العلامة مصباح الیزدی: إنّ تسلّم التیّار المنحرف لمقالید الامور سوف یقود إلى انحراف الإسلام والثورة

قال استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة: إذا كان ما یثیر قلقنا فی الانتخابات وغیرها من المسائل هی الدوافع الدینیّة فإنّ قلقاً كهذا یُعدّ قلقاً مقدّساً، وإلاّ فنحن أسرى الأفكار الشیطانیّة.
حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث لدى لقائه بجمع من أعضاء المجلس المركزیّ لتجمّع المهندسین الإسلامیّ إلى آیات من القرآن الكریم معتبراً الإنسان كائناً مختاراً یستطیع باختیاره سلوك سبیل السعادة والوصول إلى مقام خلافة الله، ذلك المقام الذی لیس بمیسور الملائكة – على رغم انهماكهم المستمرّ فی عبادة الله تعالى - نیله بسبب افتقادهم لتلك الإرادة.
وعبر تأكید آیة الله محمّد تقی مصباح الیزدی على أنّ الإنسان فی مسیرة حیاته یواجه باستمرار مفترق طریقین أو مفترق طرق متعدّدة معتبراً الفتن بمثابة المحكّ والمنعطف فی الامتحانات الإلهیّة وقال: إنّ النجاح فی امتحان الفتنة یقود إلى مزید من الترقّی والسموّ بینما لا یؤدّی الفشل فیها إلّا إلى السقوط والانحطاط.
وعبر إشارة سماحته إلى حادثة السقیفة فقد اعتبرها من أعظم فتن تاریخ الإسلام وقال: الفتنة هی ضرب من ضروب الامتحان وإنّ لها مراتبَ مختلفة وهی تزداد صعوبة مع مرور الزمن. فعلى سبیل المثال بعد فتنة عام 2009م التی كانت فتنة عظیمة وقد خرج الشعب منها مرفوع الرأس، علینا أن نتوقّع فتنة أشدّ فی المستقبل.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی قائلاً: حتّى بین اُولئك الذین یجتازون الفتنة بنجاح توجد هناك مراتب واختلافات، ووفقاً للثقافة الإسلامیّة فإنّ تلك الامتحانات تُبَرّر على أساس ما یتمتّع به الأشخاص من معرفة وإیمان؛ فالذین یحصلون على امتیازات أفضل فی الامتحان هم اولئك الذین یتمتّعون بمعرفة أسمى وإیمان أقوى.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة القول: لا یمكن تنظیم درجة القبول فی اختبار الفتنة بحیث لا یتمّ اختیار إلاّ الحاصل على الحدّ الأعلى من الامتیازات فیه، إذ أنّ الجمیع غیر متساوین فی المعرفة والإیمان، ومن ناحیة اخرى فإنّه لا یمكن جعل عنوان القبول فی هذا الامتحان بحیث یشمل الذین یفشلون فیه على نحو متكرّر، هذا وإن كان التحوّل فی الأشخاص ممكناً أیضاً.
وقال العلامة مصباح الیزدی مستشهداً بآیات من الذكر الحكیم تتحدّث عن التعاون: بالطبع إنّ الذین تكثر بینهم أوجه التشابه وتتقارب درجات إیمانهم یستطیعون أن یتعاونوا ویعملوا مع بعضهم على نحو أفضل.
وأضاف سماحته مشیراً إلى الفتن باعتبار كونها امتحانات اجتماعیّة مصیریّة: فی مثل هذه الفتن لا ینفع العمل الفردیّ ولابدّ من تضافر الجهود والتعاون من أجل الخروج من الفتنة بشموخ ورفعة.
وأشار العلامة مصباح الیزدی إلى مشكلتین هما اختلاف الأشخاص فی المعرفة والإیمان، وتشتّت الجهود فی العمل الجماعیّ وقال: لقد نُوقشت هذه المسألة على مرّ التاریخ حتّى توصّل علماء الغرب إلى الفكرة القائلة بضرورة تشكیل الجماعات والأحزاب.
وتابع آیة الله مصباح الیزدی مستعرضاً تاریخ الأحزاب قبل انتصار الثورة فی إیران فقال: حتّى فی أوائل انطلاق النهضة التی آلت إلى انتصار الثورة الإسلامیّة كانت هناك أحزاب ولم یكن أمام أرقى متدیّنین فینا بُدّ آنذاك سوى التحزّب.
واستطرد سماحة مصباح الیزدی مبیّناً نماذج من هؤلاء وقال: إنّ ماهیّة الحزب المتشكّل ضمن الاُطُر الإسلامیّة تختلف عن الأحزاب الغربیّة؛ ومن هذا المنطلق فقد عدّ الشهید البهشتیّ الحزبَ محلاًّ للعبادة، فی حین أنّ الأطراف التی تشكّل الأحزاب الغربیّة تُعدّ نفسها دوماً للحرب ومواجهة الطرف الآخر.
وأكّد سماحته على ضرورة اتّخاذ اُسوة تتماشى مع التعالیم والمعتقدات الإسلامیّة فی عملیّة تشكیل الأحزاب وقال: لابدّ من العمل فی هذا السیاق، لكن على الأحزاب والجماعات المختلفة أن تتّفق مع بعضها فی مشتركات الإسلام الضروریّة ولا تبخل فی هذا الجانب عن أیّ معونة لأیّ شخص أینما كان إذا هبّ متحدّیاً جمیع الأخطار لنصرة الإسلام، وأن لا تتوانى لحظة عن إقصاء مَن تصرّف بما یخالف المصالح الإسلامیّة حتّى وإن كانت تربطها به علاقة اُخوّة أو رفاقة حزبیّة.
وأردف العلامة مصباح الیزدی قائلاً: هذا الكلام لا یعنی بالضرورة أن لا یكون لدینا أحزاب وتجمّعات ونقابات، بل معناه أنّ على الأحزاب أن تجعل هدفاً أساسیّاً نصب أعینها، وهو أن یكون جمیع الأعضاء من أهل البرّ والتقوى، ومن المهتمّین بالإسلام، حتّى وإن اختلفوا فیما بینهم فی بعض الأسالیب والطرق.
ومتابعة لكلامه أشار سماحة مصباح الیزدی إلى الفتنة التی بدأت أخیراً تلوح فی الافق وقال: على سبیل المثال إذا كان قلق البعض من هذه الفتنة ینبع فقط من أن نتائجها ستصبّ فی مصلحة منافسیهم السیاسیّین ممّا سیجعلهم یفقدون مناصبهم، فإنّ دافعاً كهذا لیس مقدّساً ولا دینیّاً وهی من طراز دوافع الأحزاب الغربیّة، أمّا إذا كان قلق بعضهم من هذه الفتنة منبثقاً من أنّه إذا تسلّمت فرقة منحرفة مقدّرات الامور فستُلحق الضرر بمنجزات الثورة ممّا سیؤول إلى انحراف الدین – وإنّ الشواهد لتشیر إلى ذلك – فإنّ قلقاً كهذا هو قلق مقدّس.
وقال استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة: إذا كان ما یثیر قلقنا فی الانتخابات وغیرها من المسائل هی الدوافع الدینیّة فإنّ قلقاً كهذا یُعدّ قلقاً مقدّساً، وإلاّ فنحن أسرى الأفكار الشیطانیّة.
وفی معرض إشارة سماحة العلامة مصباح الیزدی إلى أنّه من الممكن أن یكون أشخاص فی جبهة واحدة لكنّهم یختلفون فیما بینهم تماماً على صعید الدوافع قال: على كلّ امرئ أن یراجع أعماق قلبه لینظر ما هو الدافع من وراء ما یبدیه من أشكال الدعم والمعارضة.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى فی الیوم السادس والعشرین من أیّار من عام 2011م فی صالون تشریفات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.