آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ تهیئة المناخ لوصول الشعب إلى الكمالات المعنویّة هی من وظائف الحكومة الدینیّة

قال استاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة فی ملتقى «حواریّة العدالة والتقدّم فی الحكومة الدینیّة»: إنّ تهیئة المناخ المناسب وتوفیر الإمكانات اللازمة من أجل وصول الجماهیر إلى الكمالات المعنویّة هی من وظائف الحكومة الدینیّة.
وأضاف سماحة آیة الله الیزدیّ فی هذا الملتقى: إنّ لمفردة «العدالة» ـ التی تبدو فی الظاهر من أوضح المفردات ـ تعقیداتها الخاصّة ولا یمكن إدارك عمقها بیسر وسهولة. وقال فی معرض إشارته إلى استخدامات هذه المفردة: تُنسب هذه المفردة فی الثقافة الإسلامیّة إلى الله عزّ وجلّ فی كلا البعدین التكوینیّ والتشریعیّ؛ إلاّ أنّ هذین الاستخدامین لیسا مترادفین.
وأضاف العلامة الیزدیّ لدى بیانه للاعتدال وتحاشی الإفراط والتفریط كمعنى آخر للعدالة: لا وجود لأیّ اشتراك معنویّ بین المعانی المختلفة لهذه المفردة وكلّ ما یمكن قوله إنّ هناك تناسباً بین تلك المفاهیم ممّا یُعدّ منشأ للانتقال من معنى إلى معنى آخر.
وتابع سماحته مستعرضاً معانی «العدالة» فی فلسفة السیاسة، والأخلاق الاجتماعیّة، وفلسفة الحقوق، وقال: یعرّف أغلب أساتذة هذه العلوم «العدالة» بأنّها إعطاء الحقّ لصاحبه من دون إجحاف أو ترجیح بلا مرجّح وهذا التعریف فی الواقع هو ضرب من الحشو والتكرار.
ولدى إشارته إلى قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) بأنّ الأصل فی جمیع الحقوق هو «حقّ الله» قال سماحته: إنّ جمیع الحقوق تتفرّع من «حقّ الله» وإنّ الحقوق الثابتة للإنسان هی فقط تلك المعطاة له من قِبل الله عزّ وجلّ.
وعند بیان أنّ الحكومة الدینیّة هی مؤسّسة اجتماعیّة تولّت السلطة على أساس من القیم الدینیّة وهی تتصدّى لتحقیق أهداف المجتمع فی إطار تلك القیم، أشار سماحة آیة الله الیزدیّ إلى أنّ من أهداف الحكومة الدینیّة تأمین احتیاجات الشعب المادّیة، وتوزیع الإمكانات بین أفراده، وتوفیر الأمن الاجتماعیّ.
وأكّد عضو مجلس خبراء القیادة أنّ الهدف من وراء خلقة الإنسان هو نیله للكمال والقرب الإلهیّ وأضاف: إستناداً إلى الدین فإنّ على عاتق الحكومة الدینیّة وظیفة اُخرى وهی توفیر الإمكانات اللازمة لوصول كافّة أفراد المجتمع إلى الكمالات المعنویّة.
وقال: إذا عملت الحكومة بكلّ تلك الوظائف فإنّها تكون ـ فی الحقیقة ـ قد راعت العدالة وأعطت لكلّ ذی حقّ حقّه، وهذا هو المعنى العامّ للعدالة.
ونوّه رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى أنّ تحقّق العدالة له مراتب وقال: إنّ وظیفة الحكومة هی السعی لإیصال العدد الأكبر من أفراد المجتمع إلى أعلى مستوى ممكن من الكمال على الصعیدین المادّی والمعنویّ.
وتطرّق سماحته إلى بواعث بروز التضادّ بین ما یُصطلَح علیه بـ «التقدّم» و«العدالة» وأشار قائلاً: أحیاناً یكون التقدّم والتطوّر المادّی للمجتمع فی تضادّ مع تنامی الأخلاق والمعنویّات فیه. وفی مثل هذه الموارد یُطرح السؤال التالی: لأیّ منهما تكون الأولویّة حینئذ؛ للتقدّم أم للعدالة؟
وأشار آیة الله مصباح الیزدیّ فی ختام حدیثه إلى أنّ الرشد المعنویّ لأفراد المجتمع هو أحد عناصر «التقدّم» بمعناه الإسلامیّ وقال: إنّ تمتّع عدد أكبر من أفراد المجتمع بالإمكانات وتوزیعها بینهم على نحو أكثر تناسباً من أجل رفع معنویّاتهم لا یتنافى مع التقدّم حتّى إذا ترافق مع تناقص فی مؤشّر النمو.
هذا وقد اُقیم الملتقى المذكور فی قاعة المؤتمرات بمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث صباح یوم السبت الموافق 2009/11/19م.