آیة الله مصباح الیزدیّ: بعض الخواصّ یفتقد الشروط اللازمة لإبداء الرأی فی قضایا الساعة ویقع أحیاناً تحت تأثیر المقرّبین

فی لقاء حمیم أجاب سماحة العلامة مصباح الیزدیّ على الأسئلة السیاسیّة والعقائدیّة لجمع من طلاب جامعة العلم والصناعة.
وفی ردّ اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة على سؤال أحد الطلبة بخصوص مواقف بعض الخواصّ فیما یرتبط بالأحداث الأخیرة والتی تخالف توصیات قائد الثورة المعظّم قال سماحته: إنّ بعض الخواصّ لا یمتلك صلاحیّة إبداء الرأی على الصعید الفقهیّ والسیاسیّ والإداریّ وهم یقعون أحیاناً تحت هیمنة أصدقائهم والمقرّبین منهم.
وفی إشارة له إلى عدم وجود أیّ مبرّر لدعم أفكار هذا النمط من الناس قال سماحة آیة الله مصباح: حیثما حصل تقاطع بین خطّ ولایة الفقیه وخطّ هذه الثلّة من الخواصّ فإنّه، علاوة على ضرورة اتّباع الولیّ الفقیه، لابدّ من الوقوف بوجه انتشار الأفكار المنحرفة.
وتابع حدیثه قائلاً: بالالتفات إلى مسألة إدارته للمجتمع بكلّ أطیافه فإنّ سلوك قائد الثورة المعظّم فیما یتعلّق بالأحداث الأخیرة یشبه سلوك الإمام الراحل (رحمه الله) بخصوص أوّل رئیس جمهوریّة للبلاد وهو یعتمد على التعامل بلیونة وسعة صدر حتّى ینكشف الوجه الحقیقیّ لذلك الشخص لیصرّح (رحمه الله) فیما بعد أنّه كان مخالفاً لهذا الشخص منذ البدایة.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدیّ مشیراً إلى أنّ الولیّ الفقیه استناداً إلى ما یمتلكه من بصیرة ودرایة فإنّه یشاهد أفقاً لا یتسنّى للآخرین مشاهدته قائلاً: إنّ سماحة القائد یطالب الخواصّ بتبیین ما یعلمونه من الحقائق؛ لكنّه هو نفسه، ومن باب حفظ مصلحة النظام، لا یمكنه إظهار كلّ ما یعلم من الحقائق وإنّها لوظیفة الخواصّ الذین یتمتّعون بالبصیرة فی أن یمهّدوا الأرضیّة لتعریف الشعب بهؤلاء الثلّة من الناس.
وفی معرض إجابته على سؤال آخر حول سكوت بعض المراجع فی مقابل الأحداث الأخیرة قال حضرة العلامة مصباح: إنّ للمرجعیّة فی المجتمع منزلة رفیعة إلى درجة تدفع المسلمین إلى تقدیم أرواحهم فداءً بكلّ فخر فیما إذا أمرهم المرجع الذی یقلّدونه بذلك، وإذا تمّ المساس بهذه المنزلة فلن یكون ثمّة بدیل على الإطلاق.
وبیّن سماحته أنّ المقصود من مراجع التقلید هم اُولئك العظماء الذین ثبتت صلاحیّتهم للتصدّی لمنصب المرجعیّة وتابع قائلاً: إنّ بعض المراجع یتمتّعون بمستوى عالٍ من الفقاهة والتقوى والعدالة، إلاّ أنّ مشاغلهم العلمیّة الضخمة توجب علیهم الانهماك فی المسائل العلمیّة وعدم تدخّلهم فی القضایا السیاسیّة التی تحتاج إلى انفاق المزید من الوقت لاكتساب التخصّص فیها.
واستطرد سماحته: لكنّنا نلاحظ أنّ البعض الآخر من المراجع، إلى جانب نشاطاتهم العلمیّة، یتناولون القضایا السیاسیّة بكلّ دقّة وحساسیّة وهم ـ بالنظر لما اُوتوا من موهبة إلهیّة وبصیرة ـ یبادرون إلى تحلیل الوقائع وتبیین الحقائق وهو الأمر الذی یجعل نشاطات أمثال هؤلاء مطلوبة وضروریّة بالنظر لما یتمتّعون به من علم وتقوى وإخلاص بالنسبة للثورة. لكنّه لا ینبغی أن ننتظر من الأشخاص الذین لا تتسنّى لهم فرصة دراسة وتقصّی المسائل السیاسیّة أن یتدخّلوا فی تلك المسائل أو یكون لهم رأی فیها.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة مؤكّداً: لابدّ من وضع حریم لمراجع التقلید والمحافظة على شأن المرجعیّة ومنزلتها.
وأضاف سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ الفتنة والامتحان هما من ضروریّات هذه الحیاة الدنیا وكثیراً ما یتعرّض الأشخاص فی میادین الحیاة الفردیّة والاجتماعیّة إلى الاختبارات. وعلى هذا الأساس فإنّ كلّ شخص یجتاز امتحاناً ما فهو یتحتّم علیه أن یعدّ نفسه لخوض امتحان أصعب وعلیه فی كلّ مرحلة أن یمدّ ید التوسّل والفاقة إلى الهم القادر كی یصونه من الأخطاء ومن الوقوع فریسة الفتن.
وعدّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث معرفة الحقائق وبناء النفس ركنین أساسیّین لاجتیاز الامتحانات والفتن وقال: على كلّ فرد أن یكون على اطّلاع كافٍ فی مجال حكم وموضوع المسائل المُبتَلَى بها؛ أی یتعیّن علیه، من خلال الإحاطة بالعلوم الإسلامیّة، أن یطّلع على الحكم الإلهیّ ومن خلال نیل البصیرة أن یعرف كیفیّة تطبیق هذا الحكم.
واعتبر سماحته أنّ الرجوع إلى خطابات وكلمات قائد الثورة المعظّم ومن یحتذی خطّه الفكریّ هو أحد سبل نیل البصیرة وقال: إنّ حیل ودسائس الشیطان فی هذا الزمان هی على جانب من التعقید حتّى إنّ بعض الأشخاص المحنّكین أیضاً وقعوا فی خطأ فی التشخیص فی خضمّ الأحداث الأخیرة.
وأردف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: لا یكفی الاطّلاع على المعارف الإسلامیّة وحده لمواجهة الفتن؛ وقد شاهدنا فی الأحداث الأخیرة أنّ بعض الأفراد على الرغم من إحاطتهم الكافیة بتلك المعارف إلا أنّهم لم یعملوا وفقاً لتكلیفهم وهذه القضیّة یجب أن تكون درساً یُعتبَر منه بالنسبة لنا.
وقد أكّد العلامة الیزدیّ فی ختام حدیثه على ضرورة بناء النفس فقال سماحته: علینا أن نُعدّ أنفسنا من خلال بناء النفس ومراعاة التقوى لمجابهة حیل وألاعیب الدنیا وعُبّادها كی لا نسقط أسرى الشهوة وجمع المال والسعی خلف السلطة.
ومن الجدیر بالذكر أنّ هذا الاجتماع الحمیم الذی جمع العلامة مصباح الیزدیّ مع النواة المركزیّة لتعبویّی جامعة العلم والصناعة كان قد اُقیم یوم الحادی والثلاثین من كانون الأوّل من عام 2009م.