العلامة مصباح الیزدیّ: البصیرة والإرادة الصلبة هما من لوازم اجتیاز مضلاّت الفتن

قال اُستاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: فی ظروف الفتنة یختلط الحقّ مع الباطل ویتظاهر الباطل للعیان متلبّسا بلباس الحقّ. فی ظروف كهذه فإنّ البصیرة والإرادة الصلبة الراسخة هما الركنان الأساسیّان لاجتیاز الفتنة.
وفی لقاء لسماحة آیة الله مصباح الیزدیّ مع جمع من الشبّان الثوریّین فی مشهد المقدّسة أشار سماحته إلى الامتحانات الإلهیّة قائلاً: إنّ ظروف الحیاة فی هذا العالم تشبه إلى حدّ كبیر ظروف المباریات الریاضیّة. فكما أنّ الریاضیّین یتمرّنون لأیّام طوال كی یحقّقوا الفوز فی المراحل المختلفة من المباریات، ففی الحیاة الدنیا نرى أنّ بعض الأشخاص قلقون من ظروف المباراة من ناحیة ویخشون الفشل من ناحیة اُخرى، مع فارق أنّ الخاسر فی المباریات الریاضیّة یُحرم من الجائزة فحسب، لكنّ الذی یخسر مباراة الحیاة أمام القوى الشیطانیّة والنفسانیّة فلیس أنّه یُحرم الثواب الدنیویّ فقط بل سیتعرّض لعذاب طویل الأمد وأبدیّ أیضاً.
وفی إشارة لسماحته إلى أنّ الكثیر من المدّعین فی مباراة الحیاة قد خسروا فی النزال قال: هذه المباریات والامتحانات لها سیر صعودیّ بحیث إنّ كلّ مرحلة منها أصعب من سابقتها وهذا الأمر هو من لوازم الرشد والترقّی من مرحلة إلى مرحلة أعلى.
وقال سماحته: حتّى فی زمان النبیّ (صلّى الله علیه وآله) فإنّ الإمتحانات كانت تشتدّ تدریجیّاً؛ فصحیح أنّ أصحاب الرسول (ص) كانوا فی بدایة الأمر قلّة مقارنة بكبراء قریش وأثریائها لكنّ لمّا كان أعداء النبیّ (صلّى الله علیه وآله) ضعفاء جدّاً من حیث المنطق والاستدلال، فإنّه لم یكن الامتحان شدیداً على المسلمین فی تلك المرحلة فقد كانوا یصمدون أمام الكفّار بیسر وسهولة من خلال استدلالات بسیطة.
وتطرّق آیة الله مصباح الیزدیّ إلى هجرة النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) إلى المدینة وتأسیسه للدولة الإسلامیّة وقال: فی تلك البرهة الزمنیّة اشتدّت الامتحانات الإلهیّة وكان من جملتها أنّ المنافقین عمدوا إلى بناء مسجد ابتغوا الوصول تحت ستاره إلى مآربهم الشرّیرة. فكان صعباً على بعض المسلمین النهوض لمواجهة مسجد وتخریب بیت من بیوت الله.
واستعرض رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فترة حكومة علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) وأضاف: حتّى بعض اُولئك الذین بایعوا علیّاً (علیه السلام) تنبّهوا بعد مشاهدة سیرته فی الحكم إلى أنّه لم یترك لهم نصیباً من المناصب الإداریّة ولا یتشاور معهم فی أمور إدارة البلاد، مما دفعهم إلى إشعال الحروب ضد حكومته (علیه السلام) بحجّة أنّها حكومة دكتاتوریّة ممّا أدّى إلى استنزاف فترة طویلة من حكومة أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی حروب طاحنة وكانت النتیجة أنّ العدید من المسلمین ـ ممّن كان لهم تاریخ مشرّف ـ قد فشلوا فی الامتحان الإلهیّ.
وأضاف سماحته: فی حرب النهروان قتل أمیرالمؤمنین (علیه السلام) بحدّ سیفه أربعة آلاف شخص ممّن قاتلوا فیما مضى تحت لوائه ومن أهل الدین والصلاة وأثر السجود فی الجباه ثمّ قال بعد ذلك: «فإنّی فقأت عین الفتنة».
واستعرض آیة الله مصباح الیزدیّ الحوادث التی تلت عهد أمیرالمؤمنین إلى زمان سیّدالشهداء (علیهما السلام) طارحاً السؤال التالی: لو أنّنا عشنا تلك الظروف فماذا كنّا سنصنع؟ قال: علینا أن نعلم أنّ تلك الأحداث لا تخصّ تلك الفترة الزمنیّة. فمقولة أنّ: «كلّ یوم عاشوراء» هی حقیقة، وسنواجه كلّ یوم امتحانات وإبهامات واضطرابات عدیدة وإنّ الفتنة تكمن فی تلك الاضطرابات والإبهامات.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: فی ظروف الفتنة یختلط الحقّ مع الباطل ویتظاهر الباطل للعیان متلبّسا بلباس الحقّ. ففی ظروف كهذه فإنّ البصیرة والإرادة الصلبة الراسخة هما الركنان الأساسیّان للفوز فی میدان المباراة واجتیاز الفتنة.
وخلال تأكیده على ضرورة التمتّع بالمعرفة العمیقة وتجنّب النظرة السطحیّة قال سماحته: لمّا لم یكن من الممكن للجمیع أن یصلوا إلى معرفة معمّقة فی جمیع الأبعاد، فلابدّ من الاستمداد من معرفة الآخرین؛ ومن هذا المنطلق فقد منّ الله علینا بنعمة عظیمة ألا وهی وجود الولیّ الفقیه؛ فإذا كنّا مصغین لما یقول ومطیعین له، فإنّنا لن نضلّ الطریق أبداً. وعلى أقلّ تقدیر فإنّ الفائدة التی سنجنیها من هذا العمل هو إنجازنا لتكلیفنا وفقاً للظاهر وحتّى فی صورة الخطأ فإنّنا سنكون معذورین عند الله تعالى.
كما ورأى العلامة مصباح الیزدیّ أنّ تحكیم الإرادة هی الركن الثانی فی مواجهة الفتن، وأضاف: إنّ أهمّیة الإرادة الصلبة تكمن فی أن نعمل طبقاً لما فهمناه وعلمناه وهذه المرحلة هی أصعب من سابقتها؛ فكثیر هم الذین حاربوا بین یدی النبیّ (صلّى الله علیه وآله) وعلیّ (علیه السلام)، لكنّهم على الرغم من معرفتهم للحقّ فقد آلوا إلى مخالفته والوقوف ضدّه جرّاء ركونهم إلى الدعة، واتّصافهم بالأنانیة، وانخداعهم بمكر الشیطان والهوى.
وأضاف اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة: إلى جانب الاُمور الرسمیّة علینا أن لا نغفل عن العبادة والتوسّل بالأولیاء والأئمّة (علیهم السلام) من أجل تقویة وتحكیم إرادتنا.