العلاّمة مصباح الیزدی: إنّ أسمى بركات الثورة هی إحیاء الدین فی المجتمع

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فلدى لقاء رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة بجمع من طلبة الجامعات من محافظتی طهران ویزد وتعبویّی النقابات من محافظة قمّ وبعد تقدیمه لآیات التبریك بمناسبة أیّام عشرة الفجر المباركة والإشارة إلى بُغض أعداء الثورة لها منذ الأیّام الاُولى لانطلاقتها قال سماحته: بِغضّ النظر عن اُولئك الذین خالفوا مبدأ مقارعة الشاه من الأساس وكانوا یدافعون عنه للمصالح التی كانت لهم فی بلاطه، فقد اتّخذت المواقف المواجهة للثورة عدّة أشكال من جملتها موقف اُولئك الذین واجهوا الثورة لأنّ الاُمور لم تنته لصالحهم ولم یكن بودّهم إقامة حكومة إسلامیّة، ولعلّ بإماكاننا تصنیف الماركسیّین فی هذه المجموعة.
وتابع العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی قائلاً: أمّا الطائفة الثانیة فهی وإن احترمت الدین والشعب فقد كانت لها میول فكریّة ماركسیّة وكانت تمثّل – إلى حدّ ما - ماركسیّة إسلامیّة. ومن هنا فقد كانت تخالف إقامة نظام إسلامیّ بهذه الكیفیّة. ومن جملة المنتمین إلى هذه الطائفة هم المنافقون (الذین عُرفوا سابقاً بمجاهدی خلق)؛ فحتّى المؤسّسون الأوائل لهذه الحركة والذین كانوا متدیّنین ومعتقدین بالإسلام إلى حدّ ما فقد كانوا یرون أنّ الأحكام السیاسیّة للإسلام هی أحكام عفى علیها الدهر ولیس لها القدرة على إدارة مجتمع. ولذا فقد وقفوا فی مقابل ولایة الفقیه منذ الیوم الأوّل للثورة، بل وعمدوا إلى أعمال من قبیل الاغتیالات والاستیلاء على المراكز العامّة وما إلى ذلك.
وعدّ سماحته أنّ الطیف الآخر المخالف للثورة الإسلامیّة یتمثّل بالقومیّین وأضاف: انّ حركة نهضة الحرّیة (نهضت آزادی) كانت الجماعة البارزة فی هذا الطیف حیث لم یكونوا راضین من قیادة الولیّ الفقیه ووجود عالم دین على رأس السلطة بل ولم یتوانوا عن التصریح بذلك فی العلن.
وفی معرض إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى المشاكل الكبیرة التی فُرضت على اُمّتنا الإسلامیّة بعد انتصار الثورة قال سماحته: إنّ صبر أفراد شعب هذا البلد ومقاومتهم كانا السبب وراء شمول المسلمین بالنصر الإلهیّ طبقاً لوعد الله سبحانه بذلك.
ولدى استشهاد عضو مجلس خبراء القیادة بآیة من القرآن الكریم أضاف سماحته: لقد أكمل الله تعالى الدین كما وعد وأصاب الكافرین بالیأس من توجیه ضربة إلى الإسلام، لكنّه یطالب المؤمنین أن لا یخافوا من الكفّار وأن یخافوا من الله وحده. وإذا أمسى المؤمنون لا یخافون الله ولا یعملون بواجبهم فعلیهم أن یخشوا انتقام الله ولیس انتقام الكفّار.
وذكر سماحته أنّ بعض مسؤولینا قد اُصیب فی بعض المراحل بالغفلة وبعضهم الآخر بالغرور وقال: لكنّنا نحمد الله على أنّ هذا الضعف لم یكن شاملاً وقد بقیت أكثر الجماهیر على وفائها للإسلام والثورة، ولولا ذلك لفعل الله بنا ما فعله بقوم بنی إسرائیل ولأصابنا بالذلّ والصغار.
ورأى هذا الفیلسوف الإسلامیّ أنّ إحیاء الدین كان من أهمّ بركات الثورة الإسلامیّة وقال: تُسمع الیوم فی دول المنطقة ببركة الثورة الإسلامیّة صیحات هی ذاتها التی انطلقت من إیران قبل ثلاثین عاماً.
وفی إشارة للعلامة مصباح الیزدی إلى وجود بعض النقائص ونقاط الضعف فی البلاد على الرغم من وجود كلّ هذه البركات للثورة قال: حذارِ من أن یتغافل البعض عن كلّ هذه البركات القیّمة ویغضّ الطرف عن كلّ تلك النعم الإلهیّة السامیة ویصبّ تركیزه على نقطة الضعف هذه أو تلك فینشغل دائماً بالنقاش حولها وانتقادها ویضخّم الخطأ إلى درجة الإیحاء بأنّ الله وكأنّه لم یمنّ علینا بأیّ نعمة بفضل الثورة؛ وهذا شكل من أشكال كفران النعمة.
ولدى بیان سماحة مصباح الیزدی أنّ انتصار الثورة وأحقّیة النظام الإسلامیّ لا یعنیان نفی أیّ نقص أو خطأ عن هذا النظام أضاف قائلاً: حتّى فی زمان الإمام علیّ (علیه السلام) كان بعض الولاة الذین ینصبهم أمیر المؤمنین (علیه السلام) یخطئون ویخالفون القوانین. فإذا كان مَن ینصبه المعصوم یخطئ، فكیف لنا أن نتوقّع أن لا یخطئ أحد فی هذا النظام الإسلامیّ ومجتمعنا الكبیر المعاصر؟!
وعدّ العلاّمة مصباح الیزدی أنّ الجانب الأعظم من أخطاء ومخالفات بعض الأشخاص والمسؤولین یرجع إلى طلب هؤلاء للمنفعة وعدم وضع رضا المولى المتعال وخدمة الشعب فی الحسبان، لكنّه أكّد فی الوقت ذاته: على الرغم من ضرورة الوقوف بوجه مثل هذه الإشكالات، لكن بالنظر إلى البركات الجمّة التی أتحفَنا الله بها ببركة الثورة الإسلامیّة فإنّ من الممكن التغاضی عن هذه المشاكل.
ویتابع رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة بحثه مستشهداً بآیة من الذكر الحكیم قیقول: مع أنّ الطمأنینة والرفاهیة والثروة والتقدّم العلمیّ والسیاسیّ وغیر ذلك هی من البركات القیّمة لهذه الثورة الإسلامیّة، بید أنّ أكثر بركة من هذه البركات نفاسة وقیمة هی إحیاء الدین وحالة التدیّن على صعید المجتمع.
وذكر سماحته أنّه كان ولا یزال فی مجتمعنا اُناس متدیّنون مستعدّون للعمل بتكلیفهم الشرعیّ فی سبیل معتقداتهم الدینیّة حتّى آخر قطرة من دمائهم. وقال مشیراً إلى كلام زوجة الشهید مصطفى أحمدی روشن: لقد ذُهِلتُ عندما شاهدت هذه المرأة الشابّة بعد لحظات معدودة من استشهاد زوجها الشابّ وهی تقف بكلّ صلابة وسكینة لتقول: إنّ هذه الشهادة مدعاة لفخرها، وهذا یدلّ على أنّ هذه الشخصیّة قد عرفت الدین من أعماق قلبها وصدّقت به.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة حدیثه قائلا: بالنسبة للعالم فإنّ من الاُسطورة أن تقول اُمّ فقدت أولادها الثلاثة فی سبیل الثورة: كنت أودّ لو كان لی ولد رابع لاُقدّمه فداءً للإسلام، لكنّ أمثال هذه الروحیّات وهذا الإیمان قد حصل فی ظلّ الثورة الإسلامیّة، ذلك أنّنا لم نشاهد مثل هؤلاء الأشخاص قبل الثورة.
واستطرد آیة الله مصباح الیزدی فی قوله مشیراً إلى بعض النماذج: عندما سمعت بقصّة «حنظلة غسیل الملائكة» قبل سنوات عدیدة أصابنی العجب، لكنّنی رأیت باُمّ عینی فی هذه الثورة عشرات من أمثال «حنظلة غسیل الملائكة» بل وأفضل منه أیضاً كانوا جمیعهم من صنیع هذه الثورة. إذن فلا ینبغی - بسبب بعض المسائل التی لیس لها قیمة تذكر فی مقابل الدین - أن نعمل على تشویه صورة الثورة وتناسی النعم الإلهیّة التی حظینا بها بسببها.
یُذكر أنّ هذا اللقاء قد جرى فی الیوم المؤرّخ 2 شباط 2012م فی قاعة مؤتمرات مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث.