آیة الله مصباح الیزدی: لم تستطع الثقافة الإسلامیّة فی الجمهوریّة الإسلامیّة أن تحقّق تقدّماً یوازی التقدّم الملحوظ فی سائر المجالات

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد وصف العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی لدى لقائه بأعضاء مراكز خطّة الولایة فی محافظات البلاد یوم الخمیس المصادف للرابع والعشرین من تشرین الثانی 2011م – وصف الوجه المخادع للثقافة اللیبرالیّة الدیمقراطیّة وقال: عند ظهور النظام اللیبرالیّ الدیمقراطیّ فی الماضی اُطلقت بعض صرخات التحذیر من ماهیّته المناهضة للإنسانیّة والأخلاق إلاّ أنّ تلك الصرخات لم تلق آذاناً صاغیة بسبب الظاهر الخادع وغیر المعروف لهذا النظام.
وأضاف سماحته قائلاً: أمّا الیوم وبعد انکشاف الماهیّة الأساسیّة لهذا النظام فقد فهم الناس بشكل جیّد كیف أنّ هذا النظام هو نظام فاسد ومخرّب، حتّى أصبحنا الیوم نسمع بكلّ وضوح أصوات تحطّم عظام الشعوب فی الدول الرازحة تحت وطأة هذا النمط الفكریّ الفاسد.
وقال اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة فی معرض إشارته إلى أبعاد الإنسان المتعدّدة والمعقّدة: إنّ للإنسان فی حیاته الفردیّة والاجتماعیّة أبعاداً مختلفة وهذا الاختلاف هو السبب فی تنوّع النشاطات الإنسانیّة، وهو ما أدّى عبر قرون طویلة من الزمن إلى تقسیم الواجبات وظهور المسؤولیّات المختلفة بین بنی البشر، والمثال الواضح على ذلك هو المناصب التخصّصیة ضمن مجلس الوزراء فی الحكومة.
وعبر مناقشة عضو مجلس خبراء القیادة لقضیّة اختلاف وتنوّع حاجات بنی البشر طرح سماحته السؤال التالی: ما هی العلاقة بین تلك الحاجات؟ وقال فی جوابه: یعتقد البعض بعدم وجود العلاقة بین حاجات البشر المختلفة وأنّها فی عرض بعضها البعض وهی تساعد بعضها البعض فحسب.
وتابع آیة الله مصباح الیزدی حدیثه قائلاً: أمّا الرأی الآخر فیعتبر أنّ حاجات الإنسان تابعة لأبعاده الوجودیّة. ولـمّا كان للإنسان بعدان وجودیّان هما البعد الحیوانیّ والبعد الروحانیّ فإنّ حاجاته تتّخذ هذه المنزلة أیضاً، وبناء علیه لابدّ للحاجات الحیوانیّة للإنسان أن تكون فی خدمة حاجاته الروحانیّة.
ثمّ قدّم سماحته توضیحاً لوجهة نظر الإسلام فی هذا الموضوع فقال: وفقاً للرؤیة الإسلامیّة فإنّ إنسانیّة الإنسان لیست فی بطنه وما یعلوها وما هو دونها، بل إنّها تنشأ من كونه مخلوقاً سماویّاً، فلو اتّخذت رؤیتُنا للامور هذا المنحى واعتبرنا أنّ إدارة هذا الكون هی بید الله سبحانه وتعالى وحده، فسننظر إلى حاجاتنا الثقافیّة على أنّها أصل القضیّة وإلى سائر الحاجات بعنوان أنّها فرع لها.
ورأى رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) استناداً إلى الرؤیة العلمیّة أنّ البعد الثقافیّ للإنسان هو أكثر أبعاده الوجودیّة أصالةً وأضاف: البعد الحقیقیّ للإنسان هو البعد الثقافیّ ویتعیّن أن تكون كافّة الأبعاد الاخرى (السیاسیّة، والاقتصادیّة، ...الخ) تابعة لهذا البعد وفی خدمته، ذلك أنّ الثقافة هی التی تعرّف الوجود وتشخّص قیمه وتحدّد ما ینبغی وما لا ینبغی.
وقال عضو مجلس خبراء القیادة متابعاً: إذا سلّمنا بكون الثقافة هی الأصل فسیتّضح لدینا دور الإسلام والثورة الإسلامیّة فی الحیاة البشریّة، ذلك أنّ عمود خیمة الثورة هو الدین وأنّ الاصول الأساسیّة للدین هی ذات الاصول التی تتشكّل منها الثقافة، وإنّ الدین والثقافة هما اللذان یمیّزان الانسان عن الحیوان.
وبیّن اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة ماهیّة الثقافة الأصیلة وقال: إنّ الثقافة الصحیحة هی تلك السبیل وذلك النهج الذی بیّنه الأنبیاء والأئمّة (علیهم السلام) للناس، وكلّ ما یخرج عن هذا النهج فهو مضادّ ومناهض للثقافة.
وعبر بیان سماحة العلاّمة مصباح الیزدی أنّ هدف الأنبیاء (علیهم السلام) كان بناء الإنسان قال: فی الماضی كان الملوك هم الذین یحكمون العالم ولم یكن للرعیّة أیّ دور فی إدارته، أمّا بعد انتصار الثورة الإسلامیّة فقد فهم الناس المعنى الحقیقیّ لحضورهم فی الساحة ومشاركتهم فی إدارة البلاد والعالم.
وأضاف سماحته قائلاً: إنّ تحقّق الثورة الإسلامیّة فی البلاد قد فتح الباب على مصراعیه للراغبین فی بناء أنفسهم وأنفس الآخرین من أجل أن ینهضوا بهذه المهمّة الخطیرة، ولعمری إنّ هذه الخدمة التی قدّمتها الثورة تُعدّ من أعظم الخدمات للإنسانیّة على مرّ التاریخ. ولابدّ من التذكیر هنا بأنّنا قد شهدنا فی البلاد تطوّراً ملفتاً على كافّة الأصعدة؛ العلمیّة، والصناعیّة، والدفاعیّة، وغیرها، لكنّ التطوّر الحقیقیّ یكمن فی التغییر الفكریّ على صعید المجتمع الذی یُفرز شخصیّات من أمثال حسین فهمیده، وبهنام محمّدی ، وغیرهم.
ورأى عضو مجلس خبراء القیادة أنّ قیمة حرب الدفاع المقدّس كانت فی كونها إلهیّة وقال موضّحاً: الدفاع عن النفس والوطن هو من الغرائز المشتركة بین الإنسان والحیوان لكنّ الأمر الذی جعل من حرب الدفاع التی استمرّت ثمانیة أعوام ذات قیمة ومقدّسة هی نیّات المجاهدین وهدفهم، فقد هبّوا للحرب والدفاع إرضاءً لبارئهم عزّ وجلّ.
وفی معرض إشارة اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى التقدّم الذی شهده المجال الثقافیّ فی البلاد ذكّر بأشكال النقص والقصور الموجود على هذا الصعید وقال: لقد استهدفت الثورة بشكل أساسیّ ثقافة الشعب ودینه ولابدّ لسائر الأبعاد أن تُوظَّف لخدمة هذا الموضوع المهمّ. لكنّنا نأسف إذ نشاهد الیوم أنّ الثقافة الإسلامیّة لم تستطع أن تحقّق تقدّماً یوازی التقدّم الملحوظ فی سائر المجالات، وأنّ هناك نقصاً كبیراً فی هذا المجال وهو أمر یتحتّم الالتفات إلیه بشكل جدّی والسعی من خلال التخطیط المناسب إلى إزالة هذه العوائق بأسرع ما یمكن.
وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قائلاً: لقد لاحظنا خلال عمر الثورة الذی تجاوز ثلاثین عاماً أنّ هناك علاقة وثیقة بین ما حقّقته الثورة من انتصارات وما عانته من تراجع وفشل من جهة وبین قوّة وضعف الجانب الثقافیّ فی البلاد من جهة اخرى، ولولا نقاط الضعف فی المجال الثقافیّ تلك لما شهدنا فی الداخل بعض المصادمات والمواجهات مما أثّر على سرعة نموّ الثورة واشتداد عودها.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی على أنّ أفضل خدمة یمكن إسداؤها للبلاد هی رفد الجانب الثقافیّ فیها وقال: بالطبع نحن لا نقصد من الجانب الثقافیّ الموسیقى والتقالید المحلیّة، بل نعنی بها المعتقدات والقیم الأخلاقیّة والاجتماعیّة الدینیّة الصحیحة، حیث إنّ الاهتمام بهذه القیم من شأنه أن یخدم الجانب السماویّ للإنسان.
وقال سماحته فی ختام حدیثه مثنیاً على القائمین على خطّة الولایة والمنفّذین لها: إنّ أسمى خدمة قُدّمت لثقافة البلاد والثورة هی تنفیذ خطّة الولایة التی استطاعت على رغم كلّ المعوّقات، على الصعید المالیّ وفی مجال الإمكانیّات، أن تؤثّر تأثیراً ملحوظاً على الأجواء العلمیّة لجامعات البلاد، وإنّه یتعیّن القول إنّ أشدّ الأعمال إخلاصاً قد اُنجزت فی هذا المجال.
ح الیزدی: لم تستطع الثقافة الإسلامیّة فی الجمهوریّة الإسلامیّة أن تحقّق تقدّماً یوازی التقدّم الملحوظ فی سائر المجالات