ar_porsesh5-ch1_2.htm

الفوارق بین المرأة والرجل

سؤال: ما هی الفوارق المهمة والأساسیة بین المرأة والرجل والتی تؤدّی الى اختلاف حقوقهما وواجباتهما؟ هل یمكن القول بعدم وجود فارق جوهری بین المرأة والرجل سوى الفارق العضوی، وان الفوارق الظاهریة لاتمثل سبباً فی اختلاف حقوقهما؟

جوابه: ینبغی القول حول مثل هذه الأسئلة: ان العقل للانسان المادی والمتعارف هو من القصور بحیث لا یتسنى له ادراك تفاصیل وجزئیات هذه الأمور، فما یبلغه عقل الانسان لا یتعدى الكلیات واما التفاصیل والجزئیات فلابد من الرجوع فیها الى الشرع، لأن الانسان لا یقوى من الأساس على معرفة كافة المصالح والمفاسد على حقیقتها، وإلا لاستطاع سنّ احكام وقوانین اخلاقیة وحقوقیة تكفل السعادة والكمال الحقیقیّ للجمیع، وبذلك یستغنی عن الوحی والنبوة والدین.

ان السرّ فی حاجة الانسان الدائمة للوحی والنبوة هو قصور عقله، ولذا لا یمكن الإدعاء بإحاطة علم الانسان بكافة المصالح والمفاسد، ولا یمكن تبریر جمیع الاحكام والقوانین الإلهیة عقلیاً، وان الله سبحانه وتعالى وحده المحیط بجمیع المصالح والمفاسد وتفاصیلها وجزئیاتها ودقائق الامور.

ما ندركه وندّعیه فی هذا البحث هو أن ثمّة فوارق بین المرأة والرجل من شأنها تنوع الآثار فی الحیاة الاجتماعیة، وبناءً على هذا
فانّها تقتضی اختلاف الحقوق والواجبات الاجتماعیة فی الجملة، وعلینا ان نسأل الشرع عمّا نفهمه بعقولنا بشكل اجمالی كی نطّلع على الكثیر من التفاصیل حول الاختلاف فی الحقوق والواجبات لاحتجاب دقائق الأمور عنّا فی هذا المجال كما فی المجالات الأخرى.

بالإمكان تقسیم الفوارق بین الرجل والمرأة والتی تؤدی الى تنوع الحقوق والأحكام الى قسمین رئیسیین: 1ـ الفوارق البدنیة التی یمكن إدراكها بالتجربة الحسّیة ومعرفتها عضویاً وفسیولوجیاً. 2ـ الفوارق النفسیة والروحیّة التی یتسنّى معرفتها عن طریق التجربة الحسیة المقرونة بالتحلیل العقلی، وتجری دراستها فی علم النفس.

ان أهم محاور الفوارق الجسدیّة بین المرأة والرجل عبارة عن:

أ ـ الجهاز التناسلی: هنالك اختلاف واضح بین الجهاز التناسلی لدى الرجل والمرأة، فالخلایا الجنسیة للرجل ـ الحیوانات المنویّة ـ ذات إختلافات جوهریة مع الخلایا الجنسیة للمرأة ـ البویضاتـ وإن هذه الفوارق الجوهریة أدت الى اختلاف حصة الرجل فی إنجاب الاطفال عن حصة المرأة، بل لا یمكن المقارنة بینهما فی هذا المجال، فالواجب الطبیعی للمرأة فی حمل الجنین فی رحمها مهمة تختص بها ولا یقوى علیها الرجل.

ب ـ الاختلاف فی شكل الثدی: لقد بُنی ثدیا المرأة بنحو یسهل على الطفل التغذی منهما، فیكون من الطبیعی أن تقع مسؤولیة إرضاع الطفل والعنایة به على عاتق الأم. والقرآن الكریم بدوره یؤكد على دور الأُم خلال السنتین الاولیین من الحیاة1.

ج ـ دورة الحیض لدى النساء: لقد أرست الحكمة الالهیة بناء المرأة بحیث تفرز كمیة من دمها لعدة أیام من كل شهر، حتى لا تواجه اضطراباً اثناء الحمل أو الرضاعة. ویحسن الالتفات الى ان بدء مرحلة الحیض یتناسب مع الزمان الذی یستعدّ فیه جسمها للحمل، وان نهایة مرحلة الحیض تتقارن مع الزمان الذی تفقد فیه الاستعداد للحمل. فتمر المرأة خلال فترة الحیض بحالة تشبه المرض حیث تصاب بضعف بدنی وتعتریها حالات نفسیة إستثنائیة، من هنا فهی تحتاج الى راحة نسبیة، ان هذه الاختلافات الاساسیة والتبعات المترتبة علیها تؤدی الى ظهور اختلافات فی الحیاة الفردیة والعائلیة والاجتماعیة للرجل والمرأة، ولابد من الالتفات الیها اثناء تعیین حقوقهما وواجباتهما.

إن المرأة ومنذ بدء حملها وحتى تضع الحمل وعلى مدى معظم فترة إرضاع طفلها لا قابلیة لها على الحمل مرة ثانیة وتنخفض لدیها الرغبة الجنسیة، بینما لا تتوقف القدرة والرغبة الجنسیة لدى الرجل على الاغلب. ان الجهاز التناسلی للمرأة یطلق عادة بویضة واحدة بالغة فقط كل شهر ویصبح جاهزاً للحمل خلال مدة قصیرة، من هنا فان فتره انتاج المثل والحاجة الجنسیة تختلف بین الرجل والمرأة.

ومع الالتفات الى كل هذا الاختلاف فی الظروف لا یمكن القول ان المرأة والرجل لابدّ ان یتساویا فی كل شیء، ولا یصحّ القول انه لابد من اعطائهما معاً حق التعدّد فی الأزواج، أو لابد من حرمانهما معاً من حق تعدّد الأزواج. ان مثل هذا القرار یتصف بالجهل وعدم الانصاف، اذا كان انتاج المثل واشباع الغریزة الجنسیة حقّ كل انسان وان تكثیر النسل فی بعض المجتمعات وفی بعض الظروف على أقل تقدیر ـ امر مطلوب، وفی بعض الاحیان یصبح لازماً وضروریا، فانّه لابدّ من اعطاء الرجل فی بعض الظروف الخاصّة على الأقلّ ـ حق التمتع بزوجة اخرى دائمة أو مؤقّتة.

د ـ القدرة البدنیة: وهذا الفارق ملموس أیضاً بشكل تام وتؤیده التحقیقات التجریبیة والاحصائیات أیضاً، فالاحصائیات تدل على أن متوسط القدرة البدنیة للرجل یفوق القدرة البدنیة للمرأة، وان معدل تحمل الاعمال الشاقة لدى الرجال یفوق ما علیه عند النساء، وان جسم الرجل أكثر خشونة وصلابة وجسم المرأة عادة ما یكون أكثر رقة ونعومة.

وأهم الفوارق الروحیة والنفسیة بین المرأة والرجل عبارة عن:

1ـ تحلّی المرأة بالمزید من العواطف والانفعالات والاحاسیس: إن تحلی المرأة بالمزید من هذه الابعاد النفسیة الثلاثة عادة ما یؤدی الى المزید من التأثر وابداء تصرفات محبّة للغیر، فهذه الخصیصة تؤدی الى أن تضحك المرأة وتبكی وتعتریها سائر الانفعالات أسرع من الرجل، كما أن قوة العاطفة لدى المرأة تبعث على مودتها ومحبتها ورقة قلبها وحنانها الامومی ...الخ.

من نتائج هذا الاختلاف الانخفاض النسبی فی حزمها وبُعد رؤیتها، وان غلبة المشاعر والاحاسیس تضعف القدرة على التفكیر والبُعد فی النظرة والحكم، والمرأة عادة ما تصاب بمثل هذه الحالة فی جمیع مراحل عمرها. فروح الانفعال عند المرأة تُضعف القدرة على الحكم واشراف العقل، من هنا فان احكامها كثیراً ما تكون سطحیة وبعیدة عن الواقع.

انّ هذا الاختلاف له تأثیر كبیر فی بحث قضاء المرأة وحكومتها ومدیریتها.

ان هذه المیزة الروحیة لدى المرأة تثمر نتائج مرضیة جداً فی محلّها، فالتصدی للكثیر من الاعمال یحتاج الى التحلی بمزید من العواطف والى رقة مضاعفة، وان النساء أكثر نجاحاً فی إنجاز هذه المهام، فالامومة واطعام الطفل وتنظیفه وغسله وملاعبته والعنایة به وتلبیة حاجاته العاطفیة ... الخ من الاعمال التی تنسجم معها روحیاً بل ترغب بها، بینما اغلب الرجال لیسوا كذلك. وهذه الحقیقة یؤیدها علماء النفس لاسیما علماء النفس من النساء.

2ـ رغبة المرأة بالمحبة والمزید من الاهتمام: الفارق المهم الآخر المعلول للفارق المتقدم نوعاً ما هو الرغبة المتعاظمة لدى المرأة بالمحبة والاهتمام بها، وفی المقابل فان الرجل یمیل لابداء المحبة والتودد. فمن الحاجات للروحیة للمرأة أن تخطف قلب الرجل وتستقطب نظره، بینما یسعى الرجل لان یتعلق قلبه بها ویعشقها، فالرجال عادة ما یكونون هم العاشقین والنساء معشوقات.

والأمر الجدیر بالذكر هو أن ید الخالق أودعت وسیلة جذب القلوب لدى المرأة. لیس ان المرأة هی التی تسعى لاختطاف القلوب دون أن تمتلك الفخ والطعم، فجذابیة المرأة للرجل تجعل منها ناجحة بشكل كامل فی عملیة اختطاف القلوب. والذی منح المرأة كل هذه الجذابیة اودع فی الرجل قابلیة هائلة على الانجذاب.

الرغبة القویة لدى المرأة بالظهور والبروز: من الهموم التی تشغل قلب المرأة وهو ناجم عن الفارق الثانی ـ تجملها والظهور بمنظر جمیل من خلال الوسائل المتاحة والمتوفرة، وسعیها عبر ذكاء متمیز لابراز جمالها وزینتها أمام الآخرین لاسیما الرجال كی توقعهم من خلال ذلك فی مصیدة حبها.

3ـ رغبة المرأة بالحمایة: الفارق الروحی الآخر بین المرأة والرجل والنابع نوعاً ما من الفارق الأول، هو رغبة المرأة بالخضوع للحمایة، بینما یمیل الرجل عادة الى حمایة الآخرین، وبعبارة أخرى ان المرأة غالباً ما ترغب فی أن تلوذ بالرجل الذی یسرّه أن یُدخل المرأة تحت حمایته.

ان لهاتین الرغبتین النفسیتین المختلفتین تأثیراً ضخماً فی تركیبة النظام العائلی، وتستتبع مسؤولیات متنوعة ومختلفة. فللمرأة حق مسلّم وهو ان تدخل تحت رعایة وحمایة زوجها، والزوج مكلف بجعل امرأته تحت رعایته وحمایته.

ومن الجدیر بالذكر ان هذین الاختلافین بین الرجل والمرأة قد أصبحا واضحین للجمیع بعد القیام بالدراسات النفسیة ولاسیّما تلك الدراسات التی أعدّتها نساء متخصّصات فی العلوم النفسیة.

ولعلّ السرّ فی القضیة هو انّ كلا من الرجل والمرأة لا علم له بما عند الآخر من مشاعر واحاسیس، ولمّا كان الرجل لا یشعر بالحاجة الى ان یكون محبوباً ولا یحسّ بالرغبة فی ان یصبح تحت الحمایة، فانه لا علم له بوجود هذین اللونین من الحاجة عند المرأة، فهو یتخیل ان الجنسین متشابهان فی هذا المضمار.

وهنالك فوارق روحیّة أدنى أهمیة بین الرجل والمرأة أیضاً نُعرض عن ذكرها.

ان الفوارق الجسمیة والنفسیة الآنفة الذكر تؤدی الى اختلافات جوهریة فی الحیاة الفردیة والأُسریة والاجتماعیة لكلّ من الرجل والمرأة، ولابد من ان تؤخذ بنظر الاعتبار أثناء تعیین الحقوق والواجبات، وان رسم هذه الفوارق وتوظیفها ضروری ولا مناص عنه لغرض تشكیل الاسرة والمحافظة على نظامها وبالتالی المحافظة على نسل الانسان وبقائه.

وفی خاتمة المطاف نشیر الى هذه الملاحظة وهی ما یؤكّد علیه علماء النفس من «ان كل انسان یتمتّع بعلم نفس مختصّ به».

وبناء على هذا لا یمكننا ابداً أن نجد شخصین بحیث یكونان متشابهین تماماً ومن جمیع النواحی.

اذن مقصودنا من البحث فی الاختلافات الموجودة بین المرأة والرجل هو الخصائص العامة والغالبة بین الجنسین. وبالتالی اذا لاحظنا فی رجل أو امرأة ظهور خصائص الجنس المخالف له فان هذا یعتبر استثناءً وامراً غیر متعارف.

* * * * *



1. البقرة: 233، لقمان: 14 و 15، الاحقاف: 15.