آیة الله مصباح الیزدی: لا تزال ثقافة الشهادة مظلومة فی بلدنا

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی ففی الملتقى الذی اُقیم فی مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بتاریخ 27 أیلول 2011م تحت شعار «التمسّك بالولایة فی ثقافة الجهاد والشهادة» فقد أشار سماحة مصباح الیزدی إلى ما تحمله الشهادة وحبّ الشهادة من قیمة علیا قال سماحته: إنّ حبّ الشهادة هو من الامور التی أسّس الاهتمام بها للثورة الإسلامیّة؛ وإنّها - حالها فی ذلك حال العدید من المعارف الإسلامیّة الاخرى - قد عانت من الإهمال فی فترة من الزمن، لكنّها، وببركة نهضة الإمام الخمینیّ الراحل (قدّس سرّه) وانتصار الثورة الإسلامیّة، فقد أصبحت محطّ اهتمام وأضحت ممّا یُعمَل به فی الوقت الحاضر.
تصنیف موسوعة تهتمّ بالمسائل المتّصلة بالشهادة یُعدّ من الأولویّات
وذكر استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: على الرغم من مضیّ سنوات طویلة على ربیع الشهادة فی بلدنا، والكمّ الهائل من الأبحاث والخطابات والمقالات التی طُرحت واُلقیت وكُتبت فی مجال الجهاد والشهادة، فلازلنا نشعر أنّ هناك فراغاً لا یُسدّ إلاّ بموسوعة تتناول مسائل الشهادة كی تبقى أثراً خالداً ینتفع منه أجیال المستقبل.
وأشار آیة الله مصباح الیزدی إلى المحاور التی ینبغی تناولها فی هذه الموسوعة وقال: أحد هذه المحاور لابدّ أن یكون تأثیر ثقافة الشهادة على بناء المرء لنفسه والسموّ بروحه وأخلاقه.
وأضاف سماحته: یمثّل رجاءُ لقاء الله أحد القیم الإنسانیّة العالیة وهو علامة على الولوج فی منطقة حریم الباری تعالى. لذا من الضروریّ تعریف الناس بالمنزلة الرفیعة للشهادة، وأنّه كیف یتسنّى للمرء المحبّ لذاته، والذی یحدوه الأمل للحیاة الطویلة، والساعی وراء المزید من الرفاهیة والراحة أن یعشق الموت والشهادة إلى درجة قول أمیر المؤمنین (علیه السلام): «فوالله لابنُ أبی طالب آنَسُ بالموت من الطفل إلى محالِب اُمّه‏»؟
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة بالقول: ولابدّ فی هذا المحور من مناقشة الدور الذی ینهض به الذین یتمتّعون بروح حبّ الشهادة فی رقیّ مجتمعهم والوصول ببلدهم الإسلامیّ إلى ذرى العزّ والمجد.
المعتقدات تضع حجر الأساس لروح حبّ الشهادة
ومن خلال إشارة العلامة مصباح الیزدی إلى دور المعتقدات فی هذا الأمر قال سماحته: المحور الآخر الذی ینبغی طرحه فی هذه الموسوعة هو ما تنهض به معتقدات الناس وعقائدهم فی خلق روح حبّ الشهادة.
وأكّد سماحة مصباح الیزدی على ضرورة أن یشكّل دور الإسلام فی غرس هذه الروح أحد المحاور المبحوثة فی الموسوعة وأضاف: هل یستطیع أیّ دین یعتقد ببقاء الروح أن یغرس هذه الروحیّة فی نفس المرء، أم إنّ الإسلام ینفرد فی تحقّق حبّ الجهاد والشهادة فی سبیل الله؟
واستطرد استاذ الفلسفة والتفسیر فی الحوزة العلمیّة بالقول: الإسلام یجعل للشهید قیمة علیا، ولا یجیز إطلاق لفظ «المیت» علیه، وإنّ الأحادیث المرویّة عن النبیّ الأكرم (صلّى الله علیه وآله) وأهل بیته المعصومین (صلوات الله علیهم أجمعین) تُعدّ - إلى جانب الآیات القرآنیّة - شاهداً على هذا المدّعى، حیث لابدّ من بیان هذه المسألة كمحور آخر من محاور البحث والدراسة فی الموسوعة.
ورأى عضو مجلس خبراء القیادة أن یتمّ تناول مسألة الشهادة من الناحیة التاریخیّة كمحور آخر من محاور الموسوعة وقال: لقد حازت قضیّة الشهادة تاریخیّاً أهمیّة بالغة ومن الممكن جعل هذا الموضوع محوراً للبحث والدراسة أیضاّ. ویتعیّن الالتفات هنا إلى مدى الدور العظیم الذی نهض به الشهداء منذ بزوغ شمس الإسلام فی عملیّة سموّ الدین الإسلامیّ والمضیّ فی مسیرته.
ینبغی تبیین قیمة الشهادة للمجتمع على نحو صحیح
وأكّد سماحة مصباح الیزدی قائلاً: من وجهة النظر الثقافیّة فإنّه لا زال هذان العنصران «الشهادة والجهاد الإسلامیّ» غریبین، فما زال بعض الأصدقاء، وبعد مضیّ أكثر من ثلاثین عاماً على انتصار الثورة، یخلطون بین الجهاد والشهادة فی سبیل الله وبین تلك التی فی سبیل الماء والتراب والوطن، فهم إلى الآن یعتبرون الدفاع عن ماء الوطن وترابه هو الدفاع المقدّس. وإنّ هذه القضیّة هی من الثقل والجسامة ممّا لا یُلام المرء إذا مات حزناً وكمداً بسببها.
وقال آیة الله مصباح الیزدی: إنّ الشعور بضرورة الدفاع عن الماء والتراب یشترك به الإنسان والحیوان، والحقّ والباطل، بل وحتّى المؤمن والكافر، ولا فخر فی ذلك. والعجیب أنّه بعد مضیّ ثلاثین عاماً على الثورة وتقدیم كلّ تلك التضحیات من خیرة زهور البلد وشبابها فإنّه لا زال فی مؤسّسة الإذاعة والتلفزیون للجمهوریّة الإسلامیّة من یخلط بین محمّد جهان آرا وأمثاله وبین من دافع عن أرضه وترابه قبل آلاف السنین.
وأكّد رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بالقول: بعد مضیّ كلّ تلك المدّة فإنّنا لم نستطع إلى الآن أن نبیّن للناس قیمة الدفاع عن الدین، أو الفرق بین أمثال محمّد جهان آرا وأمثال آرش كمانغیر، إذن فالشهادة لا زالت مظلومة فی ثقافة بلدنا.
وتابع سماحته: لو أنّنا استوعبنا مسألة أنّ قطرة واحدة من دم جهان آرا لا یمكن أن تقارن بأیّ حال من الأحوال بدم آرش كمانغیر وأمثاله لفهمنا حینئذ قیمة الشهادة. فقیمة الدم المراق فی سبیل الماء والتراب تعادل قیمة ذلك الماء والتراب، أمّا الدم المراق من أجل الدفاع عن دین الله تعالى وفی سبیله فإنّ له قیمة إلهیّة، فهل من مجال للقیاس بین الاثنین؟
وأضاف استاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة القول: لابدّ أن تُبدوا اهتماماً أكبر بقضیّة الشهادة وتبیین ثقافتها فی المجتمع، وأن لا تخلطوا بین الشهادة وبین التوجّهات القومیّة والمیول الوطنیّة، فإنّ من تبعات هذا الخلط انحطاط المجتمع وسقوطه فكریّاً.
وعبر إشارة عضو مجلس خبراء القیادة إلى الیقظة الإسلامیّة التی عمّت العالم قال: یحاول البعض التستّر على كون الثورات الحالیة ثورات إسلامیّة، ویمیلون إلى القول: إنّ الناس یصبون إلى الحرّیة، فهم یحاولون إضفاء النزعة الإنسانیّة على تلك الحركات، فی حین أنّ جمیع تلك الحركات قد انطلقت بفضل الإسلام وهی إسلامیّة بكلّ ما فی الكلمة من معنى.
وقال العلامة مصباح الیزدی أیضاً: الإنسان بما هو إنسان لیس له قیمة، وإنّ شرف الإنسان یكمن فی إیمانه وارتباطه بربّه عزّ وجلّ، وإنّ قیمة الشهید والشهادة فی ثقافتنا هی فی بذله نفسَه فی سبیل الله تعالى ودینه. وإنّ من واجبنا تبیین هذه الثقافة وإشاعتها على صعید المجتمع.