قال العلامة مصباح الیزدی: إذا رغبنا فی أن یتولّى نظام كهذا مقالید الحكم فما علینا إلا توفیر المناخات المناسبة لذلك والتی من جملتها تهیئة بیئة ثقافیة والنهوض بثقافة المجتمع، أی السعی لجعل أفراد الشعب یعتقدون بالقیم ویتمسّكون بها، وإنّ أهم عامل للنهوض بثقافة الجماهیر هو ترسیخ معتقدات الناس.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی ففی لقاء ضمّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث وأعضاء اللجنة العلمیّة لملتقى العدالة والتقدّم مع جمع من القائمین على تنظیم هذا الملتقى قال سماحة مصباح الیزدی مشیراً إلى النعم الإلهیّة: إنّ من النعم الإلهیّة الجلیلة علینا هی وجود قائد الثورة المعظّم (دام ظلّه) وسعة افق نظره مما یتجلى بوضوح فی توصیات وتوجیهات سماحته.
ونبّه العلامة مصباح الیزدی إلى رأی قائد الثورة المعظّم (دام ظلّه) بخصوص الانموذج الإسلامی – الإیرانی للتطور وقال: هذا الانموذج لا ینحصر فی القضایا الإداریة، بل یتعداها لیشمل مستویات نظریة وعملیة متعددة هی غایة فی التعقید.
وأوضح عضو مجلس خبراء القیادة أن المسائل النظریة تبدو بسیطة رغم تعقیدها وأضاف: إذا أردنا صیاغة انموذج یلیق بشأن الجمهوریة الإسلامیة فسنكون بحاجة إلى خطط أعمق وأفضل، لكن لابدّ من ملاحظة أنه لا ینبغی أن یقودنا الطموح للمثالیّة إلى إیكال انجاز ذلك إلى المستقبل، بل علینا تقسیم البرامج والخطط إلى ثلاثة محاور: قصیرة، ومتوسطة، وطویلة الأمد، والسعی لإنجاز الامور على أساس الأولویات والمتطلبات، وتنشئة الكوادر البشریة الكافیة من أجل الحصول على النتائج النهائیة.
وأكّد العلامة مصباح الیزدی على أنّ المسائل النظریة المتعلقة بالانموذج الإسلامی – الإیرانی للتطوّر تشكّل الأساس والقاعدة فإن كانت تلك المسائل مستحكمة كانت أشكال التطوّر الناجمة عنها ذات فائدة، وقال: لابدّ من تقدیم إجابات متقنة على الأسئلة ذات الطابع الجذریّ المطروحة فی مثل هذه البحوث؛ ففیما یتعلق بالسؤال عن ماهیة وكیفیة العدالة الاجتماعیة على سبیل المثال فإنه مهما بدا الجواب علیه بسیطا، وهو أنّ تطبیق الأحكام الإسلامیة من شأنه أن یؤدّی إلى تحقق العدالة على صعید المجتمع، لكنّ المسألة أعمق من ذلك، وإنّ أسئلة متعدّدة تختبئ خلف هذا السؤال، وهذا یفسر العدد الضخم من الكتب التی یقتصر مصنفوها على تناول موضوع العدالة فحسب.
وقال العلامة مصباح الیزدی لدى استعراضه لعدد من النماذج: إنّ الإجابة على تساؤلات من قبیل: ما هی العدالة؟ وأین محلها من الإعراب؟ وهل تتصّف بطابع إنسانیّ محض أم تشمل الجوانب غیر الإنسانیة أیضاً؟ و...الخ تحتاج لعمل مكثف ودؤوب، ولابدّ بعد الإجابة على هذه التساؤلات فهم ماهیة العدالة الاجتماعیة.
وقال سماحته: مسألة هل إنّ العدالة محصورة بالانتفاع من الموارد المادّیة، أم إنها تتّسع لتشمل الإفادة من المنافع المعنویة أیضاً هی كذلك من تفرّعات بحث العدالة، وإنّ القسم الأهمّ من العدالة فی المجتمع الإسلامیّ یتمثل بالإفادة من المنافع المعنویة، إلى درجة أنّ تأمین المنافع المادّیة فی مجتمع كهذا یعدّ مقدّمة للوصول إلى التكامل المعنویّ.
وطرح رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث تعریفاً إجمالیاً للعدالة الاجتماعیة فقال: تطلق العدالة الاجتماعیة على مجموعة السلوكیات التی ینال بموجبها كل فرد من أفراد المجتمع حقه. وتابع قائلاً: هذا التعریف یبرّر بشكل أو بآخر وجود السلطات الثلاث المعروفة: المقنّنة، والقضائیّة، والتنفیذیّة؛ بمعنى أنه من أجل تحقّق العدالة فإننا بحاجة إلى جهاز یحدّد الحقوق من خلال سنّ القوانین، وإلى جهاز آخر یقوم بالتوفیق بین الأعمال وهذه الحقوق، وإلى جهاز ثالث یضمن تنفیذ هذه القوانین.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدی فی حدیثه قائلاً: لكن لیس هناك ما یضمن عمل هذه السلطات الثلاث بواجباتها ومهامّها على أفضل وجه إلاّ أن تأتمر بأوامر شخصٍ معصوم یكون على رأسها.
وعبر طرحه لتساؤل مفاده: فماذا ینبغی أن نصنع فی زمان غیبة المعصوم؟ قال سماحته: تقضی سیرة العقلاء فی حالة غیاب الخیار الأفضل بأن یصار إلى انتخاب خیار یكون الأكثر قرباً وشبهاً بالخیار الأفضل، وفی الفرض المذكور فإنّ سیرة العقلاء تقضی بتولّی أشبه الناس بالمعصوم منصب المعصوم، وفی هذا الخصوص تأتی نظریة ولایة الفقیه لتقدّم الحلّ الناجع لذلك.
وأوضح العلامة مصباح الیزدی أنّ شخصاً واحداً لا یستطیع الإشراف الكامل والتسلّط المطلق على جمیع المقدّرات والامور لتجنب حدوث أیّ خطأ، وتابع قائلاً: بالطبع لقد وضع الشارع المقدّس وسائل اخرى لهذا الغرض من جملتها الرقابة الجماهیریة من خلال فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر، ولهذا فقد عدّها من أعظم الفرائض الدینیة.
وأضاف سماحته قائلا: إذا رغبنا فی أن یتولّى نظام كهذا مقالید الحكم فما علینا إلاّ توفیر المناخات المناسبة لذلك والتی من جملتها تهیئة بیئة ثقافیة والنهوض بثقافة المجتمع، أی السعی لجعل أفراد الشعب یعتقدون بالقیم ویتمسّكون بها، وإنّ أهمّ عامل للنهوض بثقافة الجماهیر هو ترسیخ معتقدات الناس.
وقال استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة أیضاً: على الرغم من أنّ هذا الطریق یبدأ من التعلیم، لكن لا ینبغی الوقوف عند هذا الحدّ ولابدّ من رفد التعلیم بالبرامج التربویة أیضاً.
ولدى التأكید على ضرورة تقسیم الأعمال قال آیة الله مصباح الیزدی: المهمة الخاصة الملقاة على عاتق الأوساط الثقافیة هی إنجاز أبحاث بنیویة فی هذا المجال وحلّ المسائل الفكریة الأساسیة العالقة.