین الرجال والنساء، سواء فی الآیات التی وردت فیها صیغة المذكّر6 أو تلك التی استخدمت فیها كلتا الصیغتین. ومن بین الآیات التی وردت فیها كلتا الصیغتین، الآیتان 30 و 31 من سورة النور:
«قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَیَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِما یَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَیَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ».
كما نقرأ فی الآیة الثانیة من نفس السورة:
«الزّانِیَةُ وَالزّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِد مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَة».
وجاء فی الآیة 38 من سورة المائدة:
«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ».
5 ـ یجب أن لا یكون هنالك فارق مزیَّف وظالم بین الرجل والمرأة. فعندما بزغت شمس الاسلام كانت عند العرب المشركین تقالید بسببها یلحق ظلم فظیع بالأنثى، فمثلاً انهم كانوا یدفنون البنات وهنّ أحیاء، والقرآن الكریم یذم بشدة هذه العادة فی الآیتین 58 و 59 من سورة النحل والآیتین 8 و 9 من سورة التكویر، أو انهم كانوا یرون ما تلد الأنعام خالصاً للرجال ویجعلونها حراماً على النساء، وان القرآن یستهجن هذا التمییز والظلم ویرفضه بشدة7.
6ـ مثلما أن الرجال مستقلون فی نشاطاتهم الاجتماعیة والسیاسیة فان النساء أیضاً مستقلات فی نشاطهن الاجتماعی والسیاسی، ولسن تابعات للرجال، وما لم تقتض الفوارق البدنیة والنفسیة والحكمة الإلهیة أمراً فان لهنّ حق المشاركة فی الشؤون الاجتماعیة على حدّ سواء. وان أفضل الآیات الدالة على استقلال النساء فی الشؤون الاجتماعیة والسیاسیّة هما الآیتان 10 و 12 من سورة الممتحنة إذ تقولان:
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِرات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنات فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ یَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَیْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَیْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْیَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ یَحْكُمُ بَیْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ».
«یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلى أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَلا یَزْنِینَ وَلا یَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا یَأْتِینَ بِبُهْتان یَفْتَرِینَهُ بَیْنَ أَیْدِیهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا یَعْصِینَكَ فِی مَعْرُوف فَبایِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ».
7 ـ ان النساء یتملكنَ كالرجال ویتمتعنَ بالاستقلال الاقتصادی، والنساء فی الغرب لم یكنَّ یتمتّعن بالاستقلال الاقتصادی الى ما قبل عقود قلیلة، فی حین أن النساء فی دنیا الاسلام وبفضل تعالیم القرآن أصبحنَ منذ البدایة یمتلكن أجورهنَّ ومشتركات فی الإرث8.
8 ـ مثلما ان الآباء یتمتعون بمجموعة من الحقوق الأُسریة فان الأمّهات كذلك یتمتعن بحقوق تفوق حقوق الآباء. فلا شك ان التأثیر التكوینی للأب والأم فی تشكیل الأسرة وإنجاب الأولاد وتوفیر أسباب عیشهم وتعلیمهم وتربیتهم یُعدّ سبباً فی تبلور سلسلة من الحقوق الأُسریة للأبوین، ومما لاشك فیه ان الأم وحیث انها تحمل طفلها فی بطنها لما یقرب من تسعة أشهر وترضعه لسنتین تقریباً وتتولى رعایته وحضانته، فان لها تأثیراً یفوق تأثیر الأب، بناءً على هذا یجب أن یكون
حقها أكثر منه، من هنا فان القرآن والأحادیث بالاضافة الى اثباتهما لحقوق مشتركة للوالدین فانهما یؤكدان أكثر على حقوق الأم، وهنالك الكثیر من الروایات تؤكد على ان حق الأم أكبر من حق الأب وان الجنة تحت اقدام الأمهات، وتوصیات أخرى مذهلة لا مجال لذكرها.
ان بعض الآیات القرآنیة9 تتحدث عن حقوق مشتركة بین الأب والأم، ومنها الآیتان 23 و 24 من سورة الاسراء، ونقرأ فیهما:
«وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِیّاهُ وَبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِیماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّیانِی صَغِیراً».
وفی البعض الآخر من الآیات یذكر مضاعفة حقوق الأم على حقوق الأب الى جانب ذكر السبب فیها10، فقد ورد ـ على سبیل المثالـ فی الآیة 15 من سورة الاحقاف: «وَوَصَّیْنَا الإِْنْسانَ بِوالِدَیْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ...».
ان ذكر شدائد الأُم بالاضافة الى الحقوق المشتركة للوالدین اشارة إلى مزید حقوقها ومنزلتها الرفیعة.
ان الابعاد المشتركة بین الرجل والمرأة والمقتضیات الحقوقیة لهما اكثر من الموارد التی ذُكرت ونحن نصرف النظر عن ذكر الباقی منها. أصبحت محصلة الكلام ان الرجل والمرأة مشتركان وعلى حدّ سواء فی الطبیعة الانسانیة ولا وجود لأی تمییز بینهما.
* * * * *
1. راجع: كراس الحقوق والسیاسة فی القرآن، محمدتقی مصباح الیزدی، الدرس: 206 وهو باللغة الفارسیة.
2. راجع فی هذا المجال: الأعراف: 189، النحل: 72، الروم: 21، فاطر: 11، الشورى: 11، الحجرات: 13، القیامة: 37 ـ 39.
3. البقرة: 35 ـ 36، الأعراف: 19 ـ 23، طه: 117 ـ 122.
4. راجع: البقرة: 221، النساء: 124، النمل: 97، التوبة: 72، الأحزاب: 35، الفتح: 5 ـ 6، الحدید: 12، یس: 56، غافر: 8.
5. راجع: التوبة: 67 ـ 68 و 71، النور: 26.
6. الملاحظة التی ینبغی الانتباه الیها هی ان أغلب الخطابات القرآنیة وأوامرها ونواهیها موجهة الى الرجال والنساء معاً ولا تقتصر على الرجال بأی حال، وإن جاءت من الناحیة الصرفیة بصیغة المذكّر لما تتمیز به اللغة العربیة، فعلى سبیل المثال ان عبارة «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیَامُ» البقرة:183، تعنی أیها المؤمنون من الرجال والنساء!
7. الأنعام: 140.
8. النساء: 32 ـ 33.
9. العنكبوت: 8، البقرة: 83، النساء: 36، الأنعام: 151، مریم: 14.
10. لقمان: 14 و 15.