آیة الله مصباح الیزدیّ: من أجل إنتاج علوم إنسانیّة إسلامیّة لابدّ من تشیید الركائز العلمیّة على اُسس دینیّة مُحكمة

الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ: قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث: إنّ الدفاع عن الهویّة العلمیّة الإسلامیّة للبلاد لا یمكن إلاّ من خلال التخطیط والبرمجة لركائز علمیّة على اُسس دینیّة مُحكمة.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ، فقد اُقیم الملتقى الثامن لوحدة الحوزة والجامعة تحت شعار «دور العلم الدینیّ فی تحوّل العلوم الإنسانیّة» وبرعایة منظّمة تعبئة (بسیج) الأساتذة بمحافظة قمّ المقدّسة ومعاونیّة التعلیم فی الحوزة العلمیّة بقمّ وبحضور كلّ من آیة الله المقتدائیّ مدیر الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة، والدكتور حدّاد عادل رئیس اللجنة الثقافیّة فی مجلس الشورى الإسلامیّ، والدكتور صلاحی رئیس منظّمة تعبئة الأساتذة فی البلاد، وحجّة الإسلام موسى بور محافظ قمّ، وأساتذة وفضلاء الحوزة والجامعة وذلك فی صالة مؤتمرات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ. وفی إشارة للعلامة مصباح الیزدیّ فی هذا الملتقى إلى البحث العلمیّ الدینیّ ودوره فی العلوم الإنسانیّة بین الأوساط العلمیّة للبلاد قال سماحته: بعد عصر النهضة فی اوربّا حصلت فی العالم تحوّلات على صعید التعلیم ممّا أدّى إلى فقدان الكثیر من القیم العلمیّة المعاصرة لمكانتها وإحلال قیم بدیلة محلّها.
وتابع سماحته قائلاً: لقد أدّى هذا الموضوع إلى إیجاد حالة من التقابل والتعارض بین العلوم القدیمة (الدینیّة) والعلوم الحدیثة (التجریبیّة) الأمر الذی أدّى لفترة طویلة أثناء القرون الوسطى إلى نشوب أزمة فكریّة وموجة من المیول التشكیكیّة.
وفی معرض إشارة عضو مجلس خبراء القیادة إلى أنماط الفهم غیر الصحیح للعلم الدینیّ بین أوساط المفكّرین فی الحوزة والجامعة، طالب سماحته أوساط الحوزة والجامعة فی البلاد بمناقشة ودراسة تاریخ نشوء العلوم الحدیثة فی اوربّا والعالم بشكل دقیق كی یتسنّى لنا مواجهة موجة العلوم الغربیّة المتسلّطة على أجواء البلاد العلمیّة.
* العلم هو كشف للحقائق
وقال استاذ الحوزة العلمیّة بقمّ مشیراً إلى الإبهامات الموجودة فی معنى العلم الدینیّ: وفقاً للتعاریف المصطلح علیها الیوم فی المجتمعات الغربیّة فإنّ العلم الدینیّ یقع فی مقابل العلم الجامعیّ ویعتبر مرادفاً للعلوم القدیمة، حیث بالالتفات إلى التسمیة الاُخرى للعلوم الجامعیّة وهی العلوم الحدیثة، فإنّ التقابل بین العلوم الدینیّة والجامعیّة فی الحقیقة یصوّر على اساس کونه تقابلا بین العلم الحدیث والقدیم.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة قائلاً: فالمفكّرون الغربیّون ومؤیّدوهم لا یشعرون بأدنى احترام لما یُصطلح علیه بالعلوم القدیمة ویعتقدون بأنّ العلوم الحدیثة وحدها هی القادرة على تأمین نتائج ذات قیمة للبشر.
وقال آیة الله مصباح الیزدیّ حول التعریف الصحیح للعلم والدین: لیس العلم هو ما یساوی التجربة، إنّما العلم هو التعرّف على كافّة الحقائق، وببیان آخر هو الكاشف للحقیقة.
وأضاف سماحته: وفقاً لتعریف علماء الإسلام أیضاً فإنّ الدین یتألّف من ثلاثة عناصر رئیسیّة هی الاعتقاد بالله، والقیامة، والعلاقة التی تربط بین الله والخلق عن طریق الوحی وهو ما یضفی على كافّة شؤون الحیاة الإنسانیّة، سواء منها الفردیّة أو الاجتماعیّة، صبغة إلهیّة، فلیس الدین مسألة ذوقیّة تنبع من الرغبة الشخصیّة بل إنّه یُعدّ أكثر المسائل جدّیة فی حیاة البشر.
* العلم الدینیّ هو العلم المستقى من مصادر دینیّة خاصّة
وأوضح استاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: أنّ تركیب العلم الدینیّ یتشكّل من المزج بین تعریفَی العلم (وهو كشف الحقیقة) والدین (وهو المنهج الفردیّ – الاجتماعیّ، والدنیویّ – الاخرویّ الجامع).
وعبر إشارة عضو مجلس خبراء القیادة إلى أنّ تعریف العلم الدینیّ بأیّ لون من الالوان كشف الحقیقة هو أمراً غیر مصطلح علیه قال سماحته: لابدّ فی التعریف الصحیح للعلم الدینیّ من حفظ الشأن الذاتیّ للدین وهدفه الأساسیّ وهو ما یتمثّل ببیان الحقائق التی لا یتسنّى نیلها عبر طرق الفهم المتعارفة والعامّة.
وتابع سماحته قائلاً: العلم الدینیّ یشتمل فقط على المعلومات التی تُستخرَج من المصادر الدینیّة الخاصّة (وهی الكتاب والسنّة) حیث لابدّ لهذه المعلومات أن تشكّل نتائج یقینیّة تكون قد استُحصِلت عبر طرق متیقَّنة من مصادر یقینیّة وموثوقة.
وتابع رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قوله: یتعیّن الالتفات هنا أیضاً إلى أنّه لا یمكن عدّ أیّ علم مُستخرَج من الآیات والروایات علماً دینیّاً، ذلك أنّ بعض هذه المعلومات (كالأمثلة القرآنیّة على سبیل المثال) لا تعدو كونها وسیلة لتبیین هدف الدین ولیست بحدّ ذاتها جزءاً من العلم الدینیّ، كما أنّ العقل هو معتبَر فی نظر الإسلام غیر أنّه لا تشكّل جمیع مدرَكات العقل (كالمعادلات ذات المجهولین، أو المسائل المنطقیّة) جزءاً من الدین.
* التسامح فی الإلمام بمصادر الدین هو العامل فی انحراف الفرَق الإلحادیّة والتلفیقیّة
وأكّد آیة الله مصباح الیزدیّ على ضرورة الاستعانة بالاستدلال المنطقیّ والمباحث المتقنة فی الردّ على نظریّات علماء الغرب وفرضیّاتهم وأضاف: لا ینبغی فی المباحثات والمقارنات العلمیّة التمسّك بالآیات المتشابهة والأحادیث الضعیفة، ذلك أنّ أمثال هؤلاء سیعمدون فی المستقبل القریب إلى استغلال نفس تلك الآیات المتشابهة والروایات الضعیفة ضدّنا الأمر الذی سیجرّ على الإسلام خسائر فادحة لا یمكن جبرانها.
وأوصى عضو مجلس خبراء القیادة بالدقّة فی معرفة المصادر الدینیّة وقال: یتعیّن الإلمام بشكل جیّد بالمصادر الدینیّة فإنّ التسامح فی هذا المضمار سیؤدّی إلى الانحراف عن الدین والخروج بتفسیرات خاطئة له، كما أنّ القسم الأعظم من انحرافات الفرَق الإلحادیّة والالتلفیقیّة یعود إلى إسناد امور إلى الدین بشكل ینمّ عن سذاجة وسطحیّة وهو أمر یؤدّی إلى أضرار جمّة.
* العلامة الطباطبائیّ والشهید المطهّری رائدا التحوّل المعرِفیّ فی إیران فی القرون الأخیرة
ونوّه آیة الله مصباح الیزدیّ بالمهمّة العلمیّة الثقیلة التی یضطلع الیوم بها العلماء المسلمون فی الحوزة والجامعة وعدّها أثقل وأخطر من وظایف جمیع العلماء على مرّ التاریخ. وعبر تأكیده على ضرورة الاهتمام بالبنیة التحتیّة الفكریّة فی مجال علم المعرفة، قال سماحته: فی العقود الثلاثة التی أعقبت الثورة الإسلامیّة حصل فی الحوزات العلمیّة للبلاد تحوّل مذهل على صعید علم المعرفة لا مثیل له فی القرون الأخیرة.
وأضاف سماحته: كان العلامة الطباطبائیّ والشهید المطهّری الرائدین فی هذا المضمار وقد حصل فی الحوزات العلمیّة بعد عهد هذین العظیمین نموّ ملحوظ فی هذا المجال.
وفی معرض إشارة رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) إلى أنّه من أجل إنتاج العلم الدینیّ فإنّه تتوفّر فی الإسلام مصادر غنیّة جدّاً وثرّة إلى أبعد الحدود أضاف قائلا: مع وجود مثل هذه التعالیم الغنیّة والمتیقّنة فإنّ من الممكن استغلالها على أتمّ وجه فی سبیل إیجاد تحوّل عظیم فی العلوم الإنسانیّة بشرط أن تحظى سائر أبعاد الدین، لاسیّما المسائل العقائدیّة والعلوم الإنسانیّة، بنفس ذلك الاهتمام وتلك الدقّة المعمول بهما فی فهم المسائل الفقهیّة من مصادرها الدینیّة.