العلاّمة مصباح الیزدی: علینا فصل الخرافات والتقالید والأعراف التقلیدیّة عن الثقافة الإسلامیّة المختلطة بها ونبذها بشدّة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد أكّد العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی فی الملتقى الوطنی الذی اُقیم تحت شعار «الجنس من وجهة نظر الدین وعلم النفس» فی یوم الخمیس الموافق للسابع عشر من تشرین الثانی 2011م والذی تخلّلته أیضاً كلمات وجلسات نقاش علمیّة من قبل العلماء المتخصّصین والمفكّرین البارزین فی البلاد – أكّد خلال كلمة مهمّة وصریحة على حقّانیة الأحكام الإسلامیّة وعقلانیّتها فی مجال الاختلاف الفقهیّ بین الرجل والمرأة وقال: توجد بشكل طبیعیّ مجموعة من الاختلافات بین الرجل والمرأة وهی التی تدعو إلى الاختلاف فی بعض الأحكام المتعلّقة بهما، كما هو الحال فی حقل الفقه الاجتماعیّ فإنّ هناك للمرأة حقوقاً وواجبات غیر موجودة للرجل، والعكس صحیح أیضاً.
وأضاف العلاّمة مصباح الیزدی مشیراً إلى الدور العظیم والمنزلة الرفیعة للمرأة فی النظام الإسلامیّ قائلاً: یسعى بعض المعاندین والمنافقین أحیاناً عبر الاستشهاد ببعض الآیات والأحادیث إلى إلقاء شبهة مفادها أنّ الإسلام لا یعترف للمرأة بأیّ دور أو قیمة، والحال أنّ المشكلة تكمن فی عدم إدراكهم الصحیح للأحكام الإسلامیّة وقواعد اللغة العربیّة. ففی اللغة العربیّة مثلاً عندما یتكوّن المخاطَبون من مجموع النساء والرجال یتّخذ الخطاب الموجّه إلیهم صیغة جمع المذكر، ولا یعنی ذلك أنّ الخطاب موجّه للرجال فقط ولا شأن للنساء به.
وأوضح عضو مجلس خبراء القیادة أنّ موضوع المساواة بین الرجل والمرأة فی الحقوق والواجبات لم یُطرح فی اوروبا إلاّ قبل بضعة قرون من الزمن وأضاف: لقد اشتدّ التأكید على مسألة المساواة بین الرجل والمرأة فی اوروبا والغرب فی الفترة الأخیرة فی حین أنّ اختلافات عمیقة ومجحفة بین الرجل والمرأة كانت ولا تزال تعصف بالعالم الغربیّ منذ القدم وحتّى یومنا هذا، بل وإنّ بحث المساواة فی زماننا المعاصر إنّما یُطرح كشكل من أشكال الاستثمار الحدیث للمرأة والاُنوثة.
وتابع اُستاذ الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة حدیثه بالقول: لقد امتدّ نطاق بحث المساواة هذا من الغرب إلى الشرق وطال حتّى الدول الإسلامیّة ممّا حدى بالبعض إلى الاعتقاد بأنّه: ما دام الرجل والمرأة فی البلدان الإسلامیّة لا یحظیان بحقوق متساویة فإنّ تلك البلدان تُعدّ متخلّفة! وقد اختلفت – بالطبع - ردود أفعال المسلمین وحكوماتهم تجاه بثّ مثل هذه الشبهات.
ولدى استعراض رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث للمواقف التی اتّخذها مختلف الأشخاص فی بلادنا تجاه موضوع المساواة قال سماحته: ذهبت بعض الحركات والأحزاب فی أوائل عهد انتصار الثورة - بتصوّر الدفاع عن الإسلام وحقوق المرأة - إلى أنّ معظم الأحكام المتعلّقة بهذه المسألة تختصّ بزمان صدر الإسلام وأنّ لأحكام الإسلام تاریخاً معیّناً لانتهاء صلاحیّتها مدّعین بأنّه على الشعب فی الوقت الحاضر أن یتولّى بنفسه وضع ما یفیده من القوانین؛ والنموذج البارز لأمثال هؤلاء هم الحركات الماركسیّة الإسلامیّة (المنافقون؛ أو ما یدعى بمنظّمة مجاهدی خلق).
وقال العلاّمة مصباح الیزدی أیضاً: كما اعتقدت بعض الحركات الاخرى بأنّ الأحكام الإسلامیّة هی أحكام أولیّة وأنّ ثمّة أحكاماً ثانویّة مهیمنة علیها، طارحین لذلك الاستدلال التالی: طالما أنّه لا یمكن ضمان تنفیذ الأحكام الأوّلیة فإنّه یتعیّن الرجوع إلى الأحكام الثانویّة بشكل كامل. والمؤسف أنّ هذه النظریّة قد لاقت مؤیّدین كثیرین، بل وإنّ العدید من مسؤولی البلاد قد اعتقدوا بها وروّجوا لها فی مواطن مختلفة.
وأوضح آیة الله مصباح الیزدی أنّ الفئة الثالثة تمثّل الاُصولیّین وقال: هؤلاء یعتقدون بثبات الأحكام الإسلامیّة إلى جانب الاعتقاد بالأحكام الثانویّة، لكنّ هذه الفئة تواجه فی مقام العمل عوائق جمّة تتجّسد فی جمیع میادین المواجهة بین جبهة الكفر والإلحاد وبین الإسلام.
وأضاف عضو مجلس خبراء القیادة محذّراً من الغزو الثقافیّ الغربیّ: یسعى العالم الغربیّ عبر وسائل شتّى - من جملتها إثارة الحسّاسیة المفرطة تجاه الأحكام الإسلامیّة - إلى زلزلة معتقدات الناس. على أنّه ینبغی أن ندرك أنّ الغزو الثقافیّ لا یستهدف الأحكام الإسلامیّة فحسب، بل هو یحاول ضرب الثقافة الإسلامیّة وكلّ ما یرتبط بالإسلام من مواضیع. ونتیجة لهذه الهجمات المتواصلة فقد طوى النسیان معظم العناصر الإسلامیّة، حتّى أنّ النسبة الغالبة من مسلمی العالم لا یراعون الأحكام الإسلامیّة، الأمر الذی دفع بالمتدیّنین إلى الإحجام عن بیان الأحكام الإسلامیّة فی المسائل التی یكتنفها الخلاف والنقاش.
وانتقد رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) بشدّة اُولئك الذین یسعون بغیة جذب رضا الغربیّین ومؤیّدیهم إلى تبریر أحكام الدین وتأویلها وقال: یحاول البعض – إرضاءً للغربیّین والمتأثّرین بهم وتهرّباً من مواجهة انتقاداتهم – تأویل الآیات القرآنیّة والأحادیث الشریفة، ولعمری إنّ خطر هؤلاء هو أشدّ بكثیر من سائر الفئات والحركات المفتونة بالثقافة الغربیّة. ونحن نسأل هؤلاء: هل یقبل الله ورسوله والأئمّة المعصومون (صلوات الله علیهم أجمعین) منكم هذا النوع من المواقف ولعب دور «القابلة الأحنّ على الطفل من اُمّه»، فی حین أنّ صریح القرآن والسنّة یخالف آراءكم؟!
وطالَبَ اُستاذُ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة العلماءَ والمفكّرین وأفرادَ الشعب بفصل الخرافات والتقالید والأعراف المحلّیة عن الأحكام الإسلامیّة وأضاف: یتعیّن علینا – بغیة إبعاد التهم الموجّهة للإسلام – فصل هذه الخرافات والتقالید والأعراف التقلیدیّة عن الثقافة الإسلامیّة المختلطة بها ونبذها بشدّة.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدی حدیثه بالقول: علینا أن نشكّ بعقل من یدّعی الفقاهة وینكر صریح الآیات القرآنیّة فی نفس الوقت؛ ذلك أنّ الذی یشكّك باصول الدین فی الوقت الذی یدعو إلیه فإنّ أمره مشوب بالشبهة والشكّ من الأساس.
وأكّد عضو مجلس خبراء القیادة فی ختام حدیثه على أنّ اُسس بعض النظریّات الحاكمة على البیئة الجامعیّة فی تضادّ مع الإسلام وقال: بعض الاُسس العلمیّة للنظریّات المسیطرة على الأجواء الجامعیّة للبلاد لیس أنّها مخالفة لأحكام الإسلام فحسب بل هی مضادّة لها أیضاً، وعلینا أن نفهم أنّ هذه النظریّات لیست وحیاً منزلاً وأنّ علینا التمسّك بها عمیاً وصمّاً، خصوصاً إذا اكتشفنا أنّ بعضها فی تضادّ حتّى مع الاُسس العقلیّة.
وأضاف سماحته قائلاً: بعض هذه الاُسس هی ولیدة أفكار بعض المنحرفین والشاذّین، وإنّه بالرجوع إلى سیرة حیاة بعض مَن یطلق علیهم فی الظاهر عنوان المنظّرین الغربیّین نكتشف أنّ تاریخهم حافل بألوان الشذوذ الأخلاقیّ والانحراف الشدید، وأنّهم قد لجأوا إلى أمثال هذه التنظیرات سعیاً منهم لتبریر انحرافاتهم.