ar_porsesh5-ch1_4.htm

افضلیة الرجل على المرأة

سؤال: تدل بعض الآیات والروایات على الفارق التكوینی والتشریعی بین المرأة والرجل، وهی تؤكد ضمناً نوعاً من الافضلیة للرجل، من قبیل الآیة «وَلِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ» و«الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ». ألا یُعد وجود مثل هذه الفوارق ظلماً بحق النساء؟

جوابه: إن معظم الذین یثیرون هذه الشبهة یظنون ان المرأة مظلومة وهم یحاولون الدفاع عن حقوق المرأة، لكن جوابنا ینفی المظلومیة عن المرأة وعن الرجل معاً. ففی معرض الاجابة نقوم بالفصل بین بعدی التكوین والتشریع ونتطرق لكلّ منهما بایجاز:

أ ـ نظام التكوین: انما یتسنى الحدیث عن العدل والظلم فقط حینما یكون هنالك حق، فالمخلوق لا وجود له قبل ان یُخلق كی یكون له حق بما یعنیه هذا الحق من انه یطلب من خالقه أن یخلقه أو لا یخلقه، یوجده بهذه الخصائص أو بتلك. بناءً على هذا لا یستطیع أیّ مخلوق الاعتراض على اصل خلقته أو كیفیة خلقته، اذ لا حقَّ لأی مخلوق، فلیس لأی مخلوق الاعتراض على الله سبحانه وتعالى لیقول: لماذا خلقتنی واخرجتنی من دیار العدم، ولیس ثمة انسان له المنّة على الله فیقول له مثلاً: لماذا جعلتنی حیواناً ولیس نباتاً، جعلتنی رجلا ولیس امرأة؟ ولماذا جعلت لی عینین ولیس ثلاثاً أو واحدة؟ ولماذا لم تمنحنی حافظة أو ذكاءً قویاً؟ وما شابه هذه الاسئلة.

إن هبة الوجود وتشخیص حدود وطبیعة ونمط الوجود بید الله سبحانه وتعالى فقط. فهو الذی یخلق ما یشاء وكیف یشاء على اساس حكمته البالغة والمصالح التی لا یحیط بها سواه.

ان الفوارق التكوینیة بین أجناس شتى المخلوقات وانواعها واصنافها هی لازمة النظام التكوینی وما یقتضیه خیر وصلاح جمیع المخلوقات وعلیه لا یمكن الحدیث عن الحق والعدل والظلم، والاعتراض على أصل خلقة أی مخلوق والخصائص الممنوحة له، والمعتبر هنا خیر ومصلحة نظام الخلق كله وحسب.

ب ـ نظام التشریع: ثمة ثلاثة اصناف من العدل والظلم ممكنة فی التشریع هی:

1ـ فی مقام التكلیف

2ـ فی مقام الحكم

3ـ فی مقام المجازاة بالاجر أو العقاب.

ان كلاً من الآیات القرآنیة التی تثبت العدل لله سبحانه وتعالى أو تنفی الظلم عنه تشیر الى أحد هذه الاصناف.

فاذا ما القى الله بتكلیف على عاتق أحد لا طاقة له على ادائه، أو انه یكلّف أحداً لكنه لا یمنحه حقاً ازاء ذلك التكلیف، فی هاتین الحالتین یكون قد ارتكب ظلماً فی مقام التكلیف.

ولو ان الله جَلَّ وعلا وبعد القائه التكالیف العادلة على البشر على اساس المصالح والحِكَم، وحدّد لكلّ انسان أجراً أو عقاباً لا یتناسب مع العمل الذی قام به، فانه یكون قد مارس ظلماً فی مقام الحكم وتعیین الأجر والعقاب.

واخیراً لو ان الله تعالى وبعد تحدیده للاجر والعقاب بشكل عادل، لكنه على صعید العمل لا یثیب المحسنین ولا یعاقب المسیئین، أو انه یعاقب المحسنین ویثیب المسیئین، فی مثل هذه الحالة یكون قد مارس ظلماً فی مقام الاثابة والمعاقبة.

نتساءل الآن: أی صنف من اصناف الظلم الثلاثة مارسه الله بحق النساء او الرجال؟

لیس صعباً أبداً ادراك ان الله جلّ وعلا لم یرتكب أی ظلم بصنفیه الثانی والثالث، واذا ما كان هنالك لبس فهو فی ادراك انه لم یرتكب ظلماً من الصنف الاول ـ الظلم فی مقام التكلیفـ أیضاً.

لتوضیح هذا الأمر نستعین بالقرآن الكریم فنقرأ فی الآیة 228 من سورة البقرة: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ».

معنى الجملة الاولى هو ان حقوق وتكالیف النساء متوازنة. وكما تعلمون ان هذه قاعدة حقوقیة عامة دائمة تقول: اذا ما جُعل حق لأحد فسیُجعل علیه تكلیف یتناسب مع ذلك الحق، وبالعكس اذا ما ألقی تكلیف على أحد فسیُجعل له حق یتناسب مع ذلك التكلیف. والجملة الأولى من هذه الآیة تشیر الى هذا الأمر وتصرح بانه اذا ما وُضعت تكالیف على النساء فان حقوقاً مماثلة لهذه التكالیف قد وُضعت لهنّ أیضاً، لئلا یلحق بهنَّ ظلمٌ، من صنف الظلم فی مقام التكلیف. وهذا یصدق على الرجال أیضاً.

الدقة التی ینبغی توخّیها هنا هی ان توازن حقوق وتكالیف النساء، وتوازن حقوق وتكالیف الرجال شیء، وتساوی المرأة والرجل وتماثلهما بالدرجة شیء آخر. فالقرآن الكریم یقبل الأول ویرفض الثانی. وان المقطع الأول من الآیة موضع البحث یدل على القبول بالمطلب الأول، والمقطع الثانی منها یدل على رفض المطلب الثانی. فاذا ما أُلقیت تكالیف ومسؤولیات أصعب على الرجل بما تقتضیه القابلیات والقدرات الاكثر التی یتمتع بها تكوینیاً فانّ ذلك لا یعدّ ظلماً بحقه فی مجال التكلیف. واذا ما مُنح حقوقاً وامتیازات أكثر فی ازاء هذه التكالیف والمسؤولیات، فلا شك فی انه لم یُظلم أیضاً فی مجال التكلیف، لانه قد روعی التوازن بین حقوقه وواجباته.

من ناحیة اخرى ان ظلماً لا یلحق المرأة اذا ما طولبت بتكالیف أخف بما تقتضیه قابلیاتها الاكثر تواضعاً، وحُدّدت لها حقوق أقلّ تتناسب مع هذه التكالیف. والامر واضح الى هنا، ولكن ربما یُتصور ارتكاب الظلم بحق المرأة اذا ما قورنت حقوق الرجل الكبیرة مع صلاحیات المرأة الأقل، فی حین ان حقوق الرجل وصلاحیاته اذا لم تكن اكثر ـ فی ضوء التوازن بین الحقوق والواجبات وبین الواجبات والقابلیات ـ ففی مثل هذه الحالة یكون قد لحق ظلم بالرجل. اذن افضلیة الرجل على المرأة فی مقام التشریع ـ كما فی مقام التكوین ـ لیس ظلماً بل هی العدل بعینه.

الأمر الجدیر بالاهتمام هو انه لم یتم فی هذه الآیة بیان الوجه فی افضلیة الرجل. ومن خلال التوضیحات التی جاءت ضمن الاسئلة الاخرى یتبیّن ان قدرة الرجل اكثر فی مجال التعقل، والتدبیر، والعمل البدنی والاقتصادی، وفی ضوء هذا الفارق التكوینی أُلقی واجب ادارة الحیاة الأُسریة ونفقاتها على الرجل، ونتیجة لهذا التكلیف فقد انیط حق الادارة واتخاذ القرار فی الشؤون العائلیة «والاجتماعیة» بالرجال. بناءً على هذا وبقرینة الآیة الكریمة «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ»1 یتبین المراد من «درجة» فی الآیة الكریمة «وَلِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ»2.

* * * * *




1. النساء: 24.

2. البقرة: 228.