آیة الله مصباح الیزدیّ: الشرط الأوّل لاستمرار الإمدادات الإلهیّة هو الإیمان بالله

فی استعراض لاُستاذ الحوزة العلمیّة بقم المقدّسة لآیات من الذكر الحكیم عدّ الإیمان أوّل شرط لاستمرار الإمدادات الإلهیّة من أجل حفظ النظام الإسلامیّ وتقدّمه ورفعته وقال: إنّ الإنسان الذی یستند إلى ركائز متینة لا تنثنی أمام أیّ قدرة، لن یعرف الانكسار أبداً.
وقال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فی جمع من طلبة جامعات البلاد المختلفة: إنّ التحوّلات العظیمة التی شهدتها العقود القلیلة الأخیرة لا یمكن قیاسها بحوادث وتحوّلات الماضی؛ لكنّ الأعداء یسعون إلى صیانة أنفسهم من التبعات الفكریّة والثقافیّة لهذه الواقعة العظیمة عبر إظهارها سطحیّة وبسیطة.
وأشار سماحته إلى نعمة الثورة الإسلامیّة وقال: لقد جنّدت جمیع القوى العظمى كلّ ما تملك من إمكانیّات فی سبیل الوقوف أمام هذه النهضة، لكنّهم لم یوفقوا فی هذا المجال وكلّ ما مرّ الزمان برزت هذه الوقائع للعیان أكثر.
وفی معرض إشارته إلى أنّ خالق الكون هو الله وأنّه هو المدبّر له قال: الإنسان موجود عجیب وهو مظهر قدرة الله تعالى؛ إنّه ذلك الموجود الذی اُوجدت بخلقه أرضیّات الفساد، وسفك الدماء، والقتل؛ لكنّ سرّاً آخر اُودع فی خلقة الإنسان وهو أنّ الإنسان فقط هو الذی یمكنه أن یكون خلیفة الله تعالى؛ ذلك أنّه لیس ثمّة من بین المخلوقات جمیعاً من یشبه الإنسان من حیث أنّه على الرغم من انطوائه فی باطنه على قوّتین متضادّتین بالكامل فهو یستطیع عن وعی وإرادة أن یعطف توجّهه إلى عرش الله تعالى وینتهج سبیل الترقّی إلى ما لا نهایة أو أن یتنزّل إلى ما لا نهایة فیهبط إلى مستوى أخسّ الحیوانات.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدیّ قائلاً: إنّ كلّ ما شهده التاریخ من تحوّلات وحروب وصراعات له فلسفة جامعة كلّیة وهی اختیار الإنسان عن وعی مع أخذ الظروف المحیطة بنظر الاعتبار. فبمقدور الإنسان أن یغیّر مصیره فی أیّ لحظة وهذه الخصیصة هی من ممیّزات الإنسان.
وفی معرض إشارته إلى السنن الإلهیّة الثابتة قال سماحته: إنّ الله سبحانه وتعالى لا یدع الناس وشأنهم أبداً، إنّما الإنسان هو الذی یحدّد باختیاره بأیّ سنّة إلهیّة یُشمل وإنّ الله یمدّ ید العون لأیٍّ كان مهما كان الطریق الذی یسلكه.
ورأى رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث أنّ تحقّق الثورة الإسلامیّة هو وفقاً لإحدى السنن الإلهیّة وأضاف: لقد كان للشعب، والقیادة، والنظرة الكونیّة للإسلام بعنوانها أركان الثورة الإسلامیّة دوراً جوهریّاً فی تحقّق هذه الثورة.
ونوّه إلى الدور المهمّ للقیادة وقال: بعض الثورات، كثورة شعب أفغانستان ضدّ نظام التسلّط فی الشرق والتی قامت بعد الثورة الإسلامیّة بزمن قلیل، لم تحقّق أهدافها بسبب افتقادها للقیادة الواعیة والفطنة فكانت النتیجة احتلال البلاد من قبل دول الناتو.
وعبر طرحه لسؤال حول: أیّ من الأركان له دور أكثر جوهریّة وأهمّیة فی انتصار الثورة قال سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ فی جوابه، استناداً إلى الرؤیة الدینیّة: فإنّ أهمّ عوامل انتصار الثورة الإسلامیّة هو إرادة الله تعالى؛ وذلك لأنّ جمیع الدول السلطویّة كانت قد سعت بعد انتصار الثورة إلى الإطاحة بهذا النظام بمختلف السبل وأنواع الضغوط والمخطّطات، لكن لیس أنّ مساعیهم لم تُثمر فحسب، بل لقد أسهم ذلك فی تطوّرات جمّة فی البلاد، حتّى لم یكن أحد، بما فیهم بعض مسؤولی النظام، لیتصوّر مدى التقدّم الذی وصلته البلاد الیوم على الصعید العلمیّ، والصناعیّ، والعسكریّ، وقد كانت الإمدادات الإلهیّة مشهودة على طول الخطّ.
وفی إشارته إلى أنّ جمیع النجاحات التی حقّقتها الثورة الإسلامیّة هی رهن الإمدادات الإلهیّة وحتّى العدوّ لم یستطع فی كثیر من المواطن إنكار ذلك أضاف سماحته: إنّ أیادی الباری تعالى لیست من دون حساب، وعندما تنعدم الشروط والمقدّمات اللازمة فسوف تزول الإمدادات الإلهیّة تبعاً لذلك.
واستناداً إلى الآیات القرآنیّة عدّ سماحة آیة‌الله مصباح الیزدیّ الإیمان أوّل شرط لاستمرار المعونات الإلهیّة لحفظ النظام الإسلامیّ وتقدّمه ورفعته وقال: یستطیع الإنسان الاتّصال بالله روحیّاً وإنّه بامتلاكه لمثل هذه الركیزة القویّة التی لا تُقهر أمام أیّ قوّة فهو لن یعرف الانكسار إطلاقاً وهذه المیزة هی من خصوصیّات البشر.
وتطرّق اُستاذ الحوزة العلمیّة إلى نماذج من الاتّصال الروحیّ للإمام الراحل (قدّس الله سرّه) بالله عزّ وجلّ وأضاف: بعض المشاكل قد تشغل ذهن الإنسان أحیاناً إلى درجة تفقده القدرة على التفكیر السلیم؛ لكنّ أیّاً من المشكلات التی تعرّض لها النظام الإسلامیّ لم تستطع أن تثنی هذا الرجل عن ذكر الله عزّ وجلّ والتوكّل علیه.
ولدى استعراضه للمشاكل العدیدة التی واجهت البلاد والتی من جملتها حادثة 28 حزیران (السابع من تیر)، واستشهاد رئیس الجمهوریّة ورئیس الوزراء، وشهادة كوكبة من قیادات الجیش، والحرب العزّل فی مقابل الأربعة عشر جیش المدجّجة بالسلاح التی واجهها النظام الإسلامیّ منذ الأیّام الاُولى لتأسیسه، صرّح سماحته: النظام الإسلامیّ كان یمتلك قائداً لم یقطّب حاجبیه لدى مواجهته لأیّ من تلك المشكلات وكان یعتقد أنّه إذا قُتل رجائی وباهنر (رئیس الجمهوریة و رئیس الوزراء) فإنّ ربّهم حیّ لا یموت وهذه القدرة الروحیّة هی فقط من خصائص الإنسان الذی باستطاعته أن یصیر خلیفة الله.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدیّ على أنّه ما دام الناس ماضین فی سبیل الله فستشملهم الإمدادات الإلهیّة وأضاف: المهمّ هو أن یعمل الإنسان بإرادته على إیجاد هذه الأرضیّة فی نفسه وأن یضاعف من قوّته عبر توثیق علاقته مع الله، وتقویة إیمانه، وتوكّله علیه عزّ وجلّ، وبمواصلته لهذا الطریق سیصل إلى حیث لا ینثنی ولا ینكسر.
وقد جرى هذا اللقاء فی قاعة مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.