العلامة مصباح الیزدی: وضع السیاسات الثقافیّة هو من مسؤولیّة الحوزات العلمیّة وهو یستلزم جمع المعلومات الكافیة، والتحلّی بالنظرة السیاسیّة – الاجتماعیّة (البصیرة)، والرشد الأخلاقیّ

فی إشارة لعضو مجلس خبراء القیادة إلى أنّ أساس الثورة الإسلامیّة هو الثقافة الإسلامیّة قال سماحته: هذه النقطة تحدیداً هی التی میّزت النظام الإسلامیّ عن سائر الأنظمة الموجودة فی العالم حتّى فی الدول الإسلامیّة.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة ضمن أعمال ملتقى «وضع السیاسات الثقافیّة فی نظام الجمهوریّة الإسلامیّة» موضّحاً المراد من وضع السیاسات الثقافیّة: السلوكیّات الاجتماعیّة إمّا أن تصدر بشكل عفویّ وغیر مدروس، وإمّا أن تتمّ على أساس خطوط عامّة وتخطیط مسبق.
وتابع سماحته قائلاً: فالخطوط العامّة التی تُرسم ضمن إطار هدف معیّن ومن أجل مجموعة من السلوكیّات والتصرّفات یطلق علیها مصطلح «وضع السیاسات»، وهذه العملیّة تجری فی میادین شتّى.
واعتبر آیة الله مصباح الیزدی أنّ وضع السیاسات الثقافیّة هو عبارة عن رسم الخطوط العامّة لعملیّة التخطیط فی البعد الثقافیّ وأضاف: الثقافة هی مجموعة المعتقدات والقیم، وإنّ كلّ مجتمع فهو یحتاج من أجل تقدّمه ورقیّه إلى بذل جهود على الصعید الثقافیّ والتخطیط ووضع سیاسات فی هذا المجال.
وأضاف سماحة مصباح الیزدی مشیراً إلى دور الحوزات العلمیّة فی رسم السیاسات الثقافیّة: الحوزة العلمیّة هی عبارة عن مجموعة من النشاطات العلمیّة والثقافیّة التی تتمحور حول محور الدین.
وأوضح العلامة مصباح الیزدی كیفیّة ارتباط الحوزة العلمیّة برسم السیاسات الثقافیّة وقال: كما أنّ عملیّة التخطیط ورسم السیاسات المتعلّقة بكلّ حقل من حقول العلم هی بحاجة إلى متخصّصین، فإنّنا بحاجة إلى أهل الثقافة فی وضع السیاسات الثقافیّة.
وفی معرض إشارة العلامة مصباح الیزدی إلى أنّ كلّ مجتمع فهو یمتلك مؤسّسات وأجهزة مختلفة، وإنّ بعض تلك المؤسّسات والأجهزة تحظى بأهمّیة أكبر من غیرها قال سماحته: لا تستوی نظرة المجتمعات إلى المؤسّسات المختلفة، فأغلب المجتمعات البشریّة تضع المؤسّسات الاقتصادیّة فی الصدارة من حیث الأهمّیة، أمّا الباقی فیعتبرونها مؤسّسات من الدرجة الثانیة أو كمقدّمة للاقتصاد، أو یعدّونها - على أقلّ تقدیر - ملحقات اضطراریّة لا یمكن التغافل عنها لأنّ الشعب یطلبها.
وأوضح عضو مجلس خبراء القیادة: لكنّ الثورة الإسلامیّة بانبثاقها قد طرحت فكراً جدیداً ألا وهو الاهتمام بالجانب الثقافیّ بمعناه الخاصّ؛ أی الثقافة الإسلامیّة.
وعبر الإشارة إلى أنّ ثقافة المجتمع هی التی تشكّل أساس النشاطات البشریّة، وكلّ مجتمع إنّما یُعرَف بما یحمله من معتقدات وقیم، أضاف العلامة مصباح الیزدی قائلاً: هذه الثقافة لا تحدّها الحدود الجغرافیّة التی لا تعدو كونها اُموراُ اعتباریّة.
وقال العلامة مصباح الیزدی مشیراً إلى أنّ أساس الثورة الإسلامیّة هو الثقافة الإسلامیّة: هذه النقطة تحدیداً هی التی میّزت النظام الإسلامیّ عن سائر الأنظمة الموجودة فی العالم حتّى فی الدول الإسلامیّة.
ورفض سماحة آیة الله مصباح الیزدی التفسیر القائل ببسط معنى الثقافة لیشمل الموسیقى والحركات الموزونة وقال: الثقافة بالمعنى الذی نعتقد به هی مجموعة المعتقدات والقیم الإسلامیّة وأحكامها بعنوان کونها أهمّ مؤسّسة وكیان فی النظام الإسلامیّ، بل هی روح النظام الإسلامیّ، وإنّ المقصود من الثقافة المذكورة فی وضع السیاسات الثقافیّة هی هذه الثقافة الإسلامیّة.
وقال العلامة مصباح الیزدی: یتّضح مما سبق ذكره أنّ هناك ارتباطا منطقیا ومعقولا بین الحوزة العلمیّة ووضع السیاسات الثقافیة فی النظام الإسلامیّ، ذلك أنّ ذوی الخبرة فی الدین وعلماء الدین هم الذین یجب أن ینهضوا بدور فعّال وحیویّ من أجل تعیین السیاسات الثقافیّة.
وتابع سماحة مصباح الیزدی القول: بالطبع من أجل تنفیذ السیاسات الموضوعة فسنكون بحاجة إلى علوم اخرى كعلم الإدارة وعلم النفس السریری اللذین یتّخذان طابع الوسیلة ویمتازان بالصبغة التطبیقیّة، لكنّ وضع السیاسات هو رسم الخطوط العامّة لتلك السیاسات وهو ما یتمّ قبل التنفیذ.
وفی إشارة للعلامة مصباح الیزدی إلى الأضرار الناجمة عن عدم نهوض الحوزویّین بدورهم الكامل فی رسم السیاسات الثقافیّة للبلاد على مدى اثنین والثلاثین عاماً هو مجموع ما مرَ من عمر الثورة قال: للوقوف على أسباب ذلك علینا أوّلاً تقصّی الأسباب الكامنة فی داخل الحوزة العلمیّة، وإنّ أوّل سبب لذلك هو أنّه لم یكن للحوزة الاستعداد الكامل للولوج فی میدان وضع السیاسات الثقافیّة، ولعلّها لم تصل إلى الآن إلى درجة الاستعداد المطلوبة.
وأذعن استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیة بقمّ المقدّسة بأنّ خطوات إیجابیّة قد اتّخذت فعلاً فی الحوزة على طریق تهیئتها لرسم السیاسات خلال اثنین والثلاثین عاما مضت كان منها تأسیس هذه المؤسّسة (مؤسّسة الإمام الخمینی (ره) للتعلیم والأبحاث) لكنّه أكد على أنّ الحوزة لم تصل إلى الآن إلى درجة الاستعداد الكامل فی هذا المجال.
ورأى آیة الله مصباح الیزدی أنّ السبب الثانی فی عدم اضطلاع الحوزة العلمیّة بدورها فی وضع السیاسات الثقافیّة فی البلاد هو عدم التنسیق الفكریّ بین صنّاع القرار والحوزات العلمیّة، وصنّف هذه المشكلة بأنّها أهمّ من الاولى.
وفی إشارة للعلامة مصباح الیزدی إلى وجود روابط عضویّة بین جمیع مؤسّسات المجتمع والتأثّر المتبادل بین نشاطاتها قال سماحته: یتعیّن من أجل وصول المجتمع إلى الوضع المطلوب التنسیق الكامل بین جمیع المؤسّسات وتوحید أهدافها والسعی إلى اتّحاد سیاساتها وبرامجها العامّة، وإلاّ فلن تعطی نشاطاتُها اُكُلَها.
وقال مستطرداً فی توضیحه لهذه العلّة: لقد شُغلت بعد انتصار الثورة مناصبُ من قبل مسؤولین كان التوجّه العلمانیّ یطغى على أفكارهم، حتى إنّ الأمر قد وصل ببعضهم إلى محاولة حذف رمز إسلامیّة النظام، أی ولایة الفقیه.
وأضاف استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة القول: حتّى إنّ أشخاصاً ممن كانت لهم نشاطات اجتماعیّة جمّة قد بیّنوا بكلّ صراحة بأنّنا نرید الإمام الخمینیّ (رحمه الله) فقط من أجل طرد شاه إیران، وإلاّ فلا علاقة‌ لنا بفکر الإمام! وهذا الطراز الفكریّ موجود إلى حدّ ما حتّى فی الجیل الثالث للثورة، لكنّ البعض كان من الوقاحة بحیث أعلنه بكلّ صراحة، أمّا البعض الآخر فقد سلك سبیل المراوغة والنفاق.
وتابع سماحته: ومن ناحیة اُخرى أیضاً فقد بادر أعداء الخارج إلى تربیة وتحریض أفراد لا یحملون اعتقاداً بالدین وبولایة الفقیه بغیة الإطاحة بالنظام الإسلامیّ، وقد ظنّوا فی عام 2009 للمیلاد أنّ ساعة الصفر لإسقاط هذا النظام قد حانت.
وقال سماحته: المشكلتان الأساسیّتان اللتان تقفان حجر عثرة بوجه رسم السیاسات الثقافیّة هما: أعداء الخارج الذین یدعمون الفكر العلمانیّ، وعملاؤهم فی الداخل الذین لا یعتقدون بولایة الفقیه.
وتابع العلامة مصباح الیزدی القول: إنّ التكلیف الأساسیّ الملقى على عاتق الحوزات العلمیّة هو التأهّب لوضع السیاسات الثقافیّة الأمر الذی یستلزم توفّر المعلومات الكافیة، والنظرة السیاسیّة – الاجتماعیّة أو ما یدعى البصیرة، والرشد الأخلاقیّ.
یُذكر أنّ ملتقى «وضع السیاسات الثقافیّة فی نظام الجمهوریّة الإسلامیّة» قد جرى فی الیوم الحادی والعشرین من نیسان من عام 2011م من قبل معاونیّة البحوث فی مؤسّسة الإمام الخمینی (ره) للتعلیم والأبحاث وذلك فی قاعة مؤتمرات المؤسّسة.