آیة الله مصباح الیزدیّ: ولایة الفقیه هی الهویّة الاجتماعیّة للشعب الإیرانیّ

أشار استاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى حقیقة أنّ إیران لا تُعرف الآن فی العالم من دون عنوان ولایة الفقیه وقال: إنّ ولایة الفقیه هی الهویّة الاجتماعیّة للشعب الإیرانیّ.
وألفت آیة الله مصباح الیزدیّ لدى لقائه بجمع من طلاب جامعات شیراز وجامعة أمیر كبیر فی طهران إلى المكانة البالغة الحساسیّة للبلاد وأضاف: إنّ إیران الإسلامیّة تحتلّ الیوم مكانة حسّاسة على المستوى الدولیّ، ومع ما تشهده البلاد من تقدّم علمیّ فإنّ تكلیفنا قد أصبح أكثر ثقلاً وخطورة أیضاً؛ ذلك أنّه كلّما عظمت النعمة عظم شكرها وإنّ الشكر العملیّ لهذه النعمة هو أن نبذل كلّ ما بوسعنا فی سبیل تحقیق أهداف الثورة الإسلامیّة.
ونوّه استاذ الحوزة العلمیّة إلى مرحلة الشباب المفعمة بالحیویّة والنشاط وقال: بالنسبة لشبابنا فإنّ هذه المرحلة تمتاز بحسّاسیة خاصّة، لاسیّما وأنّهم یعیشون فی عصر الثورة الإسلامیّة؛ العصر الذی تهیّأت فیه الأرضیّة والمناخ لبلوغ الكمالات المعنویّة والنموّ الإنسانیّ أكثر من ذی قبل. فالحصول على المعلومات من أجل النموّ الإنسانیّ كان یواجه عراقیل جمّة فی عهد ما قبل الثورة وكان یهیمن على البلاد جوّ من الاختناق إلى درجة أنّ أفراد الاُسرة الواحدة لم یكونوا یجرؤون على الإفصاح عن آرائهم بسهولة داخل نطاق الاسرة؛ إذن یجب علینا أن نقدر هذه الفرصة حقّ قدرها وأن نفید منها منتهى الإفادة على طریق الكمال الإنسانیّ.
وفی معرض إشارته إلى الدور المؤثّر لطلبة الجامعات فی تطوّر الثورة الإسلامیّة أضاف سماحة مصباح الیزدیّ: إنّ لطلبة الجامعات فی هذه الفترة من الزمن تأثیراً أكثر فاعلیّة على صعید النهوض الثقافیّ والعلمیّ للبلاد، ومن هنا یتحتّم علیهم معرفة قدر هذه المرحلة من أعمارهم وأن لا یقضّوا سنیّ عمرهم عبثاً.
وألمح سماحته إلى المفاخر العلمیّة العظیمة للبلاد وقال: على الرغم من أنّ النشاطات فی میدان العلوم المادّیة أمر ضروریّ وذو قیمة عظمى، لكن مهما عظمت هذه النشاطات فالنتیجة أنّ فائدتها تنحصر فی هذه الدنیا؛ لكنّ دیننا یعلّمنا كیف نستغلّ لحظات العمر القصیرة فی تحصیل أجر لا نهایة له.
وفی جانب آخر من حدیثه أشار سماحته إلى مسألة ولایة الفقیه وقال: إنّنا نعیش الیوم أجواء بحیث إنّ دولة إیران الإسلامیّة لا تُعرف فی العالم بمعزل عن اسم ولایة الفقیه، وفی الحقیقة فإنّ ولایة الفقیه هی التی تشكّل الهویّة الاجتماعیّة للشعب الإیرانیّ .
وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (رحمه الله) للتعلیم والأبحاث : منذ الأیّام الاُولى لانتصار الثورة قدّم المؤسّس الكبیر للثورة، الإمام الخمینیّ الراحل (رحمة الله علیه) بحوثاً بخصوص ولایة الفقیه وطرح نظریّة ولایة الفقیه بعنوان كونها أرقى النظریّات فی بحث الحكومة.
وتعرّض آیة الله مصباح الیزدیّ إلى ضرورة وجود الحكومة فی المجتمعات وقال: ما من عاقل ینكر هذه القضیّة وهی أنّه فی كلّ مجتمع لابدّ من وجود قواعد وقوانین من جهة ویتعیّن وجود منفّذ للقوانین من جهة اُخرى؛ لأنّ التجارب أثبتت أنّه إذا شكى تنفیذ القانون فی مجتمع ضعفاً ولو لساعة من الزمن تدبّ الفوضى فی المجتمع.
وألفت سماحته إلى التاریخ الطویل لهذا البحث وأضاف: بعد ألف عام وصل الغرب إلى نتیجة مفادها أنّ الدیمقراطیّة اللبرالیّة هی أفضل مناهج الحكومة؛ وهی تعنی الحدّ الأدنى من القوانین، واحترام الحرّیات الفردیّة، واتّباع القیم لأهواء الأكثریّة، والاكتفاء بوضع القوانین فی حالات تزاحم الحرّیات الفردیّة، وتعیین الحكّام على أساس إرادة الشعب فحسب.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: حسب الرؤیة الإسلامیّة فإنّ الفسلفة من وراء خلقة الإنسان هی وصوله إلى السعادة الإنسانیّة والقرب الإلهیّ من أجل الإفادة الأكثر والأكمل من رحمة الله تعالى، ووفقاً لهذه الرؤیة فإنّه لابدّ للقوانین والمقرّرات أن تُوجَّه لتحقیق هذا الهدف أو على الأقلّ أن تقف بوجه سقوط الإنسان وانحطاطه.
وتابع قائلاً: ولهذا السبب فإنّ الشعب طالب بالإسلام منذ بدایات الثورة؛ لأنّ الناس اعتقدوا بأنّ الإسلام وحده هو القادر على تأمین المناخ لسعادة الإنسان.
وفی معرض تبیین آیة الله مصباح الیزدیّ لشروط منفّذ القانون حسب وجهة النظر الإسلامیّة قال: لمّا كانت القوانین الإسلامیّة هی التی ینبغی تطبیقها فی المجتمع الإسلامیّ فلابدّ للمنفّذ أن یكون على اطّلاع كامل بتلك القوانین ولیس غیر الفقیه من یمكنه فعل ذلك.
واعتبر سماحته أنّ التقوى والعدالة هما من الشروط الاخرى لمنفّذ القوانین وأضاف: لا یكفی كون المرء عالماً وفقیهاً؛ إذ أنّ أشخاصاً ضلّوا بسبب عدم اتّصافهم بالتقوى على الرغم من امتلاكهم للعلم. إذن على الشخص الحاكم أن یتّصف بتقوى تحفظه من الانحراف والزلل.
وعدّ عضو مجلس خبراء القیادة الإحاطة بالقضایا السیاسیّة والاجتماعیّة والاطّلاع علی مصالح المجتمع العامّة من الخصوصیّات الاخرى للمتصدّی لمنصب تنفیذ القانون الإسلامیّ وقال: الشخص الذی یتمتّع بمثل هذه المواصفات یدعى فی ثقافتنا الولیّ الفقیه وهو الذی یمتلك الصلاحیّة الذاتیّة لتنفیذ القوانین الإسلامیّة.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدیّ قائلاً: لا یمكن العثور على حكومة أفضل من حكومة الولیّ الفقیه فی تأمینها لسعادة البشر، لكنّ السؤال هو: ما هی الكیفیّة لتشخیص الولیّ الفقیه؟
وضرب سماحته مثلاً فی هذا السیاق فقال: فكما أنّه إذا شهد تسعون بالمائة من أطبّاء مدینةٍ مّا بمهارة وحذاقة طبیب معیّن یحصل الاطمئنان لدى المریض بحذاقته، فإنّه عندما یشهد أصحاب الخبرة فی الدین بصلاحیّة فقیه لتصدّی منصب الولایة فلابدّ من حصول الاطمئنان لدى أفراد المجتمع بهذا الأمر.
وتابع العلامة مصباح الیزدیّ القول: أضف إلى أنّ تعیین الخبراء یتمّ بواسطة الشعب؛ وذلك لأنّ أهالی كلّ مدینة ینتخبون الأصلح من بین علمائها بما یعرفونه عن علماء دیارهم، والخبراء المتّقون بدورهم، وبعیداً عن التأثّر بالدوافع النفسانیّة، یقومون بتشخیص الولیّ الفقیه ویعرّفونه إلى الناس.
وأكّد سماحته على توصیات وتعالیم الإمام الراحل فی هذا الخصوص من أنّ ولایة الفقیه ومشروعیّتها الإلهیّة هی من أرقى النظریّات فی بحث الحكومة وقال: إنّ الأعداء والمنافقین الیوم ـ ومن خلال دعایاتهم الإعلامیّة التی تستهدف ولایة الفقیه وتلقی الشبهات بخصوصها ـ یهدفون لتوجیه ضربة إلى الحكومة الإسلامیّة، والحال أنّ نظریّة ولایة الفقیه قابلة للدفاع عنها فی جمیع الأبعاد.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: هل یمكن للشخص ـ الذی ینعزل لوحده بأقلّ زلّة وبارتكاب أضأل معصیة من دون تدخّل من أیّ أحد ـ أن یكون دكتاتوراً؟ فلا أحد ینصّب أو یعزل الولیّ الفقیه، وإنّ وظیفة مجلس الخبراء تقتصر على تشخیص وتعریف الشخص الأصلح للتصدّی لهذا المنصب، أو الإعلان عن انعزاله فی حالة فقدانه لإحدى الشروط اللازمة ولیس لهم دور فی عزل الولیّ الفقیه أو نصبه.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد تمّ فی قاعة مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.