العلاّمة مصباح الیزدی: كلّ قیمة تُطرح إلى جانب الإسلام أو كبدیلٍ عنه فهی انحراف

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث لدى لقائه بجمع من أساتذة وطلبة الجامعات – أشار إلى انتصار الثورة الإسلامیّة بفضل نهضة الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه) وقال: كان المحور الأساسیّ والعنصر المشترك لتوجیهات الإمام الراحل (رحمه الله) وشعاراته طیلة مسیرته هو إحیاء الإسلام، لكنّنا نلاحظ أنّ انتصار الثورة قد حصل فی وقت كانت توجد فی الساحة السیاسیّة للبلاد أحزاب مختلفة ذات توجّهات شتّى ومیول متضادّة، هذا من ناحیة، ومن ناحیة اخرى فقد كان الجیش وقوّات الشرطة تعانی من التفكّك والانحلال فلم تكن هناك قوّة یُعوَّل علیها فی تأمین أمن البلاد من الداخل وصدّ هجمات الأعداء من الخارج، ومن ناحیة ثالثة فقد كان الأعداء یتربّصون بالثورة الدوائر ویحاولون استغلال هذه الفرصة سعیاً وراء تأمین مصالحهم.
وتابع العلامة محمّد تقی مصباح الیزدی القول: ثمّ جاء نشوب الحرب التی استمرّت ثمانیة أعوام بحیث استنزفت جزءاً عظیماً من القدرة المالیّة والاقتصادیّة للبلاد لیضاف إلى كلّ هذه الأزمات. حتّى إذا وضعت الحرب أوزارها وآلت البلاد بعد كلّ تلك الأحداث إلى الاستقرار والهدوء تبادر إلى أذهان البعض السؤال التالی: لماذا لم یصبح بلدنا بعد تقدیم جمیع تلك التضحیات بلداً إسلامیّاً تُطبّق فیه أحكام الإسلام كافّة؟ ولماذا تقع فیه بعض الأحداث المشابهة لأحداث ما قبل الثورة بل وأسوأ منها أحیاناً؟
وأضاف سماحته: لقد ولّدت هذه القضایا قلقاً لدى المتدیّنین وخشیة من أن تعود الأوضاع إلى سابق عهدها. لكن كان هناك فی الوقت ذاته أشخاص یتمتّعون ببصیرة ثاقبة، فكانوا یدركون مجریات الأحداث جیّداً ویشكرون الله تعالى على قیام مثل هذا النظام الإسلامیّ، ویعلمون أنّه من الممكن أن تنبت أعشاب ضارّة إلى جوار هذه الشجرة الطیّبة، أمّا الكثیرون فكانت الامور مبهمة بالنسبة لهم.
واستطرد عضو مجلس خبراء القیادة فی حدیثه قائلاً: لعلّ هذا السؤال لا زال یجول فی أذهان البعض وهو: لماذا نشاهد فی المجتمع إلى الآن بعض مظاهر انعدام التدیّن ولماذا لا یُعمل على رفعها وقد قدّمنا كلّ تلك التضحیات وتحمّلنا ما تحمّلنا من التكالیف؟
وقال آیة الله مصباح الیزدی مشیراً إلى آیات من القرآن الكریم: الحقّ لا یظهر خالصاً على الإطلاق بل یكون ممزوجاً ببعض الشوائب دائماً. لكن لابدّ من الالتفات إلى أنّ تلك الشوائب هی إلى فناء وزوال، وأنّ ما تقع علیه عین الإنسان للوهلة الاولى عند إلقاء نظرة إلى المجتمع هی تلك الشوائب.
وتابع آیة الله مصباح الیزدی: وهذه المسألة هی من التدبیرات الإلهیّة التی جعل منها الله سبحانه وتعالى أرضیّة لامتحان الإنسان وإعطائه فرصة الاختیار، ولولا ما یشوب الحقّ من الباطل لما عُرف الذین ضحّوا فی سبیل الحقّ دون غیره على نحو صحیح.
وفی معرض إشارة سماحته إلى بعثة نبیّ الإسلام المكرّم (صلّى الله علیه وآله) وخلق حالة تحوّل عظیم فی مجتمع كان فی الحضیض من حیث الثقافة والحضارة، أضاف قائلاً: لقد حصل ببركة مجیء الإسلام تحوّل عظیم فی المجتمع خلال زمن قصیر، لكنّنا نجد من بین هؤلاء وباسم الامّة الإسلامیّة ممن قد ارتكب من الجرائم البشعة ما لم یرتكبه حتّى عرب الجزیرة العدیمی الثقافة والحضارة قبل الإسلام. فعلى سبیل المثال لم ینقل لنا التاریخ بتاتاً أنّ طفلاً رضیعاً قد رُمی بسهم مسموم، فی حین أنّ الذین قاموا بهذا الفعل كانوا مسلمین وفقاً للموازین الظاهریّة.
وقال أیضاً: وحتّى اولئك الذین تربّوا فی كنف الرسول (صلّى الله علیه وآله) وقدّموا للاُمّة الإسلامیّة خدمات جلیلة فقد وقفوا فی نهایة المطاف بوجه الحقّ وعارضوه.
وفی إشارة لسماحة مصباح الیزدی إلى وجود الأحزاب المتعدّدة ذات التوجّهات المختلفة الماركسیّة والقومیّة واللیبرالیّة وحزب تودة فی زمان الثورة، أضاف سماحته: حتّى المسؤولون الذین تولّوا مناصب حسّاسة فی البلاد والذین كانوا یرتدون زیّ علماء الدین فقد كان من بینهم من یرى أنّ اللیبرالیّة تمثّل أوج ما توصّل إلیه العقل البشریّ. والحقیقة أنّ هؤلاء یمثّلون تلك الشوائب الممزوجة مع الحقّ والتی ستزول بمرور الزمن. أمّا الثوریّون فلابدّ لهم من الصبر والثبات والاستقامة لئلاّ یجرفهم السیل ولكی یتمكّنوا من السیطرة علیه. ولعمری إنّ استقامة هؤلاء هی التی أزاحت حزب تودة، وحزب المجاهدین، والماركسیّین وغیرهم من المشهد السیاسیّ.
وأكّد عضو مجلس خبراء القیادة على أنّ بنیان الكون مشیَّد على خلط الحقّ بالباطل، وذلك من أجل أن یُمتحَن الناس ویبذلوا قصارى جهودهم ویعرفوا الحقّ عبر السعی الحثیث والجهاد، ویطبّقوه على أرض الواقع، وهی غایة لا تُدرَك إلاّ بالجهاد. وهذه السنّة الإلهیّة كانت موجودة منذ صدر الإسلام وقد جرت أیضاً على الثورة الإسلامیّة وستظلّ ساریة المفعول على الدوام.
وأوضح العلامة مصباح الیزدی أنّ اختبار الناس وامتحانهم هو من السنن الإلهیّة وقال: إنّ صعوبة الامتحانات الإلهیّة وتعقیدها ینبع من كونها حقیقیّة، ذلك أنّ الامتحان إذا كان سهلاً فلن یتحقّق الاختبار به. وبناءً علیه فقد جُعل الحقّ والباطل دائماً فی حالة اختلاط وامتزاج كی یمیّز أصحاب البصیرة والهمم العالیة والإیثار بینهما فیقفوا مع الحقّ ما دام حقّاً، ویقفوا بوجهه حیثما ظهرت علیه بوادر الزیغ والانحراف.
وعبر استعراض اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة لآیات اخرى من الذكر الحكیم قال سماحته: یتعیّن على الذین یمتلكون البصیرة والقدرة الكافیتین أن یفصلوا بین الحقّ والباطل.
وأكّد سماحته على أنّ أعظم نعمة إلهیّة بعد انتصار الثورة الإسلامیّة هی تولّی القادة الصالحین لمقالید الامور، وأضاف: إنّ أكبر نعمة أسبغها الله علینا بعد انتصار الثورة وقیام هذا النظام الإسلامیّ هی أنّه عرّفنا بقائد فذّ وغرس حبّه فی قلوبنا على الرغم من وجود الكثیر من الموانع. فسیرة حیاة هذا الشخص إمّا أنّها خالیة تماماً من أیّ نقطة ضعف أو أنّ نقاط الضعف فیها نادرة جدّاً إذا وُجدت، فی حین أنّ منافسیه والمعارضین له فی الداخل والخارج مدنَّسون من أخمص أقدامهم إلى قمّة رؤوسهم.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة القول: إذا ما تصفّحنا سِیَر الزعماء والرؤساء والملوك والسلاطین فی سائر بلدان العالم فسنجد أنّ أغلبهم مبتلون بأنواع الفساد المالیّ والجنسیّ والأخلاقیّ، فی حین أنّ الله سبحانه وتعالى قد منّ علینا - والحال هذه - بقائد لم یستطع أعداؤه مهما حرصوا أن یأخذوا علیه ولو مثلبة أو نقطة سوداء واحدة طیلة حیاته.
واستطرد رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی حدیثه فقال: القضیّة الاخرى التی ینبغی أن لا نغفل عنها هی أنّ ثورتنا قد اندلعت باسم الإسلام وانتصرت باسم الإسلام أیضاً وهی قائمة بالقیم الاسلامیّة، ومن هنا فإنّ أیّ قیمة تُطرح إلى جانب الإسلام أو كبدیلٍ عنه فهی ضرب من الانحراف، سواء أطُرِحت بنیّة صائبة أم باطلة.
وأضاف سماحته: إنّ توقُّع تنفیذ أحكام الإسلام جملة واحدة هو توقّع لیس فی محلّه، فالزَّبَد یعلو السیل باستمرار، لكنّ المهمّ هو أن تكون مسیرتنا دائماً باتّجاه الاسلام وأن یشكّل الأخیر روح جمیع شعاراتنا.