العلامة مصباح الیزدیّ: المعرفة فی الدین، والبصیرة، والتقوى هی الأركان الثلاثة المهمّة لكلّ أفراد المجتمع

قال آیة الله مصباح الیزدیّ: لا یمكن لأیّ جهة أو مؤسّسة لوحدها أن تزرع هذه الأركان الثلاثة فی نفوس الناس، بل لابدّ من تنفیذ برنامج واسع وعمیق من أجل تعریف عامّة الناس بالفكر الإسلامیّ الصحیح والرؤیة السیاسیّة وبناء النفس؛ ذلك لأنّ ضعف هذه الأركان هو الذی دفع بعض المسؤولین الرفیعی المستوى فی البلاد إلى التخلّی عن عقائدهم والترویج للعلمانیّة بحجّة الاتّصالات والتعاملات الثقافیّة كی یستجدوا رضا الأجنبیّ.
وحسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار آیة الله مصباح الیزدیّ فإنّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی قمّ قال فی جمع من الطلاب الجامعیین: إنّ الخلافات موجودة على مرّ التاریخ، وفی تلك الخلافات كان الحقّ والباطل یقعان أحیاناً فی مواجهة بعضهما لكنّه فی ظروف اخرى فإنّ الحقّ یمتزج مع الباطل. وما علینا نحن إلاّ أن نلتفت دائماً ونحرص لأن نكون فی جبهة الحقّ.
وتابع سماحته قائلاً: لابدّ من أخذ معاییر تشخیص الحقّ عن الباطل من الإسلام. والأفراد الذین یعرفون هذه المعاییر جیّداً هم اولئك الذین یعرفون الإسلام أفضل معرفة، والمصداق البارز لهؤلاء هو الإمام الخمینیّ الراحل (ره) وخلَفُه الصالح سماحة آیة الله الخامنئیّ.
وفی إشارة للعلامة مصباح الیزدیّ إلى دور فئات مختلفة فی إنجاح الثورة قال سماحته: صحیح أنّ بعض الفئات التی لم تكن لها صلة بالدین كان لها دور ـ من قریب أو بعید ـ فی إنجاح الثورة إلاّ أنّ عامّة الشعب (الذین تحمّلوا العبء الأكبر للثورة) كانت لهم رغبة فی الدین وإنّ أصل هذه الثورة قد قامت من أجل إحیاء الإسلام؛ وقد أكّد الإمام الراحل (ره) على هذه النقطة فی العدید من خطبه.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: على الرغم من أنّ الثورة قد قامت على اُسس إسلامیّة، لكن ما یؤسف له هو عدم اتّخاذ خطوات جادّة على صعید نشر المعتقدات الإسلامیّة الصحیحة وتضعیف الباطل التی كانت الخطوة الأهمّ بعد انتصار الثورة.
واستطرد سماحته: للأسف فإنّ الكثیر من المسؤولین فی ذلك الحین لم یدركوا أهمّیة هذه المسألة وكانوا یرون تكلیفهم منحصراً فی الانتصار فی الحرب وإعمار البلاد؛ كما أنّه لازال إلى الآن بعض مسؤولی النظام من ذوی المناصب العلیا ممّن لا یدرك ذلك، بل ویتعرّض الأشخاص المتصدّون لهذه القضایا إلى الاتّهام.
وأشار آیة الله مصباح الیزدیّ إلى أنّ الأحداث الأخیرة التی شهدتها البلاد أظهرت مدى أهمّیة الدور الذی تنهض به الأفكار والعقائد وضرورة نشر الثقافة الصحیحة وقال: حتّى من وجهة نظر الإمام الراحل (ره) فإنّ الهدف الأصیل للثورة لم یكن العدالة الاجتماعیّة بل كان معرفة الله تعالى.
وفی معرض إشارة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى تاریخ «مشروع الولایة» أضاف سماحته: بعد رحیل الإمام الخمینیّ (ره) وظهور بعض الانحرافات الفكریّة وبالنظر إلى تأكید قائد الثورة المعظّم على ضرورة مواجهة الغزو الثقافیّ فقد تمّ ـ من خلال التنسیق بین مجموعة من طلبة العلوم الدینیّة والاخوة فی الحرس الثوریّ ـ التأسیس لخطّة سُمّیت «مشروع الولایة» كی یتسنّى من خلالها الوقوف أمام الافكار المنحطّة؛ على الرغم من عدم وجود أی إسناد تنفیذیّ أو رصد أی إمكانیّات مناسبة لذلك.
وتابع سماحة الیزدیّ: الركیزة الوحیدة لهذا العمل كان إخلاص وإیمان بعض الأشخاص الذین كانوا یقومون بالنشاطات إثر مشاهدتهم الانحرافات الفكریّة والشبهات الموجودة فی الجامعات من دون أن یكون فی متناولهم أی إمكانیّات تنفیذیّة لذلك؛ والحال أنّ إحدى أهمّ وظائف الحكومة الإسلامیّة هی العمل على الصعید الثقافیّ.
واستطرد العلامة مصباح الیزدیّ قائلاً: منذ ذلك الحین وهذه الخطّة تُنَفّذ كلّ عامّ ومع مرور الزمن نمت وصارت أوسع؛ لكنّ هذا النشاط لم یكن على أساس الوظائف القانونیّة المناطة من قبل جمعیّة أو مؤسّسة ولا یزال كذلك إلى الآن.
وعبر تبیینه أنّ الضعف الثقافیّ هو أكبر أنواع الضعف الذی یشكوا منه هذا النظام تابع آیة الله مصباح الیزدیّ: على الرغم من التطوّر الملحوظ الحاصل على الصعید العلمیّ والسیاسیّ والعسكریّ، فإنّه لم یُنجز إلى الآن نشاط جدّی فی هذا المجال.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة: كما فی السنوات الثمانی للدفاع المقدّس عندما كان الناس یشمّرون عن سواعدهم ویسدّون الثغرات كلّما لاحظوا أنّ الجیش غیر قادر على مواجهة العدوّ لوحده، فالآن أیضاً یتعیّن على التعبویّین ومن خلال جهودهم الثوریّة أن یسدّوا النقائص الثقافیّة.
وتابع سماحته قائلاً: حتّى رئیس الجمهوریّة فإنّه إذا مارس نشاطات ثقافیّة فی البلاد فلیس ذلك من منطلق وظیفته الرسمیّة بل من دافع ما یتمتّع به من روح تعبویّة.
وأشار العلامة مصباح الیزدیّ إلى الدور الفعّال للشبهات وقال: فی الأحداث الأخیرة وقع بعض الأشخاص تحت تأثیر الشبهات الإلحادیّة ممّن أسدوا خدمات للثورة فی أوائل عهدها فوافقوا علی حذف الإسلام من الحكومة ورفع مؤیّدوهم شعار «الجمهوریّة الإیرانیّة».
وتابع سماحته: إذا استمرّ هذا المسیر المنحطّ ـ لا سمح الله ـ فسیأتی یوم یهبط فیه اعتقاد الناس بالإسلام إلى الصفر وسیُحذف الإسلام من النظام عملیّاً. وإنّ طریقة مواجهة هذا المسیر المنحطّ هو تقویة التفكّر الإسلامیّ الصحیح.
وعدّ سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ أنّ معرفة الدین والبصیرة والتقوى هی الأركان الثلاثة المهمّة لجمیع أفراد المجتمع وقال: لا یمكن لأیّ جهة أو مؤسّسة أن تزرع هذه الأركان الثلاثة فی الناس، ولابدّ من إجراء برنامج واسع وعمیق من أجل تعریف عامّة الناس بالفكر الإسلامیّ الصحیح والرؤیة السیاسیّة وبناء النفس؛ ذلك لأنّ الضعف فی هذه الأركان هو الذی دفع بعض المسؤولین الرفیعی المستوى فی البلاد إلى التخلّی عن عقائدهم والترویج للعلمانیّة بحجّة الاتّصالات والتعاملات الثقافیّة كی یستجدوا رضا الأجنبیّ.
وفی الختام قال آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ رأس المال الأساسیّ والوحید للعمل هو الالتزام والعمل الخالص وفی هذه الحالة سیسدّ الباری تعالى النقائص من خلال إمداداته الغیبیّة.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد تمّ فی قاعة التشریفات لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.