العلاّمة مصباح الیزدی: إنّ هویّتنا تتبلور بالمهدویّة

رأى عضو مجلس خبراء القیادة أنّ هدف الأعداء لیس هو السیطرة على النفط أو منع إیران من أن تصبح دولة نوویّة، بل هو سلب دین الشباب، وقال: لقد أدرك الإمام الراحل (قدّس سرّه) هذه المسألة جیّداً. لكنّه إذا قُسّمت الواجبات على أساس تقسیم العمل فإنّ الشریحة الوحیدة المسؤولة عن حفظ ثغور إیمان جیل الشباب هی شریحة علماء الدین.

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فلدى لقاء رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مع جمع من القائمین على مركز المهدویّة التخصّصی أعرب عن شكره وتقدیره لسماحة حجّة الإسلام والمسلمین الشیخ القراءتی على اهتمامه بإحیاء الكثیر من الاُمور العالقة. وردّاً على كلام أحد السادة الحضور الذی طرح قضیّة أنّه لابدّ أن یكون الهدف الأساسیّ من النظام الإسلامیّ هو تحقّق الأرضیّة لظهور الإمام المهدیّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) أشار سماحته إلى دعاء للإمام السجّاد (علیه السلام) وقال: الإمام السجّاد (صلوات الله علیه) یشكر الله عزّ وجلّ لأنّه یعیش فی زمان الحكومة الإسلامیّة. بمعنى أنّه على الرغم من أنّ زمام إدارة الحكومة الإسلامیّة فی زمانه لم یكن بید أصحابه الأصلیّین، فإنّه كان یعرب عن رضاه على عیشه فی مجتمع إسلامیّ.
وتابع سماحة آیة الله مصباح الیزدی حدیثه قائلاً: إذا قارنّا العصر الحالیّ بجمیع العصور التاریخیّة للتشیّع لاكتشفنا أنّه لم تمرّ فی تاریخ التشیّع فترة توفّرت فیها مثل هذه الظروف حیث هذا الكمّ الهائل من الوسائل، والأدوات، والإمكانیّات المتاحة وهذا الإقبال الهائل على المسائل الدینیّة. ومن هنا علینا أن نقدر هذه النعمة الإلهیّة العظیمة حقّ قدرها وأن لا ننسى نعمة وجود الإمام الراحل (رحمة الله علیه) وقائد الثورة خلیفته الصالح من بعده.
وبیّن سماحة مصباح الیزدی أنّ استقرار الحكومة الإسلامیّة بشكل كامل لم یتحقّق طیلة تاریخ الإسلام وقال: لقد تسلّم الإمام علیّ (علیه السلام) مقالید الاُمور خلال سنوات قلیلة فقط، وعلى الرغم من تحقّق أفضل نموذج للحكومة فی تاریخ الإنسانیّة فی هذا الزمن القصیر فإنّكم تشاهدون مدى الخلافات التی نشبت فی تلك الفترة الأمر الذی أدّى بتلك الدولة إلى أن تنفق مقداراً كبیراً من عمرها فی الحروب والمعارك.
وأكّد العلاّمة مصباح الیزدی أنّ الحكومة الإسلامیّة الكاملة لن تتحقّق إلاّ فی زمان ظهور الإمام الحجّة المنتظر (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) وأضاف: لا ینبغی أن نتوقّع فی ظروف بلادنا الراهنة أن تتحقّق جمیع المسائل بشكل مثالیّ ونموذجیّ بما یطابق الإسلام، ذلك أنّه فی مقابل كلّ خطوة تُتَّخذ باتّجاه الإسلام تَتَّخذ شیاطین الجنّ والإنس خطوات عدیدة لمخالفتها ومعارضتها.
وقال سماحته مشیراً إلى تجارب الشیاطین المتراكمة على مرّ التاریخ: إذا توقّع المرء أن تكون جمیع التصرّفات والسلوكیّات فی النظام الإسلامیّ مطابقة للإسلام وأن لا یحصل أیّ خطأ أو تجاوز على القانون فإنّه سیعانی من الإحباط والیأس بسرعة، ذلك أنّ الإسلام لم یُنَفَّذ فی اُمّة من الاُمم بشكل كامل فی أیّ برهة من التاریخ.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة مشیراً إلى النعمة العظیمة المتمثّلة بالثورة الإسلامیّة: فی أیّ فترة من التاریخ یمكن أن نعثر على خضوع أكثر من سبعین ملیون نسمة تحت زعامة عالم دین واحد مع كلّ هذه المحبوبیّة التی أودعها الله تعالى فی قلوب المؤمنین تجاهه؟
وفی إشارة لسماحته إلى ضرورة شكر هذه النعمة العظیمة المتمثّلة بالنظام الإسلامیّ أضاف: علینا أن ندرس ونحلل ما الذی یحتاجه النظام الإسلامیّ لتحقّق اُمّة إسلامیّة مثالیّة ثمّ نجنّد كلّ طاقاتنا وإمكانیّاتنا مع مراعاة الأولویّات فی سبیل تلبیة هذه الحاجات.
ورأى العلاّمة مصباح الیزدی أنّ إحدى هذه الحاجات هی المهدویّة وقال: بالنسبة لمبحث المهدویّة فإنّه مضافاً إلى أنّه لم یتمّ العمل بالاتّجاه الإیجابیّ وبشكل كامل فی هذا السبیل، فإنّ الأعداء قد خطوا خطوات جبّارة فی الاتّجاه السلبیّ له، الأمر الذی یزید من ثقل المسؤولیّة الملقاة على كاهلنا على صعید البحث وإثبات الحقائق من جهة وعلى صعید الردّ على ما یبثّه الشیاطین من شبهات من جهة ثانیة.
وفی معرض إشارة اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى ضرورة الالتفات إلى أنّ حاجة النظام الإسلامیّ لا تنحصر فی مبحث المهدویّة قال سماحته: لا ینبغی توقُّع أنّ باقی المشاكل والحاجات ستُهمَل بسبب الأهمّیة القصوى التی تتمتّع بها إحدى هذه الحاجات، بل علینا أن ننشط – بالالتفات إلى الأولویّات – فی مجال البحث والدعوة والكتابة والأعمال الفنّیة فی سبیل تلبیة هذه الحاجات.
ونوّه العلاّمة مصباح الیزدی بالعجز الذی نشكو منه على صعید النشاطات الثقافیّة وقال: إنّ من المشاكل الأساسیّة التی نعانیها فی مجال العمل الدینیّ على كافّة الصعد هو نقص الكوادر البشریّة.
ورأى عضو مجلس خبراء القیادة أنّ المشكلة الاُخرى التی یعانی منها المجتمع هی العجز فی مجال الإدارة لاسیّما فی الحوزات العلمیّة وقال: لقد أدركت البلدان الاُخرى أهمّیة الإدارة أفضل منّا بكثیر، ومن هنا فلكی توسّع أمریكا من نفوذها فی إیران فقد أقدمت على إنشاء جامعة إدارة فی إیران، فی حین أنّنا - وبعد مضیّ ثلاثة وثلاثین عاماً - على انتصار الثورة الإسلامیّة لم ننجز عملاً جدیراً بالاهتمام على صعید تنشئة مدیرین أكفاء.
وأوضح آیة الله مصباح الیزدی أنّ لمجتمعنا الإسلامیّ مطالبات مختلفة وأنّه لابدّ من العمل على أصعدة شتّى منها الوهابیّة، والبهائیّة، وألوان العرفان الكاذب، والبحوث المادّیة وقال: إنّ جلّ ما یصل إلینا من رسائل وأسئلة تتعلّق بإنكار عالم ما وراء الطبیعة ووجود الله تعالى. ومن جانب آخر فإنّ مدرسة الماركسیّة الجدیدة باتت تتبلور فی ظلّ الظروف الاقتصادیّة الراهنة التی یعیشها الغرب ممّا یحتّم العمل فی هذا المجال أیضاً ولا ینبغی توقّع أن تنحصر نشاطاتنا فی بحث المهدویّة.
وتابع اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة قائلاً: إنّ هویّتنا تتبلور بالمهدویّة؛ ذلك أنّ الانخراط فی سلك علماء الدین هو بمعنى التجنّد للجهاد مع صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) ولو أنّنا حذفنا هذا الجانب فلن یبقى لسلك علماء الدین شیء. وعلى الرغم من الحاجة الماسّة لموضوع المهدویّة إلى جانب الموضوعات الاُخرى فإنّ هذا الموضوع یتمتّع بأولویّة خاصّة على الأقل بالنسبة لنا كمعمّمین.
ورأى سماحته أنّ هدف الأعداء لیس هو السیطرة على النفط أو منع إیران من أن تصبح دولة نوویّة، بل هو سلب دین الشباب، وقال: لقد أدرك الإمام الراحل (قدّس سرّه) هذه المسألة جیّداً. لكنّه إذا قُسّمت الواجبات على أساس تقسیم العمل فإنّ الشریحة الوحیدة المسؤولة عن حفظ ثغور إیمان جیل الشباب هی شریحة علماء الدین.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدی قائلاً: وحتّى إذا قصّر الآخرون فی أداء واجباتهم فی مجال التخطیط، ورصد المیزانیّات فلن یسقط التكلیف عن أعناقنا وعلینا العمل بواجبنا فی حدود طاقاتنا ووسعنا.
وعبر تهنئة اُستاذ الفلسفة الإسلامیّة للقائمین على مركز المهدویّة التخصّصی بما حباهم الله تعالى من توفیق للخطو فی هذا الطریق فقد أوصى الحضور بقوله: لابدّ من الاهتمام بإتقان المباحث فی مجال التحقیق. وحتّى فی حال وجود مسائل غیر قطعیّة وروایات ظنّیة فی هذا المجال، فیتعیّن عرضها مع بیان مُعامِل إتقانها، وأن لا توضع المسائل القطعیّة والمتیقَّن منها جنباً إلى جنب مع المسائل المشكوك بها.
واستطرد سماحته فی حدیثه قائلاً: علینا التعامل بمزید من الحساسیّة مع الموارد التی فیها احتكاك مباشر مع عمل الناس، ولحسن الحظّ فإنّ من الممكن إثبات هذه المسائل بأدلّة تقترب من الیقین.
وأردف عضو مجلس خبراء القیادة مشیراً إلى نماذج من بركات النظام الإسلامیّ: لا یجوز التشكیك بأصل النظام الإسلامیّ الذی قلّ نظیره فی العالم وهو بهذا المستوى من الأهمّیة لمجرّد العثور على روایة مجهولة، أو ضیاع حقّنا الشخصیّ فی مورد معیّن أو جرّاء وجود مشكلةٍ مّا فی النظام الإسلامیّ.
وضرب سماحته أمثلة فقال: لیس لقضیّة امتلاك «الدجّال» لعین واحدة أو عینین من أثر على عقائد الناس وسلوكیّاتهم، لكنّ الإجابة على السؤال التالی: هل إنّ العمل ضمن هذا النظام الإسلامیّ یشابه العمل فی نظام أمیر المؤمنین (علیه السلام) أم العمل ضمن نظام معاویة؟ فإنّ له أهمّیة بالغة وأثراً كبیراً على سلوك الناس. ولهذا لابدّ أن نكون شدیدی الحساسیّة فی هذا المجال.
وقد قدم حجة الإسلام والمسلمین الشیخ الكلباسی فی بدایة هذا اللقاء تقریرا عن كیفیة تأسیس هذا المركز ونشاطاته.
وقد جرى هذا اللقاء فی التاسع والعشرین من أیّار 2012م فی صالون تشریفات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.