العلامة مصباح الیزدیّ: التفقّه فی الدین، والتعمّق فی المسائل السیاسیّة، والتقوى هی أركان البصیرة

قال اُستاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة فی جمع من طلبة القسم التعلیمیّ النصف الحضوریّ لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: إنّ أهمّ أركان البصیرة هی التقوى.
وعدّ آیة الله مصباح الیزدیّ تهیئة المناخ للارتقاء بمستوى ثقافة الشعب إحدی بركات الثورة الاسلامیة فی ایران وقال: إنّ وسائل الإعلام، والمحاضرات، وإقامة الجلسات التعلیمیّة الحضوریة والغیر الحضوریّة هی الیوم من النعم التی لابدّ من اغتنامها والإفادة منها فی سبیل رضا الباری عزّ وجلّ.
ولدى استعراضه للنواقص فی الماضی أضاف سماحة آیة الله الیزدیّ: فی الماضی حتّى الكتب الدراسیّة لم تكن متوفّرة فی المكتبات ولم یكن الطلبة یحصلون على الكتب التی یستفیدون منها فی دراستهم إلاّ بشقّ الأنفس، أمّا الیوم فیكفی الضغط على زرّ واحد للحصول على مئات المصادر المختصّة فی موضوع معیّن.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة مستشهداً بآیة من القرآن الكریم: إذا شكر الإنسان ضاعف الله علیه النعم، وإنّ شُكر النعمة الیوم یتمثّل فی الإفادة الصحیحة من الإمكانیّات والوسائل المتاحة وتوظیفها من أجل نیل المعارف الإلهیّة واستخدامها لجلب رضا الباری تعالى. فإذا شكرنا زادت نعم الله علینا وجُبر العجز والنقص.
وأضاف آیة الله مصباح الیزدیّ: المكانة الاجتماعیّة التی یتمتّع بها رجال الدین الیوم لا یمكن مقارنتها بالماضی فعامّة الناس الیوم، وحتّى اُولئك الذین یقیمون خارج البلاد، یكنّون لعلماء الدین الودّ والاحترام.
وفی معرض إشارته إلى وجود علماء بارزین فی عصرنا الحاضر من أمثال آیة الله جوادی الآملیّ، اعتبر العلامة مصباح أنّ وجود سماحته هو قیمة كبرى فهو بمثابة موسوعة متنقّلة وقال: فی عهد من العهود لم یكن فی الحوزة العلمیّة درس تفسیر یوازی درس سماحته؛ فجهود هذا الرجل فائقة الأهمّیة وهی تستوجب الإجلال والتقدیر، وإنّه یتعیّن علینا أن نقدر مثل هذه الفرصة حقّ قدرها وأن نستفید كمال الإستفادة من علماء عظام من أمثال سماحته.
وأعرب سماحته عن أسفه لتدنّی مستوى المطالعة بین أفراد المجتمع وقال: لا زال فی زماننا الحاضر علماء ینبّههم صوت أذان الصبح وینتزعهم من بین كتبهم ومن المطالعة و لیس من النوم و الرقاد.
وفی إشارة إلى الأحداث الأخیرة التی شهدتها البلاد قال اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ: لقد أثبتت تجارب سنوات ما بعد الثورة ولاسیّما السنة الأخیرة بأنّ الاهتمام بالدراسة وطلب العلم لا یكفی وحده لحلّ مشاكل المجتمع؛ بل مضافاً إلى رفع مستوى المعرفة بالأحكام الدینیّة والعلوم الإلهیّة فإنّه یتحتّم على الإنسان أن یتعلّم تشخیص الموضوعات؛ أی أن یتعلّم على أیّ موضوع یجب تطبیق الحكم الكذائیّ وهذا تحدیداً ما یسمّى بالبصیرة التی یؤكّد علیها قائد الثورة المعظّم.
واستعرض رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث آیات من الذكر الحكیم وتابع قائلاً: كما أنّ الإسلام هو دین رحمة ومغفرة وسلام، فإنّه یطرح بحث الجهاد. وممّا لا شكّ فیه أنّ الجهاد لا یكون بالابتسامة والملاطفة، بل هو بالسلاح والشدّة.
وأضاف سماحته: حتّى فی زمن النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) وفی المدینة المنوّرة فقد ضُربت أعناق جماعة كبیرة من «بنی قُریظة» بحكم إلهیّ بتهمة التآمر على الحكومة الإسلامیّة.
وتابع العلامة مصباح الیزدیّ: الأشخاص الذین وقفوا فی مواجهة الإمام علیّ (علیه السلام) وحاربوه فی واقعة النهروان كانوا برفقته وقد قاتلوا معه فی حرب صفّین وكان عدد كبیر منهم من حُفّاظ القرآن وممّن تبدو آثار السجود على جباههم، لكنّنا نلاحظ أنّ الإمام (علیه السلام) قد أباد قرابة أربعة آلاف رجل منهم؛ أی إنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم یقتل كفّاراً أو مشركین بل قتل مسلمین وأصحاباً له سابقین ثمّ قال بعد ذلك: «فإنّی فقأت عین الفتنة».
واستطرد سماحته قائلاً: فمن ناحیة هناك الشدّة والغلظة، ومن ناحیة اُخرى هناك الرأفة والرحمة؛ لكن أیّ حكم إلهیّ یشمل الأشخاص الذین وقفوا ضدّ النظام الإسلامیّ فی الأحداث الأخیرة؟ هل یا ترى لابدّ من إطلاق سراحهم والقول: إنّ الدین الإسلامیّ دین رحمة؟ أم یتعیّن إبادة مثل هؤلاء الأشخاص من دون إغماض أو تغافل؟
وأضاف آیة الله مصباح الیزدیّ: لم یرد فی القرآن الكریم أو فی كتبنا الفقهیّة كلام عن ظروف خاصّة أو أشخاص بعینهم بل ذُكرت عمومیّات. إذن فعلاوة على فهم الدین یتعیّن على الإنسان الإحاطة الكاملة بمثل هذه المسائل، ولا یتسنّى ذلك إلاّ من خلال البصیرة.
ورأى سماحته أنّ التعمّق فی المسائل السیاسیّة، والاطّلاع الكافی على التیّارات السیاسیّة، والإحاطة بالتفاصیل والموضوعات الخاصّة كلّها هی من لوازم فهم الأحكام وتطبیقها على المصادیق الخارجیّة وقال: علینا أن نفهم أنّ أهمّ أركان البصیرة هی التقوى وبناء النفس؛ لأنّه قد یمتلك المرء قابلیّة فهم وإدراك المسائل السیاسیّة ویستطیع تطبیق الأحكام على الموضوعات بشكل جیّد، إلاّ أنّه ینقاد إلى ما تملیه علیه نزوات نفسه نتیجة الهوى وحبّ الدنیا.
كما وأكّد سماحته عبر الاستشهاد بالأحادیث على ضرورة بناء النفس وأشار قائلاً: على الإنسان أن یسعى دوماً فی طریق بناء النفس وكسب التقوى وأن یتّهم نفسه باستمرار كی لا یصدر منه أیّ خطأ.