العلامة مصباح الیزدی: التیّار المنحرف وعبر ادّعائه الارتباط بصاحب الزمان (عج) یبیّت النیّة لحذف ولایة الفقیه

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی ففی لقاء لرئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مع حشد من أعضاء قافلة جری التتابع المسمّاة بـ «عشّاق الحسین، زوّار الخمینیّ (ره)» أشار سماحته إلى أنّ جمیع البركات التی أصابها الشعب الإیرانیّ بعد انتصار الثورة كانت بفضل الإسلام. ثمّ طرح سماحته السؤال التالی: ما السبب الذی جعل بركات الإسلام الجمّة تظهر فی هذا العصر بالذات وعلى ید الإمام الخمینیّ (قدّس سرّه) على الرغم من أنّ الإسلام والمسلمین وعلماء الإسلام موجودون على مرّ عصور عدیدة من التاریخ؟
وعدّ سماحة آیة الله مصباح الیزدی أنّ میّزات شخصیّة الإمام الراحل والشعب الإیرانیّ العظیم هی من جملة العوامل التی أدّت إلى ظهور هذه البركات وقال: لو تحدّثنا عن الإمام الخمینیّ لسنوات طویلة فلن نؤدّی حقّه، لكن من باب النموذج فإنّ من خصوصیّات شخصیّته (رحمه الله) هو إخلاصه المنقطع النظیر حیث كان لا یتوانى عن أداء أیّ تكلیف فی سبیل الله حتّى وإن كان ثمنه باهضاً.
وعبر ذكر نماذج من سماته (رحمة الله علیه) رأى سماحة مصباح الیزدی أنّ شجاعة الإمام الراحل هی الاخرى من خصوصیّاته النادرة وقال: هذا النمط من الشجاعة لا یشاهَد إلا فی أشخاص من أمثال علیّ بن أبی طالب (علیه السلام).
وألمح عضو مجلس خبراء القیادة إلى تمیّز منهجیّة الإمام الراحل (قدّس سرّه) واستراتیجیّته فی التعامل مع الطاغوت وقال: فی الوقت الذی لم تنتهج فیه جمیع الفئات المناوئة للنظام البائد غیر النهج العسكریّ والسیاسیّ لمقارعته انتهج الإمام الخمینیّ (رحمه الله) طریقة توعیة الجماهیر سبیلاً لنضاله، وإنّ الیقظة الإسلامیّة التی تنتشر فی المنطقة الیوم إنّما هی نابعة من حركة الإمام تلك.
وتابع سماحته بالقول: إنّ من جملة المشاكل التی واجهت الإمام هی الفكرة الخاطئة التی كانت سائدة بین المتدیّنین آنذاك القائلة بأنّه لا ینبغی القیام بحركة جهادیّة ضد الطواغیت قبل ظهور الإمام المهدیّ (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) وأنّ الولوج فی المیادین السیاسیّة والاجتماعیّة هو عین إنكار الدین. ولقد سعى الإمام الراحل (قدّس سرّه) بمفرده فی سبیل تغییر هذا التفكّر الباطل طارحاً مسألة إقامة الحكومة الإسلامیّة والحفاظ علیها على أنّها من أوجب الواجبات مزیلاً بذلك هذا السدّ الشیطانیّ المقیت من طریق النهوض ضدّ الطواغیت.
واستطرد العلامة مصباح الیزدی فی حدیثه قائلاً: هذا الإنجاز كان من أعظم إنجازات الإمام الراحل (رحمة الله علیه) إذ إنّ سیادة هذا النمط الفكریّ كان من شأنه أن یفسح المجال أمام الأحزاب والحركات السیاسیّة الاخرى - التی لم یكن دأبها سوى السعی وراء مطامعها الدنیویّة ولم یكن لها أیّ علاقة بالدین والتكالیف الشرعیّة - لدخول میدان النزال. بالطبع إنّ دخول أمثال هؤلاء لم یكن أیضاً محطّ قبول الله وأولیائه، بل إنّ ضرر تصدّیهم للحكم قد یكون أفدح من ضرر النظام السابق نفسه. فلیس من المعلوم أنّ تسلّط نظام ماركسیّ على مقدّرات البلاد والعباد سیكون أفضل من النظام الطاغوتیّ البائد.
كما ورأى العلامة مصباح الیزدی أنّ المعضلة الفكریّة الاخرى كانت تتمثّل باتّساع دائرة الضرر فیما یتعلّق بشروط الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وقال: لقد كانت دائرة الضرر فی ذلك الزمن على جانب من السعة بحیث إنّ توقُّع تعرّض الآمر بالمعروف للصفع من شأنه أن یردعه عن الأمر به، لكنّ الإمام الراحل (قدّس سرّه) وخلال فترة وجیزة قام بتحویل الشباب الذین یحملون هذا النمط من التفكیر إلى اناس مستعدّین لتقدیم أرواحهم فی سبیل الإسلام برغبة تامّة.
وفی معرض إشارة عضو مجلس خبراء القیادة إلى مخطّط الأعداء الرامی إلى النیل من النظام الإسلامیّ أضاف سماحته: لقد استنتج الأعداء من خلال البحث والتجربة أنّ هناك عناصر قوّة فی الإمام الراحل واُمّتنا لا یمكن معها توجیه ضربة للنظام الإسلامیّ، وأنّ الإطاحة بهذا النظام لن تكون ممكنة إلا بمحو هذه العناصر من الوجود.
واعتبر سماحة مصباح الیزدی أنّ محبوبیّة علماء الدین عند الجماهیر هی واحدة من العناصر المهمّة لقوّة النظام الإسلامیّ وقال: العدوّ یعلم جیّداً أنّه ما دام الشعب یطیع - من منطلق التكلیف الشرعیّ - عالم دین بعنوان كونه نائباً لصاحب الأمر (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) فإنّه لا یمكن توجیه ضربة لهذا النظام، ذلك أنّه من الممكن حرف أیّ شخص من خلال التطمیع أو التهدید، لكنّ شخصاً كالإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه) – والذی لا یرى لنفسه تكلیفاً سوى طاعة الله سبحانه وتعالى - لا یمكن تغییر مسیره بأیّ حال من الأحوال. ومن هذا المنطلق فقد حاولوا جاهدین، عبر التفتیش عن بعض الشواهد، الإساءة إلى سمعة علماء الدین، هذا من جهة. ومن جهة اخرى فقد سعوا - من خلال بثّ شبهة إمكانیّة وجود قراءات مختلفة للدین - إلى تلقین المجتمع بأنّه من الممكن لكلّ شخص أن یعرف دینه ویعمل به من دون حاجة إلى أخذه من علماء الدین.
وفی إشارة لسماحة مصباح الیزدی إلى مساعی الأعداء لنشر العلمانیّة واعتبار الدین منفصلاً عن السیاسة بدعوى قداسته وعدم انسجامه مع السیاسة، أضاف قائلاً: حتّى بعد انتصار الثورة فقد عمل الأعداء بكلّ جدّیة فی هذا السیاق لمدّة سبع أو ثمانی سنوات وقد طُبع عدد كبیر من الكتب فی هذا الشأن بل إنّ بعض المسؤولین الرفیعی المستوى فی البلاد كانوا قد روّجوا لهذا الأمر ودعموه.
وأشار العلامة مصباح الیزدی إلى تجربة الشیطان التی استغرقت اثنین وثلاثین عاماً فی محاربة الثورة الإسلامیّة وأسالیبه الجدیدة فی مواجهة النظام الإسلامیّ وقال: لقد طُرحت فی البلاد مؤخّراً نظریّة شیطانیّة جدیدة هی أخطر من سابقاتها.
وأوضح سماحته أنّ هذا الطریق الشیطانیّ یمتاز بالجذّابیة، وعلى الرغم من أنّه لا یثیر حسّاسیّة لدى المؤمنین فانّه یجتذب بسهولة ثلّة من أصحاب التدیّن والطهارة من الشباب، وأضاف: هذا التیّار المنحرف، وعبر ادّعائه الارتباط بصاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) وتلقّی التكالیف منه مباشرة، یحاول ضرب عدّة عصافیر بحجر واحد؛ فهو – أولاً – یجتذب الفئات المؤمنة والمتدیّنة، لأنّه لا یتحدّث عن اللادینیّة، بل عن الارتباط بصاحب العصر (عجّل الله تعالى فرَجه)؛ وهو یحاول - ثانیاً - حذف ولایة الفقیه التی تمثّل أكبر معضلة بوجه عالم الاستكبار؛ ذلك أنّه مع وجود الارتباط المباشر مع صاحب الأمر وتلقّی الأوامر منه فإنّه لا تعود هناك حاجة إلى وجود نائبه.
وقال استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: ولعمری إنّ هذه لنظریّة شیطانیّة ضخمة وهی لو لاقت رواجاً بین أفراد الشعب وقبولاً منهم لكان لها أثر أعمق وقدرة تخریب أوسع من سائر الأسالیب الشیطانیّة.
وقال هذا الفیلسوف الكبیر فی العالم الإسلامیّ: لقد عملت هذه الجماعة من خلال الدعایة والمال على الترویج لهذه النظریّة، محاولة - عبر نشر أخبار عن المستقبل، وهو أمر یستطیع حتّى المرتاضون الذین لا دین لهم فعلَه - إثبات ارتباطها بالإمام المهدیّ (عجّل الله فرَجه الشریف) واستلام الأوامر منه.
كما وقال العلامة مصباح الیزدی مؤكّداً على ضرورة إجراء الأحكام الإسلامیّة فی المجتمع: بالنسبة لمسألة عدم إجراء الأحكام الإسلامیّة كالحجاب مثلاً یدّعی هذا التیّار أیضاً بأنّ صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) لا یرى أنّ من الصلاح فی الوقت الحاضر مواجهة ومحاربة ظاهرة سوء الحجاب عند النساء.
وفی ختام حدیثه أكّد آیة الله مصباح الیزدی على ضرورة تحلّی الناس بالیقظة والوعی وقال: كونوا على ثقة بأنّ هذه الفئة الضالّة لا تستطیع إحداث أیّ ثلمة فی مكانة ومنزلة الولیّ الفقیه.
یُذكر أنّ هذه المراسم قد جرت فی الیوم الثانی من حزیران من عام 2011م فی صالون تشریفات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.