العلاّمة مصباح الیزدی: لابدّ أن یكون المحور هو الحقّ ولیس الكمّ والعدد

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی قال رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث بقمّ المقدّسة لدى لقائه بالمجلس المركزیّ لإقامة ملتقیات محافظة خوزستان: إنّ من سمات نهج الأنبیاء (علیهم السلام) هو افتخارهم بخدمة الرعیّة وإنّ اُمنیتهم هی خدمة الناس؛ أی لیس أنّ أولیاء الله وعباده الصالحین لا یتوقّعون شیئاً، مقابل خدمة البشر فحسب، بل إنّهم یتمنّون ذلك أیضاً.
وعبر بیان العلاّمة محمّد تقی مصباح الیزدی أنّ تقدیم الخدمات للمجتمع الإسلامیّ لابدّ أن یكون ضمن برنامج مُعدّ وهدف وقائد معلوم كی یكون لها أثرٌ أعظم أضاف سماحته: لم تنتصر الثورة الإسلامیّة إلاّ ببركة وجود هذا المبدأ.
واستعرض سماحة مصباح الیزدی نماذج من بركات وجود الإمام الراحل (قدّس سرّه) وقائد الثورة المعظّم (دام ظلّه) وقال سماحته: إنّ أكبر مشكلة تواجه حركات الصحوة الإسلامیّة فی المنطقة هی عدم امتلاكها لقائد واحد ومقبول ومطاع.
وأكّد آیة الله مصباح الیزدی على ضرورة الرقیّ بالوحدة وأشكال التضامن من أجل الوصول إلى الهدف المنشود وأضاف: لكنّه - فی الوقت ذاته - لا یمكن التغاضی عن بعض الحقائق والواقعیّات. فحتّى الإمام الخمینیّ (رحمة الله علیه) وعلى الرغم من وقوفه على ضرورة الوحدة فقد اعترف بشكل أو بآخر بوجود بعض الكیانات بشكل رسمیّ. أی على الرغم من تأكیده المبرم على ضرورة التوحّد والتضامن بین الجمیع، فإنّ بعض الضرورات قد حتّمت وجود لون من ألوان التنوّع فی الأذواق.
وفی معرض إشارة سماحته إلى أنّ التنوّع والاختلاف فی الأذواق أمر واقع وله أسباب مختلفة قال: إنّ عدم معرفة أو التفات بعض الأشخاص إلى الحقائق كافّة أو عدم تمتّع الجمیع بمستوى متساوٍ من الإخلاص هو العلّة من وراء وجود مثل هذا الاختلاف.
وقال اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: على الرغم من أنّ الوحدة فی حدّها الأعلى أمر مثالیّ لكنّ الوحدة الكاملة من دون اختلاف فی الأذواق أمر مستحیل. إذن فالسبیل إلى بلوغ الوحدة فی حدّها الأعلى هو تنبیه الجمیع إلى الحقائق الموجودة والعمل على إزالة أسباب الغفلة، أو بعبارة اُخرى: رفع مستوى البصیرة لدى الأشخاص وإخماد أهوائهم من خلال تقویة إیمانهم وإخلاصهم.
وأوضح سماحته: یمتلك البعض قدرة فائقة على تحلیل الأحداث والحقائق، لكنّ المصالح المادّیة والالتفات إلى الأبناء والمصالح یمنعهم عن المضیّ فی المسیر الصحیح. ومن هنا فإنّهم یتحدّثون عن القانون والحقوق، لكنّه عندما یأتی الدور للأبناء والمصالح فإنّهم یسحقون القانون تحت أقدامهم.
وفی إشارة للعلامة مصباح الیزدی إلى صعوبة تشخیص أهداف الناس ودوافعهم أضاف: لو بیّن الناس مقاصدهم بشكل واضح لوقف الجمیع على أهدافهم، لكنّه كثیراً ما یحدث أن یحاول البعض تأمین مصالحهم الشخصیّة باسم الإسلام وتحت غطاء الحقّ الأمر الذی یدفع إلى المواجهة حتّى بین الأصدقاء وزملاء الكفاح.
وعبر إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى تحیّر الكثیر من الناس فی حرب الجمل قال: كان تحدید الخیار صعباً للغایة على البعض، فقد وقف أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) صهر النبیّ (صلّى الله علیه وآله) فی طرف من النزال ووقفت زوج الرسول (صلّى الله علیه وآله) ومعها اثنان من أصحابه الكبار فی الطرف الآخر فتحیّر الناس فی أمرهم ولم یدروا أیّ الفریقین یدعمون.
وبعد ذكر عضو مجلس خبراء القیادة لنماذج اخرى من التاریخ قال: هذه القصّة مستمرّة إلى یومنا هذا وإنّه یتعیّن على الذین یتمتّعون بالبصیرة أن یشخّصوا الحقّ ویبینوه للناس. ذلك أنّ المحور هو الحقّ ولیس اجتماع الناس، وهو ما یدعونا إلى عدم الغفلة عن الحقائق والواقعیّات بمجرّد مناداة البعض بالوحدة.
ولدى إشارة سماحة مصباح الیزدی إلى نموذج معیّن قال: یطالبنا الإسلام كذلك بفهم دقیق للاُمور ودراستها بعمق. فإذا تقدّم شخص یظهر علیه الصلاح ویحمل فی یده المسبحة وتبدو على جبهته آثار السجود لخطبة ابنة أحدهم فهل ینبغی على والد الفتاة یا ترى أن یبنی أمره على قاعدة حسن الظنّ بالمؤمن ویزوّجه ابنته من دون أدنى بحث وتقصٍّ عن أحواله؟ فلو تبیّن فیما بعد أنّه شخص غیر مناسب ومدمن على المخدّرات مثلاً، فمَن سیكون المقصّر حینئذ؟ صحیح أنّه لا ینبغی إراقة ماء وجه أحد، لكنّ هذا لا یشكّل سبباً للقبول به صهراً من دون سؤال ودارسة.
وتابع العلامة مصباح الیزدی قائلاً: إذا كان ثمّة احتمال بأنّ الدوافع الحزبیّة والعائلیّة والقومیّة تطغى على توجّهات البعض فی الانتخابات القادمة أو كان ذلك مشهوداً لدینا فهل یمكن التوحّد مع أفراد من هذا القبیل بداعی الوحدة؟
فی إشارة لآیة الله مصباح الیزدی إلى ضرورة أن یكون محور الوحدة هو الحقّ تابع سماحته القول: الوحدة لیست مطلوبة بحدّ ذاتها، بل هی مطلوبة عندما تكون حول محور الحقّ؛ ذلك أنّ الإنسان إذا تغاضى عن بعض اُسس الحقّ فسوف لن یمتنع عن التوحّد مع المجرمین والمناوئین للثورة، فهل هذا النمط من الوحدة جیّد یا ترى؟ لقد كان طلحة والزبیر یطلبان الوحدة بشكل من الأشكال ولو أنّ ولایة الكوفة والبصرة قد اُعطیت لهما لحكما فیهما كممثّلین عن الإمام علیّ (علیه السلام) وحافظا على الوحدة، لكنّ الإمام (علیه السلام) لم یرغب فی وحدة كهذه.
وتابع سماحته القول: كلّنا یعلم بأنّه إبّان الانتخابات ستكون هناك سجالات وأقاویل وستنفق أموال من أجل الحصول على بعض المنافع وتقسیم المقاعد، فهل ینبغی والحال هذه أن نسایر البعض ونماشیهم بذریعة حفظ الوحدة؟ هل كان هدف الثورة التی قدّمنا لها آلاف الشهداء هو تقسیم المصالح والسلطات؟ هل كان الهدف هو أن تقسّم ثروات تسعین بالمائة من أفراد الشعب بین عشرة بالمائة منهم ثمّ لا یستطیع أیّ أحد أن یقف بوجه اولئك الذین یصادرون أموال الشعب وینقلونها إلى الخارج لیوفّروا لأنفسهم أسباب ترفهم وبذخهم؟!
وقدّم سماحته تحلیلاً للأوضاع السیاسیّة المعاصرة وقال: لقد كانت المشاركة فی الثورة وحرب الدفاع المقدّس لوناً من ألوان الامتحان، وإنّ الحضور فی المیدان فی الظروف السیاسیّة الراهنة والثبات على المبادئ والقیم هو امتحان صعب من نوع آخر.
وعبر استشهاد اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بآیة من الذكر الحكیم أضاف سماحته قائلاً: من السهل أن یبدأ المرء بإنجاز عمل خیر، لكنّه من الصعب أن یثبت على هذا الطریق؛ ذلك أنّه سیواجَه بأشخاص یرفعون شعارات إسلامیّة وقیمیّة ویقیمون – فی الظاهر – أدلّة وبراهین شرعیّة ومعتبرة على ما یقولونه.
وفی ختام حدیثه أشار اُستاذ العلوم الإسلامیّة إلى آیات قرآنیّة اُخرى وقال: یتعیّن علینا معرفة الحقّ والسیر فی طریقه وتوصیة الآخرین به، ولابدّ فی هذا الطریق من الصبر على كیل التهم والشتائم من قبل الآخرین.