العلامة مصباح الیزدی: بعض الساسة المحتالین یتّخذون من مزاعم الاتّصال بصاحب الزمان وسیلة للوصول إلى مآربهم

قال عضو مجلس خبراء القیادة: لعلّ من الأرضیّات التی ساعدت على إشاعة أنماط العرفان الزائف والمیل إلى ادّعاء الاتّصال بصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) هی أنّ عطش الوصول إلى السعادة لدى اولئك الذین شاركوا فی جبهات القتال انطلاقاً ممّا یحملونه من الروح التعبویّة وكانوا على استعداد للتخلّی عن الثروة والراحة فی سبیل الله تعالى – إنّ عطشهم هذا بقی متأجّجاً فی أحشائهم بعد انتهاء الحرب وحیث إنّ الظروف التی أعقبت الحرب لم تكن مواتیة لإرواء هذا العطش فقد اغتنم الأعداء الفرصة من خلال ابتداع العرفان الزائف؛ ذلك أنّ العثور على المربّی الكفوء لم یكن میسوراً، ولـمّا لم یجد الذین یشكون عطش الوصول إلى السعادة الماء الزلال لإرواء ظمئهم فقد اجتذبهم سراب العرفان الزائف وخداع من یدّعی الاتّصال بصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف).

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی مراسم بدء العام الدراسیّ الجدید لمدرسة المعصومیّة العلمیّة إلى آیات من القرآن الكریم وقال: إنّ دعوة الناس إلى عبادة الإله الواحد كانت من واجب جمیع أنبیاء الله (علیهم السلام) كتكلیف عامّ، لكنّ بعض الأنبیاء وانطلاقاً من الأوضاع والأحوال والظروف المكانیّة والاجتماعیّة الخاصّة التی كانت تكتنفهم فقد اُنیطت بهم مهمّات خاصّة مضافاً إلى واجباتهم العامّة.
وفی معرض إشارة العلامة محمّد تقی مصباح الیزدی إلى نماذج من التكالیف الخاصّة للأنبیاء قال سماحته: وكذا الحال بالنسبة لورثة الأنبیاء، فكما أنّهم جمیعاً مكلّفون بواجب عامّ ألا وهو دعوة الناس إلى عبادة الله تعالى ودفع الشبهات فی شتّى المجالات العقائدیّة والاجتماعیّة والعبادیّة وغیرها كلٌّ بحسب ما اُوتی من حول وقوّة، فإنّه یناط ببعضهم تكالیف خاصّة یملیها علیهم ما یحیط بهم من أوضاع وأحوال معیّنة كنسیان قسم من الدین، أو شیوع الفساد فی المجتمع مثلاً.
وعبر تأكید سماحة مصباح الیزدی على ضرورة أن یشخّص المرء تكلیفه الملقى على عاتقه أضاف: علینا أن نفكّر فی أنّه: لو أنّ نبیّاً بُعث فی هذا الزمان فماذا ستكون مهمّته؟ وبما أنّ الدین الإسلامیّ هو أكمل الأدیان فإنّ هذا النبیّ سیحیی معارف الدین الإسلامیّ ویصونها من الضیاع، إذن یتعیّن علینا نحن أیضاً الاجتهاد فی هذا السبیل.
وفی معرض إشارة العلامة مصباح الیزدی إلى ظروف العالم الراهنة وضخامة التكالیف وكثرتها قال سماحته: لابدّ من أجل الوصول إلى الهدف المنشود من توزیع الواجبات والعمل على أن یكرّس كلّ شخص وقته فی دراسة فرع تخصّصی معیّن من العلم وذلك من خلال تعریف فروع دراسیّة تخصصیّة محدّدة. وكلّما كانت تلك الفروع أكثر تخصّصاً وعلمیّة وهی موضوعة ضمن منهجیّة دقیقة فسوف تحتاج إلى إنفاق مقدار أقلّ من الوقت والطاقات.
وتابع آیة الله مصباح الیزدی حدیثه مشیراً إلى التكالیف الخاصّة للعلماء وقال: كما قد ذكرنا فقد یكون إغفال جزء من الدین هو الداعی لتكریس جهود أكبر فی هذا الجانب. على سبیل المثال فإنّ ثقافة المجتمع العامّة قبل نهضة الإمام الخمینی الراحل (رحمة الله علیه) كانت فی أنّ إسلام المرء وتدیّنه یقتصران على عمله بالواجبات وتركه للمحرّمات المتعارفة وإنّ الخوض فی المسائل الاجتماعیّة والسیاسیّة لم یكن یُعرَّف بأنّه خروج عن دائرة الدین فحسب، بل كان الولوج فی هذا المجال یُعدّ أمراً قبیحاً ومخالفاً للدین، بحیث إذا شعر الاستكبار بأنّ أحد العلماء یشكّل خطراً على مصالحه فإنّ رَمْیَه إیّاه بتهمة التدخّل بالسیاسة كان كافیاً لجعل الناس ینفضّون من حوله.
وقال سماحته: لكنّ سماحة الإمام الخمینیّ (قدّس سرّه) قد أحیا هذا الجانب المنسیّ من الدین وفهّم الناس أنّ تكلیف عالم الدین لا ینحصر فی تألیف رسالة عملیّة وإمامة الجماعة، بل علیه أن ینهض لمحاربة الظلم وحمایة المظلوم.
ومتابعة لحدیثه أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) إلى أنّ شیوع بعض أشكال الفساد یكون سبباً لتكلیف طلبة العلوم الدینیّة وعلماء الدین بواجب خاصّ، وقال مذكّراً بالغزو الثقافیّ الذی یشنّه الأعداء: یجب على ورثة الأنبیاء الیوم أن یضعوا التوجّهات الأخلاقیّة والفكریّة فی رأس قائمة نشاطاتهم، ذلك أنّ خطر الغزو الثقافیّ الذی نشهده الیوم بهذا النطاق الواسع والحجم الضخم لا یمكن مواجهته بمجرّد إصدار الفتاوى.
واستطرد سماحته بالقول: إنّ بوسع المرء الیوم الاتّصال بأكبر مراكز الفساد فی العالم عبر هاتف جوّال بسیط وإنّ وجود إمكانیّات من قبیل الصحن اللاقط وشبكة الانترنت قد وفّرت فی أیّامنا أرضیّة الوصول إلى الفساد بیسر وسهولة، فی حین أنّ مثل هذا الخطر لم یكن موجوداً على الإطلاق قبل عشرین سنة خلت.
وتابع استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة القول: من المؤسف أنّ أمواج هذا الفساد قد سرت إلى أقدس الكیانات والمراكز الأمر الذی أدّى إلى تفكّك الاُسر وتحلّلها.
وعبر تأكید العلامة مصباح الیزدی على أنّه من غیر المنطقیّ أن نتوقّع من أجهزة الحكومة مواجهة هذا الفساد بمفردها وأنّه یتعیّن على الجمیع العمل على تحقّق هذا الهدف السامی أضاف سماحته: الحكومة وأجهزتها فی الإسلام لا تُعتبَر كیاناً منفصلاً عن الاُمّة بل هی جزء لا یتجزّأ منها وهی تتولّى جانباً من شؤون البلاد وفقاً لقاعدة تقسیم الأعمال. وحتّى لو افترضنا أنّ محاربة الفساد هی من مسؤولیّة الدولة فإنّه بالنظر إلى سعة نطاق أمواج الفساد فإنّ الجمیع مكلّفون بالنهوض لمدّ ید العون إلى الدولة ونصرتها فی هذا المجال؛ كما حصل إبّان فترة الدفاع المقدّس حیث على الرغم من أنّ مهمّة الدفاع عن الوطن كانت – فی الظاهر – على عاتق الجیش، لكن بما أنّ وضع الجیش بعد انتصار الثورة لم یكن مستقرّاً وكان یفتقر إلى القوّة والجهوزیّة الكافیة فقد نزل الشعب إلى المیدان وملأ جبهات القتال بالمجاهدین.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة القول: فی الوقت نفسه لا ینبغی بالطبع أن نذهب بتفكیرنا بعیداً إلى حیث الخیال واللاواقعیّة؛ بمعنى السعی باتّجاه أن لا تكون ثمّة أیّ أرضیّة للفساد فی المجتمع وأن لا یُبتلَى أیّ فرد فیه بأیّ شكل من أشكال المعاصی، ذلك أنّ أمثال هذه الامور وتنفیذ الحدود كانت موجودة حتّى فی زمن الرسول الأكرم (صلّى الله علیه وآله) وفی عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام)، بل إنّ هذه أساساً هی الحكمة من سنّ الأحكام والقوانین الجزائیّة. غیر أنّه لابدّ من محاربة ألوان الاعوجاج الفکریّ والانحرافات السلوكیّة قدر المستطاع، ولا ینبغی فی هذا السبیل الاعتماد على الجهود الفردیّة بل لابدّ - بالنظر إلى حجم المشكلة ونطاقها الواسع - من وضع القدرة الجمعیّة وتعاون التشكیلات المختلفة فی الحسبان، بل وقد یقتضی الأمر – من باب أنّ مقدّمة الواجب واجبة – تشكیل مجموعة تتولّى هذا الأمر.
وضرب استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة مثلاً وهو أنّ الذی یكون نفسه حاملاً لجرثومة الكولیرا لا یجوز له الاختلاط بالمجتمع بحجّة معالجة المصابین بهذا الوباء الخطیر وأضاف: إنّنا لن نكون مؤهّلین لمواجهة الفساد الاجتماعیّ والغزو الثقافیّ مالم نعمل فی المرحلة الاولى على وقایة أنفسنا وصیانتها من أیّ شكل من أشكال التلوّث بل وأن نجتنب صغائر الذنوب أیضاً.
وقال آیة الله مصباح الیزدی متابعاً: إنّ من أهمّ الآفات التی تستدعی إیجاد تكلیف خاصّ لورثة الأنبیاء هی وجود الانحرافات الدینیّة فی أوساط المتدیّنین. ولتوضیح ذلك نقول: بما أنّ الأعداء یدركون الآن أنّ أنجع السبل لإضعاف المسلمین واستثمارهم هو العمل على إضعاف إیمانهم وسلبهم دینهم، فقد راحوا یزرعون بذور الفرقة والخلاف بین أصحاب الأدیان التوحیدیّة، والفرق الإسلامیّة، بل وحتّى بین أرباب المدارس المعنویّة المختلفة وذلك من خلال إشاعة مناهج العرفان الزائف.
وتابع بالقول: لعلّ من الأرضیّات التی ساعدت على إشاعة أنماط العرفان الزائف والمیل إلى ادّعاء الاتّصال بصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) هی أنّ عطش الوصول إلى السعادة لدى اولئك الذین شاركوا فی جبهات القتال انطلاقاً ممّا یحملونه من الروح التعبویّة وكانوا على استعداد للتخلّی عن الثروة والراحة فی سبیل الله تعالى – إنّ عطشهم هذا بقی متأجّجا فی أحشائهم بعد انتهاء الحرب وحیث إنّ الظروف التی أعقبت الحرب لم تكن مواتیة لإرواء هذا العطش فقد اغتنم الأعداء الفرصة من خلال ابتداع العرفان الزائف؛ ذلك أنّ العثور على المربّی الكفوء لم یكن میسوراً، ولما لم یجد الذین یشكون عطش الوصول إلى السعادة الماء الزلال لإرواء ظمئهم فقد اجتذبهم سراب العرفان الزائف وخداع من یدّعی الاتّصال بصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف).
وأضاف سماحته أیضاً: حتّى أنّ بعض الساسة المحتالین یتّخذون من مزاعم الاتّصال بصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشریف) وسیلة للوصول إلى مآربهم الدنیئة، وهنا یأتی دور طلبة العلوم الدینیّة والعلماء فی الوقوف بوجه هذا النمط من الزیغ كی لا یقع أفراد المجتمع والمتدیّنون فی أشراك هؤلاء.
یُذكر أنّ هذه المراسم قد اُقیمت فی الرابع من تشرین الأوّل عام 2011م فی مدرسة المعصومیّة العلمیّة بقمّ المقدّسة.

آخرین محتوای سایت

کتاب صوتی «آیین پرواز» منتشر شد.
کتاب صوتی «آیین پرواز» در پایگاه اطلاع‌رسانی آثار حضرت‌آیت‌الله مصباح یزدی رضوان‌الله علیه بارگذاری...
راهکارهایی برای تهذیب و خودسازی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلَوةُ وَالسَّلامُ...
اقسام خدمات ممکنِ پزشکان به جامعه بشریت
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیم الْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ...
ارزش واقعی لحظات زندگی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ وَالصَّلَوةُ وَالسَّلامُ...
تحصیلات دینی خواهران؛ ضرورت‌ها و موانع
بسم الله الرّحمن الرّحیم الحمد لله ربّ العالمین و صلّی الله علی سیّدنا محمّد وآله الطّاهرین...
القرآن الكريم دواء أصعب الأمراض
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهُمّ...

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...