آیة الله مصباح الیزدیّ: على مسؤولی البلاد أن یجعلوا من تقویة الاُصول الدینیّة، ولاسیّما أصل ولایة الفقیه، محوراً لجدول أعمالهم

فی إشارة لاُستاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى الضعف الثقافیّ وعدم كفایة الخطوات المتّخذة لتقویة الاعتقادات الدینیّة قال سماحته: ممّا یؤسف له أنّ بعض مسؤولی النظام من الطراز الأوّل وممّن تحمّل المشاقّ والمعاناة من أجل الثورة ما زالوا یشكون ضعفاً عقائدیّاً ولیس لهم معرفة كافیة بمسألة ولایة الفقیه.
ووفقاً لتقریر الموقع الإعلامیّ لآیة الله مصباح الیزدیّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قال سماحته فی جمع من مدراء وزارة الأمن فی المحافظات: إنّ الثورة الإسلامیّة تمتلك من نقاط القوّة ما یقلّ نظیره فی العالم، وإنّ الله عزّ وجلّ قد منّ على شعب هذا البلد الإسلامیّ وعلى مسلمی العالم كافة خلال البضعة عقود الأخیرة من النعم ما لم یسبق له مثیل منذ ظهور الإسلام قبل أربعة عشر قرن؛ لكن فی الوقت ذاته فقد شكت هذه الفترة نقاط ضعف الأمر الذی یحتّم على المسؤولین عبر التحلیل والتقییم تشخیص نقاط الضعف تلك وإزالتها.
ولدى استعراض آیة الله مصباح الیزدیّ للمنجزات المختلفة التی حقّقتها الثورة على الصعید العسكریّ والسیاسیّ والعلمیّ والثقافیّ أضاف سماحته: لقد شهدت الثورة الإسلامیّة تقدّماً على كافّة الصعد؛ لكنّها على الصعید الأهمّ، ألا وهو البُعد الثقافیّ، فلیس أنّها لم تتقدّم فحسب بل تعرّضت لغزو ثقافیّ أیضاً.
ولدى إشارة سماحته إلى تأكیدات قائد الثورة المعظّم التی تنمّ عن فطنة منذ بدایة تولّیه لمقالید القیادة قال: لطالما ذكّر سماحته منذ ما یقارب العشرین عاماً بهذه المسألة مستخدماً تعابیر شتّى من قبیل الغزو الثقافیّ، والنهب الثقافیّ، والإغارة الثقافیّة، و«الناتو» الثقافیّ ولو أنّ خطواتٍ اتُّخِذت منذ ذلك الحین لتقویة البنیة الثقافیّة لم تكن البلاد أبداً لتعانی من المشاكل التی تعرّضت لها الیوم.
وبیّن سماحة مصباح الیزدیّ أنّ الثورة الإسلامیّة تعانی من ضعف ثقافیّ وقال: المقصود من الضعف الثقافیّ هو ضعف العقائد والقیم الأخلاقیّة والدینیّة فی المجتمع.
وفی معرض إشارته إلى تنامی إمكانیّات الاتّصالات وتوفّر أرضیّة أكثر خصوبة لبثّ الشبهات على مستوى واسع أضاف سماحته: إنّ الهجمة التی تعرّضت لها اُسس العقائد الإسلامیّة فی الثلاثین عاماً الماضیة لم یسبق لها نظیر على مدى الألف والأربعمائة عام من تاریخ الإسلام وإنّ شباب الیوم الذین یواجهون هذه الشبهات غالباً لا یجدون ردوداً مقنعة علیها.
وأكّد عضو مجلس خبراء القیادة على أنّ أفواه بنادق جمیع المؤامرات والفتن الأخیرة موجّهة إلى أصل ولایة الفقیه وتابع قائلاً: إنّ المَعْلَم الشاخص للثورة الإسلامیّة التی قامت فی إیران هو نظامها الولائیّ وكونه مرتكزاً على أصل ولایة الفقیه، وإنّ هذا الأمر تحدیداً یشقّ على أعداء الإسلام ممّا یدفعهم إلى استنفار كافّة الإمكانات المتاحة لتوجیه ضربة إلى هذا الأصل.
وعبر تأكیده على ضرورة تبیین المسائل الأصیلة والأساسیّة للثورة الإسلامیّة قال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: ممّا یؤسف له أنّ بعض مسؤولی النظام من الطراز الأوّل وممّن تحمّل المشاقّ والمعاناة من أجل الثورة ما زالوا یشكون ضعفاً عقائدیّاً ولیس لهم معرفة كافیة بمسألة ولایة الفقیه.
كما وقال آیة الله مصباح الیزدیّ: إنّ جُلّ العداء مع الجمهوریّة الإسلامیّة هو بسبب أصل ولایة الفقیه وفی حال حذف هذا الأصل من النظام الإسلامیّ فستنتهی هذه العداءات. وفی بلدنا أیضاً لیسوا قلّة اُولئك الذین لم یدركوا حقیقة ولایة الفقیه ولا یرون لها ضرورة أصلاً ولهذا فهم یتصوّرون أنّ حذف ولایة الفقیه سینهی مشاكل النظام الإسلامیّ بالكامل، لكنّهم إذ لا یرون الفرصة مواتیة لطرح هذه المسألة فإنّهم یتحرّكون بشكل ناعم فی هذا المضمار.
وتابع سماحته قائلاً: فی ظروف كهذه كیف سیتسنّى لجیل الشباب الذی سیتولّى مسؤولیّات البلاد فی المستقبل الدفاع عن معتقداته الدینیّة وولایة الفقیه إذا لم یكن لدیه المعرفة العمیقة والاعتقاد الكافی بها؟
وأشار العلامة مصباح الیزدیّ إلى وضع المجتمع فی أیّام الإمام الخمینیّ الراحل (رحمة الله علیه) وقال: فی ذلك الزمان ذهب أكثر الناس إلى جبهات القتال بأمر الإمام الراحل وفدوا أرواحهم؛ لكن هل یا ترى لا زالت هذه العقیدة باقیة فی قلوب الشباب بتلك القوّة أم أنّ مجتمعنا یعانی من هبوط فی هذا المجال؟
ولدى استعراضه لتطوّرات إیران العلمیّة والسیاسیّة قال سماحة مصباح الیزدیّ: حتّى الأعداء أذعنوا الیوم أنّ العدید من مشاكل العالم لا تُحلّ إلاّ بتدخّل من إیران؛ إلاّ أنّنا لم نشهد مثل هذا النموّ على الصعیدین الثقافیّ والدینیّ وإذا لم یكن هناك معرفة واعتقاد كافیین بالاُصول الأساسیّة للثورة والإسلام فسیضمحلّ الإسلام فی المجتمع شیئاً فشیئاً حتّى لا یبقى منه أثر یُذكر.
وأوضح عضو مجلس خبراء القیادة أنّ ذات المضمون الذی كان یُدَرّس فی جامعات البلاد منذ ثلاثین عاماً كعلوم إنسانیّة یُدَرّس الیوم أیضاً معتبِراً أنّ المشكلة الأساسیّة لثقافة البلاد هی العلوم الإنسانیّة وأضاف: من غیر المجدی إلقاء بضع محاضرات وإقامة بعض مؤتمرات من أجل أسلمة الجامعات وتحكیم الثقافة بل لابدّ من الشروع عملیّاً بخطوة جدّیة فی هذا المضمار ومتابعتها بشكل مستمرّ.
وتابع قائلاً: على المسؤولین والمخطّطین فی البلاد أن یجعلوا من تقویة الاُسس الدینیّة ولاسیّما ولایة الفقیه المحور فی جدول أعمالهم وأن یعمدوا إلى حلّ الأسئلة والشبهات الموجودة حولها.
واستطرد العلامة مصباح الیزدیّ: إذا كنّا نعتقد ـ حقیقةً ـ بأنّ ولایة الفقیه لیست أمراً شكلیّاً بل لها جذورها فی الدین، وأنّ الأحكام الإسلامیّة لیست أحكاماً انتهى تاریخ صلاحیّتها فسقطت من حیّز الاعتبار، وأنّ الإسلام فی نظامنا لیس عنواناً رمزیّاً فحسب، فیتحتّم علینا أن نسعى عملیّاً على طریق زرع الاعتقاد وتعمیق المعرفة بها.