آیة الله مصباح الیزدی: إنّ ذروة العلوم الإنسانیّة الغربیّة تمثّل نقطة البدایة فی الثقافة الإسلامیّة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی «مؤتمر العلوم الإنسانیّة» الذی اقیم فی المؤسّسة المذكورة بتاریخ 16 تشرین الثانی 2011م إلى أنّ الهدف من تأسیس هذه المؤسّسة هو السعی فی طریق أسْلَمَة الجامعات وإصلاح وتغییر العلوم الإنسانیّة بما ینسجم مع الاُسس الإسلامیّة وقال: لقد تصدّرت قضیّة أسْلَمَة الجامعات بشكل خاصّ، والثقافة الاجتماعیّة بشكل عامّ قائمة المسائل التی أكّد علیها الإمام الخمینیّ الراحل (قدّس سرّه الشریف).
وبیّن العلامة مصباح الیزدی مشیراً إلى الخطوات المتّخذة فی هذا المجال: إنّ ممّا یدعو إلى التأمّل وما ینبغی أن یعمل البعض من خلال البحث والتحقیق على توضیحه هو قضیّة أنّه لماذا لا زلنا فی أوّل هذا الطریق على الرغم من تأكید الإمام الراحل وقائد الثورة المعظّم وغیرهم من الحریصین على النظام والمخلصین له طیلة عمر الثورة الإسلامیّة؟ فلابدّ من تقدیم توضیح حول المشاكل والموانع التی تعیق تقدّم هذا الأمر العظیم والتحرّی عن الأسباب التی تجعله فی مراحله الاُولى لحدّ الآن.
ورأى سماحته أنّ من جملة العوامل التی تعیق عملیّة إنتاج العلوم الإنسانیّة الإسلامیّة فی البلاد هی ترسّخ الثقافة العلمیّة الغربیّة وتنمیتها فی إیران على مدى ثلاثة قرون من الزمن لاسیّما فی أوائل عهد انتصار الثورة الإسلامیّة والاعتقاد الخاطئ لدى أكثریّة المثّقفین بضرورة الانصیاع الكامل للثقافة والمناهج الغربیّة من أجل تطویر البلاد وتنمیتها، وأضاف: إنّ إحلال ثقافة الثقة بالنفس والاعتماد على ثقافة أفضل وأغنى وأكثر كفاءة فی مجال التنمیة فی البعد الإنسانیّ یُعدّ عملاً شاقّاً للغایة ویحتاج إلى أدوات لم تتهیّأ لحدّ الآن مع شدید الأسف.
وذكّر الاُستاذ فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة بالأمر القرآنیّ القاضی بعدم الیأس من رحمة الله على الرغم من وجود العقبات والموانع المختلفة. وقال مشیراً إلى الانتصار المثیر الذی حقّقه حزب الله فی حرب تمّوز التی استمرّت ثلاثة وثلاثین یوماً: لقد أثبت لنا الله عزّ وجلّ أنّه قادر على تحویل المستحیل وغیر الممكن إلى سهل وممكن، وأنّه إذا عزمت ثلّة قلیلة من الاُمّة وشمّرت عن ساعدها للسیر فی جادّة الصواب والاعتماد على بارئها فی هذا السبیل فإنّه جلّ وعلا ناصرها لا محالة.
وأضاف العلامة مصباح الیزدی مبیّناً أنماط التحوّلات فی العلوم: انّ بعض الأنماط من التحوّل یكون منطبقاً مع قوانین هذا العالم ولا یختصّ بالعلوم الإنسانیّة بل ویشمل حتّى العلوم الأساسیّة أیضاً. لكنّ التحوّل المطلوب فی العلوم هو التحوّل باتّجاه صیرورتها إسلامیّة.
وتابع الاستاذ مصباح الیزدی قائلاً: مضافاً إلى ما تعانیه مناهج العلوم الإنسانیّة التی تُدرّس فی الجامعات من نقاط ضعف عادیّة فهی تشكو من نقاط ضعف أساسیّة فیما یتعلّق بالاصول الموضوعة؛ فهی تحتوی على قضایا مفروضة الصحّة خارجة عن نطاق العلم ومستندة إلى اُسس فلسفیّة وایدیولوجیّات لا تنسجم مع الإسلام، بل – وكما قال قائد الثورة المعظّم (مدّ ظلّه) – انّها مناهضة للإسلام فی بعض المواطن.
ورأى اُستاذ الحوزة والجامعة أن مسألة التحوّل فی العلوم الإنسانیّة لا تنحصر فیما تصدره مراكز صنع القرار والجهات التنفیذیّة كالبرلمان والمجلس الأعلى للثورة الثقافیّة والأجهزة الحكومیّة من قرارات وما ترصده لذلك من میزانیّات، وقال: مضافاً إلى ما یستلزمه هذا الأمر من تخطیط مدوّن، وإعداد خطط شاملة، وتحدید السبل العملیّة لتنفیذه ورصد میزانیّة مناسبة وتوفیر الأساتذة الأكفاء فإنّه لابدّ لهذا الغرض من تهیئة أرضیّة ثقافیّة مناسبة فی المجتمع؛ ذلك أنّ الحدیث هنا یدور حول الفكر. لذا یتعیّن طرح الأفكار الهشّة والخاطئة على طاولة البحث ومناقشتها باسلوب علمیّ وتقدیم الأفكار الجدیدة والصحیحة محلّها والعمل على إثباتها. ولا یُلام أحد إذا زعم أنّ هذا العمل یفوق فی صعوبته حرب الدفاع المقدّس التی استمرّت ثمانیةأعوام.
وتطرّق عضو مجلس خبراء القیادة إلى النظریّات التی وضعها مؤسّسو علم النفس من أمثال فروید ومازلو مؤكّداً على أنّ الاُسس والنظریّات التی اعتمدها هؤلاء مغایرة للإسلام وأضاف: إنّ ما یُعتبر فی علم النفس الحدیث (النزعة الكمالیّة والنزعة الإنسانیّة) بأنّه ذروة الرقیّ البشریّ فهو یُعدّ - وفقاً للثقافة الإسلامیّة - نقطة البدایة فی مسیرة تكامل الإنسان.
وقال سماحته متابعاً: یتعیّن على الجمیع السیر فی هذا الطریق بخطى موزونة ومدروسة كلٌّ بحسب طاقته ووسعه، وأن لا یخشوا من العقبات والنقائص ویواجهوها بشیء من التسامح وسعة الصدر، وأن یكونوا على ثقة بأنّ الله سبحانه وتعالى كما مدّ أصحاب بدر بالملائكة فإنّه سیمدّ ید العون والمساعدة أیضاً للجامعیّین إذا لمس فیهم الاستعداد الكافی.
وأضاف آیة الله مصباح الیزدی مستطرداً فی حدیثه: إنّ الحدّ الأدنى لما یمكن لأساتذة الجامعات القیام به كخطوة اولى على طریق حركة جوهریّة هو أن یلقوا فی أذهان طلاّبهم قضیّة قابلیّة النظریّات الغربیّة للنقد ویُعِدّوهم بما اوتوا من وسع لمواجهة هذه النار العظیمة التی تستعر فی ثقافتنا وكلّ شؤون حیاتنا الیومیّة.
ورأى سماحة مصباح الیزدی فی ختام حدیثه أنّ إیجاد تغییر فی العلوم الإنسانیّة وإصلاحها والمضیّ فی طریق أسْلَمَة الجامعات هی من جملة ما یطالب به شعبنا بشکل جدّی وقال: إنّ علوّ الهمم، والمثابرة الجدّیة، والتعاون المسؤول وتبادل التجارب والعلوم بین الجامعیّین والحوزویّین تُعدّ جمیعها من الخطوات الأساسیّة باتّجاه هذه الغایة المهمّة.