آیة الله مصباح الیزدیّ: ولایة الفقیه هی محور حاكمیّة الإسلام والضامن لتحقّق العدالة والتقدّم

ألقی آیةالله مصباح الیزدیّ خطاباً فی جمع من الناشطین فی الحقل الثقافیّ فی أنحاء الجمهوریّة الإسلامیّة طرح فیه ولایة الفقیه بعنوان أنّها المحور لحاكمیّة الإسلام والضامن لتحقّق العدالة والتقدّم.

وفی إشارة منه إلى أنّ للتقدّم تعاریف مختلفة فی كلّ من المجالات الاقتصادیّة والاجتماعیّة والسیاسیّة قال سماحته: إنّ مفهوم التقدّم یستبطن الاقتراب من المقصد والهدف.

وتطرّق رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ(ره) للتعلیم والأبحاث إلى أنّ تعریف الهدف والمقصد والطموح فی ثقافة العالم المعاصر یدور حول محور المسائل المادّیة وقال: وفقاً للرؤیة الإسلامیّة فإنّ الهدف لا ینحصر فی الشؤون المادّیة بل إنّ المقاصد الدنیویّة لیست هی إلاّ أهدافاً متوسّطة تُنال من أجل الوصول إلى المطامح النهائیّة.

واسترسالاً فی حدیثه بیّن سماحته أنّ الهدف النهائیّ من سیر الإنسان وحركته على مدى سنی عمره هو التكامل الإنسانیّ مضیفاً: الطفل عند ولادته هو إنسان بالقوّة، ولابدّ ـ من خلال الاجتهاد لإیصال ما یمتلكه من إمكانات ومواهب إلى مستوى الفعلیّة ـ‌من تحویله إلى إنسان بالفعل لیطوی تدریجیّاً مراحل التكامل الإنسانیّ فیصل إلى مرحلة القرب الإلهیّ؛ تلك المرحلة التی لیس لها حدّ معیّن بل وتمیل نحو اللانهایة أیضاً.

وقال أستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة: إنّ الجهد الجهید والسعی الحثیث للمرء من أجل الانتقال من الحالة الحیوانیّة إلى الحالة الإنسانیّة والاستمرار فی السیر لبلوغ القرب والجوار الإلهیّین لن یكون موجَّهاً وجهة تكاملیّة إلاّ إذا تمّ ذلك بإرادة الفرد واختیاره.

وفی معرض إشارته إلى أنّ التقنیة والرفاهیة تُعدّ وسائل ضعیفة للتمهید لتحرّكٍ على طریق الإنسانیّة أضاف سماحته: یتحتّم توفیر البیئات الضروریّة من أجل التكامل على نحو یتمكّن معه جمیع البشر فی نهایة التاریخ من قطع هذا الطریق والتقدّم فیه من دون أیّ عائق یعیق سبیلهم. ولتحقّق ذلك لابدّ من وجود ضوابط معیّنة.

وفی معرض إشارته لضرورة تمتّع الإنسان بسلسلة من الحقوق بغیة الإفادة من النعم الإلهیّة قال العلاّمة مصباح الیزدیّ: إلى جانب تلك الحقوق فإنّ للإنسان واجبات وتكالیف یتعیّن علیه القیام بها من أجل بلوغ الهدف النهائیّ.

كما وأضاف: فی سبیل حصول جمیع الأفراد على حقوقهم لابدّ من أن یحكُم البشر نظام عادل تُوزَّع فیه الحقوق والواجبات بالتناسب بین الجمیع.

وتفنیداً لرأی بعض المدارس التی تعرّف العدالة بأنّها المساواة قال اُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ: إنّنا نعرّف العدالة بأنّها التوزیع المتناسب للحقوق والواجبات.

وقال عضو مجلس خبراء القیادة عند تعرّضه إلى أنّ الهدف من بعثة الأنبیاء وإنزال الكتب السماویّة حسب الرؤیة القرآنیّة هو إقامة القسط والعدل بین الناس: هناك على الدوام مَن یعارض تطبیق العدالة ولا یستسلم إلاّ بالعقاب؛ ومن هذا المنطلق یرى القرآن الكریم أنّ تنفیذ العدالة متوقّف على استخدام الحدید والسلاح.

وأشار سماحته بالاستناد إلى شهادة التاریخ بأنّ النظریّة الفوضویّة التی تنادی بمراعاة القیم الأخلاقیّة بشكل طوعیّ هی بعیدة عن الرؤیة الواقعیّة للأمور وأضاف: إنّه من غیر الممكن إقامة نظام عادل من دون منفّذ یمنع المخالفات والتجاوزات، ومن هنا یُطرح بحث الحكومة، وماهیّتها، وكیفیّة نشوئها، ومصدر مشروعیّتها.

وعند تقسیمه للاتّجاهات الرائجة لأشكال الحكومة إلى اتجاهین علمانیّ ودینیّ قال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ المدارس السیاسیّة العلمانیّة لا تلتفت إلى ما وراء المادّة وإلى الله أو إنّها لا تقول بدور للباری تعالى فی مثل هذه القضایا.

واسترسالاً فی حدیثه وضّح سماحته الاتّجاه الثانی فی باب الحكومة الذی یرى أنّ لله عزّ وجلّ ولما وراء المادّة دخلاً فی المسائل السیاسیّة قال: إنّنا نعتقد بأنّ للكون مالكاً وخالقاً وأنّ الإنسان محتاج له فی كلّ أموره وشؤونه.

وبعد تبیینه لاستحالة سلب حقّ المالكیّة والحاكمیّة من الله تعالى وتفویضهما إلى غیره قال العلاّمة مصباح الیزدیّ: من الممكن أن یجیز الله تعالى لشخص إعمال الحاكمیّة من جانبه جلّ شأنه حیث فی هذه الحالة یتمتّع هذا الشخص بسلطة الحكومة على أساس إرادة الله ورغبته؛ فهذه السلطة هی فی طول سلطة الباری عزّ وجلّ وهی تُمنح له من قبل الله لحظة بلحظة.

وقال سماحته: لیس لأیّ أحد إطلاقاً حقّ الحكومة والأمر والنهی على الآخرین، إلاّ أن یُمنح هذا الحقّ من قِبل الله عزّ وجلّ. وفی هذه الحالة فإنّها حاكمیّة الله التی تُنفَّذ من خلال مجرى وجود هذا الشخص.

وبالاستشهاد بآیات من القرآن الكریم قال اُستاذ الحوزة العلمیّة: لو كان أنبیاء الله مجرّد حَمَلة للرسالة لم تكن طاعتهم واجبة على الناس. لكن بما أنّ الله قد أعطاهم حقّ الحاكمیّة فلابدّ من إطاعة أوامرهم التی هی أوامر الله تعالى. وبعد النبیّ الخاتم(صلى الله علیه وآله) أیضاً، وامتثالاً لأمره الذی یستند إلى أمر الله عزّ وجلّ، فإنّ طاعة الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) واجبة على الناس.

وفی إشارة من سماحته إلى نصب الولاة من قبل الأئمة(علیهم السلام) للنظر فی الأمور الحكومتیّة الخاصّة بالمدن البعیدة عن مركز الحكومة فی زمانهم(علیهم السلام) قال: لو لم یكن أمر الإمام(علیه السلام) مبنیّاً على اتّباع الناس لهؤلاء الولاة، لم یكن لأحد غیر المعصومین(علیهم السلام) حقّ الحاكمیّة على الآخرین.

وفی نهایة المطاف قال سماحة آیة الله مصباح الیزدی إنّ منشأ و أساس إیجاد النظام الاسلامیّ فی عصر الغیبة الكبری هو أمر الإمام المعصوم(ع) باتّباع الفقیه الجامع للشرائط والرجوع الیه، وأكّد علی ان الدستور(القانون الأساسیّ) لایصبح معتبراً إلا اذا أیّده وأمضاه الولیّ الفقیه، ولیس ـ‌كما یتصوّر البعض‌ـ اعتبار ولایة الفقیه متوقّفاً علی نصّ الدستور. انّ الدستور نفسه لاتكون له قیمة و اعتبار إلا اذا أمضاه و أجازه الولیّ الفقیه. وكما أكدّ علیه الامام الراحل(رضوان الله علیه): فانّ رئیس الجمهوریة یصبح طاغوتاً اذا لم یتمّ نصبه من قِبَل الولی الفقیه.