آیةالله مصباح الیزدی: حقوق الإنسان هی تلك التی عیّنها الله للبشر ولیس الإعلان العالمی لحقوق الإنسان

قال آیة الله مصباح الیزدیّ فی لقاء له مع المسؤولین فی الحقل الثقافیّ والتعبویّین من الفنّانین فی البلاد: إنّ حقوق الإنسان هی الحقوق التی وضعها الله تعالى للبشر بلطفه.

وقال سماحته: اختلاف الإنسان عن سائر الكائنات یكمن فی أنّ الإنسان موجود مسؤول، وإنّ أنبیاء الله قد جاءوا لینبّهوا الإنسان بأنّ علیه واجبات وله حقوقاً.

وفی إشارة سماحته إلى مفهومَی «الحقّ» و«التكلیف» وتلازمهما وتضایفهما قال: حتّى الأشخاص من أمثال «كانت»، الذین عرفوا الله من خلال الأخلاقیّات والعقل العملیّ، فقد اعتبروا أنّ البشر مسؤولون أمام الله عزّ وجلّ.

وفی معرض إشارة العلاّمة الیزدیّ إلى خالقیّة الله وربوبیّته قال سماحته: إنّ مالك الوجود برمّته بما فیه البشر هو الله عزّ وجلّ وإنّ وجود الإنسان وكلّ أبعاد حیاته كالعزّة والكرامة والحیاة والسلطة وما إلى ذلك هی بید الله وإنّ الإنسان مملوك له تعالى. إذن فمن دون إذن الباری تعالى لیس للمرء أیّ حقّ حتّى فی نفسه وهو مكلّف أمام الله عزّ وجلّ فی كلّ التصرّفات بالأمور المرتبطة بنفسه أیضاً فما بالكم بالتصرّف بسائر الموجودات.

واستطرد عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: فإنْ قام الإنسان بفعل أمور متجاهلاً تكالیفه تجاه الله تعالى واقترف فعلاً بدافع الهوى فهو یكون ـ فی الحقیقة ـ قد اتّخذ هواه إلهه.

وفی تبیین أنّ وظیفة العبد هی العبودیّة قال سماحته: المرء مسؤول أمام الله عن كلّ تصرّف یتصرّفه. لذا فإنّ الأصل بالنسبة للبشر هو التكلیف ولیس الحقّ. لكنّ الله، وبمقتضى لطفه وكرمه، قد جعل للبشر فی مقابل الواجبات حقوقاً أیضاً.

وفی حدیثه عن مفهوم العبودیّة الحقیقیّة قال سماحة آیة الله الیزدیّ: إذا صار العبد عبداً حقیقیّاً لله عزّ وجلّ فإنّ الله تعالى سیغمره بلطفه ویجعله مثالاً له وخلیفته فی الأرض.

وفی إشارة له إلى أنّ العقل والفطرة یذهبان إلى أنّ الإنسان موجود مكلّف ومسؤول أضاف سماحته: فی بعض الأحیان ینطفئ نور الفطرة ویندرس العقل تحت وطأة الأهواء والمعاصی، بل وفی أحیان اخرى، یفقد «التكلیف» ـ جرّاء اضمحلال تلك المعلومات الفطریّة ـ مكانته فی حیاة البشر ویبرز «الحقّ» إلى السطح بشكل أوضح وهذه هی بدایة «عصر الحداثة».

وأشار العلامّة الیزدیّ إلى مساعی الغرب فی هذا المضمار قائلاً: یُعرِّف الغربیّون ماهیّة الإنسان فی هذا العصر بأنّه المطالب بحقوقه، وإنّ ممّا یثیر الدهشة هو اعتقاد أحد المدّعین للمعرفة بالإسلام فی إحدى البلدان المسلمة أنّ ماهیّة الإنسان قد تغیّرت وقد تحوّل إلى المطالبة بحقوقه بعد أن كان یسعى وراء التكلیف.

وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: ینظر الغرب فی هذا العصر إلى الإنسان على أنّه موجود یلهث وراء حقوقه بل ویحقّ له مطالبة الله بحقوقه أیضاً.

ومن خلال طرحه للتساؤل القائل بأنّه هل التكلیف هو الأصل بالنسبة للإنسان أم الحقّ؟ قال سماحته: لقد أدّى الإعلام المكثّف حول الإعلان العالمی لحقوق الإنسان والترویج الواسع له إلى جعل موادّ هذا الإعلان بمثابة قانون عامّ فی جمیع بلدان العالم وأداة فی ید مُعدّیه من أجل الضغط على مخالفیه.

وواصل آیة الله مصباح الیزدی كلامه قائلاً: فی هذه الأیّام یتمّ التأكید بشدّة على قضیّة «الحقوق»، وإنّ إعلان حقوق الإنسان لم یدوّن إلاّ لهذا الغرض أیضاً.

وفی معرض طرحه لتساؤلات من قبیل: من هم الذین دوّنوا هذا الإعلان؟ ومن الذی أعطاهم الحقّ فی تدوینه؟ ولماذا على الجمیع الالتزام والقبول بموادّ هذا الإعلان؟ أضاف سماحته: حقوق الإنسان هی تلك التی منحها الله للبشر؛ ولیس ما نظّمه حفنة من الأشخاص على أساس مصالح عدد محدود من الدول والأنظمة.

وقال: إنّ ممّا یؤسَف له الیوم هو أنّ الإعلان العالمیّ لحقوق الإنسان قد تغلغل فی بعض المحافل العلمیّة فی بلدنا حتّى ذهب البعض إلى اعتباره مقدَّماً على القرآن الكریم وأنّ أحكام الإسلام لیست إلاّ قوانین تتعلّق ﺑ 1400 سنة خلت وقد عفّی علیها الزمن.

وفی الختام أضاف سماحة العلامة مصباح الیزدیّ: لیس من حقّ الإنسان أن یطالب الله بحقوق؛ بل علیه أن ینظر ما هی الواجبات التی یتعیّن علیه الالتزام بها تجاه الباری عزّ وجلّ وما هی الحقوق التی عیّنها له تعالى. وعلى هذا الأساس فالإنسان مسؤول أمام الله فی كلّ ما ینجز من أعمال وعلیه أن یأتی بكلّ ما یرضی الله تعالى عنه.

ومن الجدیر بالذكر أنّ هذا اللقاء كان قد عقد یوم السبت الموافق 2009/10/24 فی صالة المؤتمرات التابعة لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.