العلامة مصباح الیزدی: الملتقى الوطنی لمبانی فلسفة العلوم الإنسانیّة خطوة منطقیّة على طریق التحوّل فی هذه العلوم

عبر تذكیر العلامة مصباح الیزدی بتأكیدات قائد الثورة المعظّم (دام ظلّه) على ضرورة خلق تحوّل فی العلوم الإنسانیّة قال سماحته: من أجل خلق حالة من التحوّل فی العلوم الإنسانیّة لابدّ من الاهتمام بمبانیها وفلسفتها ومن ثمّ الاستعداد لمثل هذا التحوّل عبر التعرّف على أنواع تلك المبانی وتمییز حقّها من باطلها.
وتابع سماحته القول: البحث فی هذا المضمار یتطلّب الإحاطة ببضعة علوم من بینها معرفة الوجود، وعلم معرفة الإنسان، وعلم المعرفة وإنّ الخوض فی كلّ تلك العلوم ومناقشتها هو بحث واسع لا یتسنّى طرحه من قبل فریق واحد فی ملتقى واحد.
وأعرب العلامة مصباح الیزدی عن سروره بتنظیم هذا الملتقى وقال: یُعدّ هذا الملتقى خطوة منطقیّة على طریق تحوّل جذریّ فی العلوم الإنسانیّة.
وقال سماحة مصباح الیزدی مشیرا إلى تقدیم المقالات والمحاضرات المختلفة فی هذا المجال: لو فرضنا أنّ جمیع المقدّمات النظریّة المتّصلة بخلق التحوّل المذكور کانت مهیّأة وقد تمّ الردّ على كافّة الاستفسارات المطروحة فی هذا المجال أیضا عندها فقط یمكننا القول إنّ أبحاث المرحلة النظریّة قد اُنجزت وقد وصل الدور إلى مناقشة قضیّة: هل إنّ الأرضیّة مُعدّة فعلاً لتطبیق نتائج هذه الأبحاث على أرض الواقع؟
واستطرد سماحة مصباح الیزدی فی القول: من أجل ذلك فإنّه بموازاة طرح المسائل النظریّة فی مجال العلوم الإنسانیّة یتحتّم تقدیم مشروع تنفیذیّ یحدّد طریقة البدء بالعمل وسیاق إنجازه. إذ قد یقوم المهندس برسم مخطّط البنایة بسرعة لكنّ تنفیذ المخطّط یتطلّب مراحل معقّدة؛ إذن لابدّ من وضع نقطة لبدایة العملیّات وتحدید مقدار القوّة العاملة والإمكانیّات الضروریّة لذلك، ... الخ.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی: لا یمكننا تقدیم مشروع خیالی ومثالی من أجل خلق تحوّل فی العلوم الإنسانیّة، بل لابدّ من معرفة الوقائع والبدء بالعمل على أساسها؛ إذ لا یمكننا تعطیل الجامعات بذریعة البدء بهذا التحوّل.
وأشار سماحته قائلا: على الرغم من إخلاص أساتذة الجامعات وما یحملونه من علم فإنّنا لا نتوقّع منهم العمل على أسْلَمَةِ العلوم الإنسانیّة؛ ذلك أنّ ما تلقّوه من تلك العلوم مبنیّ على اُسس غربیّة. ومن ناحیة اخرى فإنّ الحوزویّین لا یستطیعون إنجاز هذه المهمّة بمجرّد إحاطتهم بالإسلام؛ إذ یلزم لذلك الإحاطة بالعلوم الإنسانیّة وبموضوعها ومحمولها وقضایاها.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة: من أجل ذلك فإنّ من یستطیع إنجاز الخطوة الاولى على هذا الدرب هم فقط الذین یتمتّعون بالمعرفة الكافیة بالعلوم الإسلامیّة من جهة والعلوم الإنسانیّة من جهة اخرى ویتّصفون بالحرص والإخلاص اللازمین فی هذا الجانب. ومن هذا المنطلق فقد كانت البدایة فی تأسیس مكتب التنسیق المشترك بین الحوزة والجامعة وقد تمّ عقد اجتماعات بین عدد من اساتذة كلّ من الحوزات والجامعات فی سبیل الظفر بالاستعداد النسبیّ للبحث فی مسألة أسْلَمَةِ العلوم الإنسانیّة وتلاقح الآراء والأفكار فی هذا المجال.
وأضاف سماحته: كان من جملة بركات تشكیل هذا المكتب هو الشعور ببروز حاجة بین أوساط طلاب العلوم الدینیّة إلى معرفة العلوم الإنسانیّة، وقد كان تأسیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث یصبّ فی هذا الوادی.
وتابع العلامة مصباح الیزدی قائلا: بموازاة هذا العمل یتعیّن السعی إلى إقامة نشاطات ثقافیّة هدفها إثارة إحساس بالحاجة إلى مثل هذا التحوّل لدى أفراد المجتمع.
وقال آیة الله مصباح الیزدی: ما یبعث على الأسف هو أنّ غالبیّة جامعیّینا ومسؤولینا لا یعتقدون بضرورة التحوّل فی العلوم الإنسانیّة، أو على الأقل لا یرون لهذه القضیّة ما یرونه لباقی القضایا من قیمة وأهمیّة.
وقال آیة الله مصباح الیزدی مشیراً إلى الآیة القرآنیة: «إن تنصروا الله ینصركم»: الربّ الذی نصر المجاهدین والعلماء فی جبهات القتال وفی المجالات العلمیّة المختلفة سینصرنا فی هذا المضمار أیضاً إذا اتّسمت خطواتنا على طریق هذا التحول بالجدّیة والإخلاص.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی أیضا: ما یتعلق بنا بعنوان انه واجب شرعیّ هو نقد العلوم الإنسانیّة بدقّة لنؤیّد ما یطابق منها العقل والتجربة والمعارف الإسلامیّة؛ لكن ینبغی أن نعلم أن الأمر لا یقف عند هذا الحدّ.
وقال: حتّى فی زمان الثورة ولدى تأسیس «هیئة الثورة الثقافیّة» فقد تمّ تعیین بعض الوزراء فی الهیئة من أجل ضمان تنفیذ هذه البحوث إلى أن تحوّلت الهیئة إلى «المجلس الأعلى للثورة الثقافیة»؛ لكن هذا المجلس ومن الناحیة العملیّة قد ابتعد شیئا فشیئا عن هدفه الأساسیّ.
وعبر تكرار التأكید على أهمیّة تنمیة الاعتقاد لدى المسؤولین والجامعیّین بضرورة خلق التحوّل فی العلوم الإنسانیّة قال سماحة مصباح الیزدی: إذا لم یتبلور هذا الاعتقاد فی أوساط الجامعیّین والمسؤولین فستضیع كافّة الجهود والنشاطات المبذولة فی هذا المجال هباء منثورا.
ومن خلال التأكید على ضرورة تنشئة الكوادر أضاف سماحة مصباح الیزدی: إذا لم یعتقد الأساتذة الذی یدرّسون العلوم الإنسانیّة بالعلوم الإنسانیّة الإسلامیّة من صمیم قلوبهم فسوف لن یكون لجمیع البحوث والجهود المبذولة فی هذا المضمار فائدة وستذهب جمیعها أدراج الریاح.