العلامة مصباح الیزدی: إنّ أهمّ واجبات الحوزات العلمیّة الیوم هو الاهتمام بالمسائل الأخلاقیّة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار عضو مجلس خبراء القیادة فی خطابه الذی ألقاه ضمن مراسم الاحتفال ببدء العام الدراسیّ الجدید فی المعهد العالی للتربیة والأخلاق – أشار إلى ضرورة وأهمّیة النشاطات الأخلاقیّة فی حیاة الإنسان وقال: باختصار فإنّ صلاح المرء وفساده وسعادته وشقاءه هی - قبل كلّ شیء - رهن أخلاقه وسلوكیّاته، لاسیّما إذا فُسّرت الأخلاق بحیث تشمل السلوك، والـمَلَكات، والأهداف الدنیویّة والاخرویّة.
وتطرّق العلامة مصباح الیزدی إلى منزلة المعارف والتوصیات الأخلاقیّة ضمن مجموعة المعارف والمناهج الإسلامیّة وقال مستشهداً بآیات من القرآن الكریم: یصرحّ القرآن بأنّ مهمّة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) هی التزكیة المصحوبة بالتعلیم كما أنّ المراد من التعلیم فی القرآن هو تعلیم الكتاب والحكمة حیث تُستعمل كلمة الحكمة هنا للإشارة إلى المسائل الأخلاقیّة.
وتابع سماحته قائلاً: یبیّن النبیّ الكریم (صلّى الله علیه وآله) أنّ الهدف من بعثته هو تتمیم مكارم الأخلاق، وهو ما یحكی عن المكانة السامیة التی تتمتّع بها الأخلاق ومدى عظمتها فی دیننا الإسلامیّ.
ثمّ تناول عضو مجلس خبراء القیادة البعد التاریخیّ للنشاطات الأخلاقیّة طیلة تاریخ الإسلام وأضاف: وعلى الرغم من ضرورة الدراسة والبحث فی حقل الأخلاق الإسلامیّة لما تتمتّع به الأخلاق من منزلة رفیعة فی الدین، غیر أنّنا نلاحظ – مع شدید الأسف – أنّ هذا الموضوع لم ینل إلاّ القلیل من الاهتمام.
وقال سماحته: لو ألقینا نظرة على مجموعة الكتب المؤلّفة فی حقل المعارف الإسلامیّة لرأینا أنّ مجموعة ضخمة من الكتب قد تمّ تألیفها لحدّ الآن، ففی حقل الفقه والاصول مثلاً هناك الآلاف من الكتب والمصنّفات فی حین أنّ عدد الكتب الأخلاقیّة قلیل إلى درجة لا یمكن قیاسه الى كتب الفقه والاصول.
وفی معرض الإشارة إلى السیاق التاریخیّ لتصنیف كتب الفقه والاصول قال سماحة مصباح الیزدی: یقول البعض إنّ الأحادیث الأخلاقیّة واضحة ولا تحتاج إلى مزید بحث وتفسیر، والحال أنّ نفس هذا الموضوع ینطبق على روایات الفقه والاصول أیضاً. فلو حذفنا – على سبیل المثال – روایة «لا یُنقض الیقین بالشكّ» وحذفنا معها حدیثاً أو حدیثین من كتاب الاستصحاب فإنّه لا یبقى من الأمر شیء، والحال أنّ هذه الروایة تبدو – للوهلة الاولى – بالغة البساطة والوضوح وقابلة للفهم، لكنّه بعد التتبّع وأخذ فروعها بالحسبان فقد كُتبت حول تلك الروایات الكتب والمصنّفات. أمّا فیما یتعلّق بالروایات الأخلاقیّة فإنّها لم تُعرَّض لمثل هذا التتبّع ولم تُبذل فی حقّها جهود تذكر.
وتطرّق العلامة مصباح الیزدی إلى ما تتمتّع به الأخلاق فی الدین الإسلامیّ الحنیف من مكانة سامیة بالقیاس الى الاصول والفقه أضاف سماحته: مع أنّ التقصیر فی هذ الأمر لم یكن من جانب عظمائنا وعلمائنا الأعلام، أمّا نحن فلا نملك الیوم أیّ عذر وحجّة تعفینا من العمل فی مجال الأخلاق. بل إنّنا إذا أمعنّا النظر فی الظروف الراهنة وملابسات عصرنا الحاضر فسنقف أكثر على مدى ضرورة الاهتمام بالمسائل الأخلاقیّة.
ثمّ قال استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة مستشهداً بآیة من الذكر الحكیم: إنّ تصرّفات الإنسان القبیحة وأعماله المشینة سوف تلقی بظلالها شیئاً فشیئاً على معتقداته الأمر الذی یقوّض دعائم واُسس عقائده ویعرّضها لخطر داهم.
وتابع سماحته بالقول: لقد تنامت الیوم أشكال الفساد وتوسّعت أنماطه إلى حدّ لم تنج من خطره وخبائثه حتّى أشرف وأطهر المؤسّسات، كما أنّ العدوّ من جانبه یعمل بكلّ إمكانیّاته من أجل تضعیف الإسلام عبر نشر الفساد وإشاعة الفحشاء، ولیس من سبیل على الإطلاق للخروج من هذه الأزمة سوى العمل الإیجابیّ الدءوب لمواجهة هذه التحدّیات.
وأضاف آیة الله مصباح الیزدی قائلاً: إنّ من أهمّ الواجبات التی یتعیّن على الحوزة العلمیّة النهوض بها فی العصر الحاضر هو البحث والتفكیر فی حقل الشؤون الأخلاقیّة وتناول المعارف الأخلاقیّة.
ولدى تأكید عضو مجلس خبراء القیادة على عدم إمكانیّة اللجوء إلى القوّة للوقوف بوجه الفساد قال سماحته: على الرغم من أنّه یتعیّن على الحكومة الإسلامیّة القیام بواجبها فی مواجهة مظاهر الفساد، لكنّ ذلك لا ینقص من تكلیفنا شیئاً؛ فعلینا بذل الجهود على صعید توضیح وتبیین ما جاء فی معارف أهل البیت (علیهم السلام) من ناحیة، وأن نسلك فی مقام العمل سلوكاً من شأنه أن یحدّ من إیجاد الدافع إلى الفساد من ناحیة اخرى.
وفی ختام حدیثه توجّه سماحة العلاّمة مصباح الیزدی بالخطاب إلى طلبة المعهد العالی للتربیة والأخلاق وإلى كافّة الناشطین فی مجال الأخلاق قائلاً: إنّ الفرق الأساسیّ بین هذا الفرع العلمیّ وسائر الفروع هو أنّ هدف هذا الفرع یظهر على صعید العمل وأنّه لابدّ من أن یؤثّر فی أخلاقیّات المجتمع، ومن هذا المنطلق یجب على المرء المنخرط فی هذا الحقل أن یسعى ابتداءً فی تربیة نفسه وبنائها لیكون قادراً على تربیة الآخرین.
یُذكر أنّ هذه المراسم قد اقیمت فی الیوم 12 تشرین الأوّل 2011م فی المعهد العالی للتربیة والأخلاق.