آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ أهمّ ما یجب أن ندافع عنه حتّى آخر قطرة دم فی عروقنا هو مسألة ولایة الفقیه

فی إشارة لاُستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة إلى أنّ مؤامرات الأعداء ومساعیهم منصبّة لتضعیف ولایة الفقیه قال سماحته: إنّ سماحة قائد الثورة المعظّم لا نظیر له فی العالم.
وأكدّ سماحة العلامة مصباح الیزدیّ لدى لقائه جمعاً من كبار مسؤولی محافظة بوشهر علی أهمّیة مسألة البصیرة وقال: منذ عشرین سنة وقائد الثورة المعظّم یكرّر التذكیر بقضیّة الغزو الثقافیّ وضرورة التحلّی بالبصیرة ولقد أظهرت الحوادث الأخیرة إلى أیّ مدى كان ثِاقب البصیرة، وعمیق التفكیر، ومستشرفاً للمستقبل هادیاً ومرشداً لنا، وهذا یحتّم علینا من خلال الاعتبار من هذه الأحداث أن نعدّ أنفسنا أكثر من السابق للعمل وفقاً لتوجیهاته وإرشاداته.
وتابع قائلاً: من أجل اكتساب البصیرة، خصوصاً بالنسبة للمدراء الرفیعی المستوى، فإنّه لا یمكن الاكتفاء ببضعة اجتماعات حوار، إلاّ أنّ مثل هذه الحواریّات یمكنها أن تشكّل نقطة البدایة لحركة عظیمة وكلّما اشتدّ الاهتمام بالتخطیط لها وتنظیمها كانت نتائجها فی المجتمع أكثر شمولیّة ونفعاً.
وألمح اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة إلى دور الخواصّ فی المجتمع وقال: العوامّ، بذهنهم الفطریّ الصافی، یدركون المسائل بشكل أفضل أحیاناً، فی حین أنّ بعض الخواصّ غیر قادرین على إدراك القضیّة بعمق جراء بعض المسائل والملاحظات.
وتابع رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قائلاً: بعض نقاط الضعف التی تبدو لأوّل وهلة غیر ذات أهمّیة قد تؤدّی فی المستقبل إلى مشكلات ضخمة وتكلّفنا أثماناً باهضة. وفی معرض الإشارة إلى واحدة من نقاط الضعف تلك أضاف سماحته: بغضّ النظر عن السنوات الأولى التی تلت انتصار الثورة فإنّ تغلغل الأفكار الغربیّة بشكل مبطّن قد ساد البلاد ثمّ اشتدّ هذا النمط من التفكیر تدریجیّاً.
وأشار عضو مجلس خبراء القیادة إلى الاختلافات بین فترة أوائل الثورة والسنوات التی تلتها وأضاف: إنّ ظاهرة الأموال الطائلة المنفقة على سفرات الخارج، والمصاریف الباهضة المبذولة على دیكورات مكاتب الرؤساء، وحتّى المهور العالیة للزواج قد تفشّت شیئاً فشیئاً فی البلاد وقد سادت المسؤولین حالة من النزعة الغربیة والمیول المادّیة. وأضاف سماحته: وقد تطوّرت هذه الحالة إلى الحدّ الذی دفع بعض المسؤولین من الطراز الأوّل فی البلاد إلى التشكیك بأحكام الإسلام وادّعاء انقضاء تاریخها، بل وقد ذهبوا فی المرحلة اللاحقة إلى أبعد من ذلك حیث قالوا ـ ومن خلال طرح الادّعاء القائل بأنّ الثقافة الغربیّة هی القمّة فی الكمال ـ بأنّه لیس هناك من بُدّ سوى القبول بالثقافة الغربیّة.
كما وقال العلامة مصباح الیزدیّ: واستمراراً للمسیرة ومن خلال إظهار التصریحات التی تغازل جیل الشباب؛ من قبیل ضرورة التعامل مع العالم وعدم الركون إلى الانزواء عاد هذا التیار إلى ثقافة ما قبل الثورة، بل إنّ البعض قد عمد عبر إلقاء الشبهات إلى التشكیك بولایة الفقیه. وكلّ هذه الشبهات كانت تُبثّ على شاكلة تقبلها أذهان الشباب وتسلّم بأنّ التفكر الغربیّ هو أساساً مقدّم على الثقافة الإسلامیّة ولابدّ لبلادنا من أن تتماشى مع الثقافة الرائجة فی العالم.
واستمراراً فی الحدیث أشار سماحته إلى نهج الإمام الخمینیّ (رحمه الله) وسیرته وقال: كانت توصیات الإمام الراحل (ره) دائماً تتمحور حول الإسلام وأنّ هذا هو الإسلام الذی أرعب الأعداء. لكن یا ترى هل الإسلام هو الصلاة والصوم والحجّ فحسب؟ فهذا هو عین المقصود بكون الدین شخصیّاً وقبول الدین العلمانیّ.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة: منذ البدء أبدى أعداء هذا النظام حسّاسیة فی مقابل مجلس صیانة الدستور، وذلك لأنّ هذا المجلس یستطیع رفض القوانین التی یصادق علیها مجلس الشورى إذا كانت مغایرة للإسلام وهذا الأمر بحدّ ذاته هو رمز إسلامیّة ثورتنا، وإذا كانت القضیّة مقتصرة على الإشراف على الانتخابات والمرشّحین لما كان بلدنا مختلفاً عن البلدان الاُخرى.
وتابع سماحته: هل ـ واقعاً ـ نحن نقبل بالقرآن الكریم ونعتقد بضرورة تنفیذ أحكامه فی البلاد؟ فلو أنّنا، منذ ذلك الحین الذی قال فیه البعض إنّ القرآن قابل للنقد، قد وقفنا بوجه هؤلاء لما تجرّأ الیوم نفر على حرق المصحف الشریف، ولما أهانوا سیّد الشهداء (علیه السلام). فمخالفة القرآن لیست هی مخالفة لحزب أو جماعة؛ بل هی مخالفة لاُمّة قدّمت أكثر من 200 ألف شهید من أجل أن یبقى القرآن حیّاً.
وقال العلامة مصباح الیزدیّ: یتحتّم علینا استلهام العبر والدروس من هذه الأحداث وكما قدّم سیّد الشهداء (علیه السلام) كلّ وجوده وحتّى طفله الرضیع فی سبیل الإسلام، علینا نحن أیضاً أن ننهض للدفاع عن الإسلام ولا نسكت على إهانة المقدّسات والقیم الدینیّة. وأردف قائلاً: لیس بلدنا ذلك البلد الذی یُدار باللیبرالیّة؛ فشعبنا قدّم التضحیات كی یبقى الإسلام حیّاً، وفدى أبناءه من أجل ترسیخ الثورة. فإن لم یرغب أحد بهذه الثورة فلیس له حقّ التشكیك فی الإسلام، بل علیه هو أن یرحل من هنا. فالشعب الإیرانیّ لا یطیق كیل الإهانات للإسلام ومحاولات تضعیف الدین وإنزال القرآن من مسند الحاكمیّة.
واعتبر اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة أنّ من جملة طرق القرآن فی تعلیم العبر هو ذكر حوادث التاریخ وحكایة قصص الماضی. ولدى الإشارة إلى قصّة عجل السامریّ وانخداع بنی إسرائیل بزخرف حیاة عبّاد الأوثان قال سماحته: وفقاً للأحادیث فإنّ كلّ حادثة وقعت لقوم بنی إسرائیل فإنّها ستقع للأمّة الإسلامیّة أیضاً.
واستطرد فی حدیثه مشیراً إلى مؤامرات الأعداء ودعایتهم ضدّ الإسلام وقال: عندما یأتی البعض ممّن یدّعی المعرفة بقضایا الإسلام لیضفی على الحروب التی نشبت فی صدر الإسلام طابع النزاعات القبلیّة ثمّ نمرّ من أمامه مرور الكرام بل ویبادر رئیس مجلس الشورى فی حینه إلى تبجیله والإطراء علیه، فلا عجب أن تصل بنا الاُمور إلى قیام البعض فی یوم عاشرواء بحرق المصحف الشریف وإهانة سیّد الشهداء (علیه السلام).
وأكّد سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ على ضرورة الوقوف بوجه الانحرافات منذ البدایة كی لا تتحوّل إلى مشكلة عظیمة وقال: إذا كنّا نلجأ إلى الاعتصام عندما تُغیّب حقوقنا فمن الأولى أن نبدی ردّ فعل تجاه إهانة مقدّساتنا ودیننا. ومع أنّ الجماهیر قد تصرّفت بوعی فی هذه القضیّة؛ لكن علینا منذ اللحظة الاُولى أن نقف أمام الانحراف.
واستمرّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی حدیثه قائلاً: إنّ أهمّ الامور التی یتعیّن علینا الدفاع عنها حتّى آخر قطرة دم فی عروقنا هی مسألة ولایة الفقیه وإنّ كلّ مؤامرات ومساعی الاستكبار تصبّ فی وادی مواجهة ولایة الفقیه. إذ من الممكن بطریق أو باُخرى حرف الشخصیّات المختلفة بأیّ زیّ تزیّت وفی أیّ منصب كانت، وإنّ الشخصیّة الوحیدة التی لا یمكن حرفها هی شخصیّة الولیّ الفقیه والقائد. ولهذا السبب نرى أنّ أعداء النظام الإسلامیّ قد بذلوا مبالغ طائلة فی سبیل تضعیف ولایة الفقیه.
وأضاف: یجب أن نشكر الله عزّ وجلّ على أنّه قد منّ علینا بنعمة وجود مثل هذا القائد الذی لم تؤخذ علیه طیلة عمره حتّى نقطة ضعف واحدة والأعداء الذین ینسبون نقاط الضعف للأشخاص كذباً لم یستطیعوا فعل شیء لتخریب شخصیّة القائد، وإنّ كلّ مساعیهم ومحاولاتهم مكرّسة لتضعیف مكانة ومنزلة ولایة الفقیه وتحدیدها وحذفها تدریجیّاً، ومحو قداستها كی لا یشعر الناس بالمحبّة القلبیّة والدینیّة تجاه قائدهم.
وأضاف آیة الله مصباح الیزدیّ: لا وجود لنموذج أو نظیر لشخصیّة القائد بین جمیع شخصیّات العالم، ولا یمكن أساساً مقارنة رؤساء سائر الدول مع قائد النظام الإسلامیّ. وتابع بالقول: الولیّ الفقیه هو قائد دینیّ وهو مشمول برعایة الإمام صاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرجه الشریف).
وقال اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ: إنّ أخطر مهمّة تقع على عاتقنا الیوم هی الحفاظ على هذه الشخصیّة وعلینا بذل الجهود فی هذا السبیل وإذا قصّرنا فی ذلك نكون قد كفرنا بنعمة عظیمة وهو الأمر الذی سیؤدّی بنا إلى عواقب سیّئة.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى یوم الإثنین الموافق 2010/01/18م فی قاعة المؤتمرات التابعة لمؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.