آیة الله مصباح الیزدیّ: الأهواء النفسیّة، وإصدار الأحكام المستعجلة، ومحوریّة النفس هی من جملة عوامل انعدام البصیرة

فی إشارة لاستاذ الحوزة العلمیّة فی قمّ المقدّسة إلى أنّ الغرور، والاستعلاء، واتّباع الهوى تشكّل أحیاناً عائقاً أمام البصیرة قال سماحته: البعض ـ تحت تأثیر مثل هذه الروحیّات ـ یرون أنفسهم أنّهم أصل النظام الإسلامیّ ویظنّون أن لا أحد غیرهم قادر على إدراك مصلحة النظام.
وفی جمع من مدراء وقادة أجهزة الأمن تعرّض سماحة العلامة مصباح الیزدیّ لأهمّیة البصیرة التی هی محطّ تأكید شدید من قبل قائد الثورة المعظّم وقال: البصیرة تعنی الإدراك العمیق وهی أداة لمعرفة الحقّ وتجاوز التحدّیات وهی ضروریّة للجمیع لاسیّما بالنسبة لمسؤولی النظام الإسلامیّ والقائمین علیه.
وتابع سماحته قائلاً: فی الأحداث الأخیرة التی شهدتها البلاد نحن نواجه أشخاصاً وقفوا أمام تیّار الحقّ معتبرین أنفسهم أشخاصاً فطنین، وأصحاب تجربة، ویتمتّعون بالبصیرة، وهم ینظرون الی الطرف المقابل علی أساس انّه جدید العهد بالأمور، وضحل التجربة، ویفتقر إلى البصیرة. لكنّ السؤال هو: ما هی البصیرة الحقیقیّة التی یوصی بها النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله) أیضاً؟
وأضاف العلاّمة الیزدیّ: على الرغم من أنّ البصیرة هی ضرب من المعرفة، لكنّ لابدّ من الالتفات إلى أنّه ما كلّ معرفة تؤدّی إلى البصیرة.
ولدى تصنیفه لأنواع المعرفة إلى سطحیّة وعمیقة قال:لم تمض على طلوع شمس الإسلام أكثر من خمسین عاماً حتّى نشبت بین المسلمین حروب كصفّین والجمل والنهروان.
واستشهد رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بكلام لأمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال: كان البعض یحسب أنّ معاویة أدهى من أمیر المؤمنین (علیه السلام)؛ والحال أنّه لم یكن الأمر كذلك، وكما قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) فإنّ معاویة یتشبّث بأیّ وسیلة للوصول إلى مبتغاه، لكنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) كان كلّ همّه تحقّق الإسلام وكان یعمل وفق أحكام الشرع والإسلام؛ ولیس أنّه ما كان یلتفت إلى بعض القضایا.
وفی إشارة للعلامة مصباح إلى نتیجة حرب صفّین قال سماحته: عندما بات أنكسار معاویة من الناحیة العسكریّة حتمیّاً، رفع المصاحف على الأسنّة وأطفأ نار الحرب باللجوء إلى هذه الحیلة، ومهما نادى القرآن الناطق، أی علیّ (علیه السلام)، لكنّ عسكره، الذین ملّوا طول النزال والخسائر والبعد عن الوطن والأهل، ألقوا بأسلحتهم عن عدم بصیرة فآل الأمر إلى قصّة التحكیم المریرة.
ومن خلال طرح آیة الله مصباح الیزدیّ للتساؤل التالی: كیف أنّ أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم یعودوا على استعداد لمواصلة النزال على الرغم من مشاهدتهم لأمیر المؤمنین ومالك الأشتر وهم ما زالوا یحاربون؟! قال سماحته: بقطع النظر عن أنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) كان إماماً معصوماً ولم یكن لیُقدِم على أمر من غیر حكمة، فإنّ جمیع أصحابه كانوا على اطّلاع على تجربته وحنكته فی قیادة الحروب؛ ومع ذلك فقد تفلّتوا من طاعة أمره والانقیاد له (علیه السلام).
ونوّه سماحته إلى أنّ عِلم النفس المعاصر قد أثبت أنّ میول الإنسان تلقی بظلالها على إدراكاته الحسّیة ثمّ أضاف: أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) كانوا قد ملّوا طول القتال وتحمّلوا خسائر جسیمة ولم یكونوا میّالین إلى الاستمرار؛ لذا فإنّهم لم یكونوا أساساً یسمعون صیحات أمیر المؤمنین (علیه السلام).
وتابع آیة الله مصباح مشیراً إلى آیات من الذكر الحكیم وقال: انعدام البصیرة ینشأ أحیاناً من المیول النفسیّة فهی تجعل الفرد، على الرغم من تمتّعه بفكر وقّاد، غیر قادر على التفكیر بشكل سلیم فیما یتعلّق ببعض المسائل.
وعدّ سماحته إصدار الأحكام على عجل عاملاً آخر من عوامل انعدام البصیرة وقال: البعض فی البدء یستخلص النتائج وفقاً لمیوله الشخصیّة ثمّ یسعى عبر الاستدلال إلى إلباس استنتاجاته لباس الحقیقة وهو فی الواقع یقوم بتبریرها.
وذمّ آیة الله مصباح الیزدیّ تفسیر القرآن بالرأی وقال: من خلال الإفادة من بعض المقدّمات یحاول البعض الاستدلال بالقرآن الكریم للوصول إلى نتائج ترتضیها أنفسهم، وهؤلاء فی الحقیقة یسعون إلى فرض مآربهم على القرآن الكریم.
وتابع العلامة مصباح الیزدیّ القول: كما أنّ البعض الآخر فی ظروف كالفتنة، حیث یمتزج الحقّ مع الباطل ویتلبّس الباطل بلباس الحقّ، یصل فی بدایة المطاف إلى النتیجة التی یرتضیها، ألا وهی اتّباع جبهة الباطل، لیعمد بعد ذلك بالإفادة من لباس الحقّ إلى إعطاء التبریرات لتیّار الباطل ومن ثمّ عبر استغلال القلیل من نقاط الضعف الموجودة فی جبهة الحقّ یحاول تشویه صورة الحقّ. فی هذه الحالة إذا لم یكن المرء متمتّعاً بالبصیرة فإنّه سینخدع بحیل تیار الباطل.
واستطرد سماحته فی حدیثه ذاكراً حرب الجمل وقال: فی واقعة الجمل جاء رجل إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام) وبعد أن أحصى فضائل علیّ (علیه السلام) الذی یقف فی طرف من أطراف النزال وفضائل وخصوصیّات أصحاب رسول الله وعائشة زوج النبیّ (صلى الله علیه وآله) الذین یقفون موقف المواجهة فی الطرف الآخر سأل أمیرَ المؤمنین (علیه السلام) عن السبیل إلى تشخیص الحقّ. فأجابه أمیر المؤمنین (علیه السلام): «إعرف الحقّ تعرف أهله».
واعتبر سماحته أنّ الدافع لطلب الحقّ هو من لوازم البصیرة وأضاف: لا ینبغی أن یمثّل الأشخاصُ المیزانَ والمناط؛ بل على الإنسان أن یعرف الحقّ ثمّ یدرس الفتنة من خلال الحافز لطلب الحقّ، كما وإنّه فی هذا المیدان علیه أن یحذر الركون إلى الدعة والراحة وترجیح المیول الشخصیّة.
وقال أیضاً مستعرضاً آیات اُخری من القرآن الكریم: أحیاناً یلتبس الأمر على الإنسان نفسه؛ بحیث إنّ الإنسان الفطن قد یخدع نفسه ویرى نفسه، بسبب الغرور والاستعلاء والهوى، مساویاً للنظام الإسلامیّ ویعتقد أنّه هو فقط الذی یدرك مصلحة النظام، وإذا لم یتمّ العمل بما یقول هو فإنّ النظام والثورة والإسلام كلّها ستزول من الوجود، وینعت السیل العرم من مخالفیه بأنّهم أشخاص عدیمو البصیرة واُمّیون!
وطرح سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ الهوى على أنّه من أعداء البصیرة وقال: إنّ من الحكمة التحلّی بصفة طلب الحقیقة، فلابدّ من معرفة الحقّ؛ لا أن یصدر الإنسان حكمه فی صالح رفاقه وحزبه وطائفته.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: إذا كان هوى النفس هو الحاكم والمهیمن فی ظروف الفتنة، فإنّ الفتنة ستطول كثیراً؛ لأنّ النور واحد لكنّ الظلمات آلاف مؤلّفة.
ونوّه فی ختام حدیثه إلى تأكید قائد الثورة على التحلّی بالبصیرة وقال: الفكر الصحیح والعمیق والسعی فی إصلاح النیّة هما عاملان مهمّان فی طریق كسب البصیرة ومن الممكن العثور على المصداق التامّ لهذه الخصوصیّات فی شخص قائد الثورة المعظّم.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى یوم الخمیس الموافق للحادی والعشرین من كانون الثانی 2010م فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.