آیة الله مصباح الیزدیّ: التقدّم العلمیّ والتقنیّ لا یتنافى مع التمسّك بالدین الإسلامیّ

قال استاد الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة: لیس هناك تلازم بین التقدّم العلمیّ والتقنیّ وبین التخلّی عن الثقافة الدینیّة والقبول بالثقافة الغربیّة، لأنّ العلم لا یتنافى مع الدین.

ورأى سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ أنّ المعرفة المعمّقة بالقیم وتطبیقها على قضایا المجتمع هی من أسباب رفع مستوى البصیرة وقال: إنّ من جملة موانع المعرفة هی الشبهات والإبهامات التی تُلقى فی المجتمع من قبل البعض لأهداف معیّنة.

وأضاف سماحته مبیّناً إحدى تلك الشبهات: یدّعی البعض أنّ الثورة الصناعیّة والتطوّر التكنولوجیّ قد أدّیا إلى تغییر حیاة الناس فی الزمن المعاصر وأن للحیاة الحدیثة الیوم ماهیّة تختلف عن السابق، ومن ناحیة اُخرى فإنّ هذا التحضّر تصاحبه ثقافة خاصّة؛ إذن فمن أجل بلوغ هذا التحضّر والرقیّ یتحتّم علینا القبول بالثقافة الغربیّة الملازمة له.

وأشار عضو مجلس خبراء القیادة إلى بعض التغییرات الثقافیّة فی الغرب وقال: حتّى مفردة «اللواط» كانت فی زمن من الأزمان تُعدّ فی الغرب مفردة قبیحة وغیر مستساغة؛ أمّا الیوم فهناك جمعیّات مؤلّفة من عدّة آلاف من الأشخاص تعقد اجتماعات فی العلن لدعم هذه الظاهرة، بل إنّ الأمر قد وصل فی أمریكا إلى دعم بعض مرشّحی الانتخابات لظاهرة «اللواط» من أجل كسب المزید من الأصوات.

واستطراداً فی الحدیث دحض سماحته المغالطة القائلة: بأنّ التغییرات الثقافیّة هی من لوازم الحضارة الحدیثة والتطوّر على صعید العلوم والتكنولوجیا وأضاف: یعتقد البعض استناداً إلى هذه المغالطة أنّ التطوّر التقنیّ یستلزم مشاركة المرأة فی المیادین المختلفة من دون أدنى قید أو شرط. والحال أنّ من جملة أغراضهم التی لا یُصرّح بها هی استغلال المرأة لإشباع غرائز الرجل. وقال العلامة الیزدیّ: وفقاً لهؤلاء المغالطین فإنّ التوصّل إلى العلم والتكنولوجیا الموجودین فی العالم الغربیّ وإنتاج العلم یستدعی قبول الثقافة السائدة فی الغرب، وإنّ الالتزام بالاُصول والاُسس الأوّلیة للثورة الإسلامیّة من شأنه أن یعیق مثل هذه التنمیة والتطوّر.

وتابع قائلاً: نظراً إلی انّ جمیع أفراد الشعب توّاقون إلى تطوّر ورقیّ بلدهم فإنّ إلقاء مثل هذه الأفكار فی أذهان الجماهیر یؤدّی تدریجیّاً إلى إعراضهم عن الثورة الإسلامیّة وانجذابهم نحو الثقافة الغربیّة.

وقال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: إنّه لا تلازم إطلاقاً بین التطوّر على الصعید العلمیّ وبین قبول الثقافة الغربیّة وإنّه من الممكن الإفادة من التقنیة والعلوم المتوفّرة فی الغرب بل وإنتاج العلم أیضاً مع التمسّك بالثقافة الإسلامیّة؛ كما جسّد مهندسو بلادنا من الشباب المتدیّن ذلك فی حقل التقنیة النوویّة.

وقال متابعاً: طبقاً للشواهد التاریخیّة فإنّ بدء التقدّم والنهوض العلمیّ والتقنیّ فی اُوربا كان متزامناً مع المدّ الإسلامیّ فیها وإنّ تأسیس أوّل جامعة فی اُوربا كان عند دخول الإسلام إلیها.

وأضاف آیة الله مصباح الیزدیّ: نرى فی بلادنا الیوم أنّ نساءً یمارسن نشاطاتهنّ فی أعلى المناصب الإداریّة وبشكلٍ أفضل من النساء الغربیّات مع المحافظة على الحجاب والعفاف الكاملین وهذا دلیل على أنّه لا أساس لمغالطة التلازم بین بلوغ التحضّر الحدیث والقبول بالثقافة الغربیّة.

وأضاف اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ: إنّ نفوذ الثقافة الأجنبیّة یلقی بظلاله على أذهان الناس لاسیّما الشباب منهم فتتولّد فی نهایة المطاف فی بلد إسلامیّ ثقافة هی ولیدة الثقافة الأمریكیّة. ثمّ قال: یرى البعض أنّ نفوذ الأفكار والقیم الثقافیّة بالتزامن مع التحضّر هو ضرب من الجَبْر التاریخیّ ویعتقد هؤلاء بأنّه من أجل نیل هذا التحضّر وتلك التقنیة فلابدّ من قبول الثقافة الغربیّة.

وقال آیة الله مصباح الیزدیّ مضیفاً: كما أنّه یتحتّم الجهاد المسلّح من أجل الحفاظ على میاه الوطن وأرضه فإنّه یتعیّن النهوض للجهاد فی الحقل الثقافیّ من أجل صیانة الدین وهذا الجهاد یفوق فی أهمیّته الجهاد العسكریّ بكثیر؛ وذلك لأنّ حفظ دین الشعب أوجب من حفظ الماء والتراب.

كما وعدّ سماحته الجهاد فی میدان الثقافة أكثر صعوبة بكثیر من مثیله فی الجبهة العسكریّة وقال: على خلاف الجبهة العسكریّة فإنّ الجبهة الثقافیّة تفتقر إلى عامل تحریك الجماهیر واستنهاضهم للجهاد، هذا مضافاً إلى أنّه لیس للجهاد الثقافیّ زمان ومكان معیّنان.

وشدّد العلامة الیزدیّ على ضرورة مكافحة ثقافة الكفر ومقارعتها وأضاف: علینا من خلال المثابرة والاجتهاد أنّ نثبت أنّ التقدّم على الصعید العلمیّ والتقنیّ مع الإصرار على العقیدة والقیم الدینیّة أمر ممكن ومن أجل ذلك یتعیّن علینا أوّلاً أن نحفظ أنفسنا من آفات الثقافة الغربیّة ومن ثمّ ننطلق فی مسیرة إنتاج العلم والتكنولوجیاً.