كلمة موجزة حول الجمال

بسم الله الرحمن الرحیم

«كلمة موجزة حول الجمال»

 

(1)

الجمال کون الشیء على صفة معجبة ملذّة. واذا کان المتبادر من لفظه فی لغة هو الجمال المبصر فحقیقة معناه تعمّ غیره من المحسوسات والمتخیّلات، بل تشمل المعانی ایضاً. فان الذی یدرک الشاعر من لطیف المعانی فی الاشعار المشتملة علی الاستعارات والکنایات لیس الاّ الجمال؛ وان الذی یعجب الحکیم من تناسق الکون وحسن انتظامه، بل یراه صفة ذاتیة للوجود، لیس الاّ الجمال؛ وان الذی یروع العارف عند شهوده لملکوت السماوات والارض لیس الاّ الجمال.

فالجمال صوریّ ومعنویّ، والمدرك للجمال المعنوی هو الوهم فی المعانی الجزئیة، والعقل فی ما فوقها.

(2)

ونستنتج من وجدان الجمال فی اکثر من مقولة، کونه من سنخ الوجود دون المهیة. وهذا کالعلم والوحدة.

والنفس فی کل مرتبة تنجذب الى الجمال الموجود فی تلك المرتبة من الوجود. ولیس بحیث اذا تجرّدت عن المادّة ولوازمها حُرمت من الجمال والالتذاذ به، بل تزداد اعجاباً والتذاذاً بالجمال العقلیّ، ونعنی به ما یوجد فی ما وراء الحسیّات والمعانی الجزئیة.

(3)

اذا کان المتعارف من الجمال هو الذی یُدرَك من تناسب اجزاء الشیء المرکّب فلا تختصّ حقیقته بالمرکبات، بل تشمل البسائط أیضاً.

أترى ان انجذاب الطفل الى الوردة الحمراء وشعلة الشمعة یکون لشیء غیر جمالهما؟ ألیس ذلك الاّ لما یعجبه من اللون الاحمر؟ وهل تحتمل ان جمال الحمرة فی نظره انّما هو بلحاظ الاجزاء وتناسبها؟ وان الحمرة عرض بسیط.

بل نقول فی جمال المرکّبات المتناسبة الاجزاء: إنّ الجمال یکون صفة للهیئة الحاصلة من الاجزاء المتناسبة، ونفس الهیئة امر بسیط.

وقد تتعدّد جهات الجمال من حیث الاجزاء بانفسها ومن حیث الهیئة الترکیبیة.

(٤)

ان النفس لا تتمکن من ادراك الجمال الموجود فی المرتبة العالیة ما دامت منغمرة فی المرتبة السافلة. فادراکها للجمال العالی دلیل على وصولها الى تلك المرتبة، وهکذا فی الجمال الأعلى.

ألا ترى ان النفوس المنهمکة فی الشهوات البهیمیة قلّما تلتذّون من المعانی اللطیفة؟ وبالعکس من ذلك فان النفوس اللطیفة الشاعرة بالجمال المعنوی لا یهتمّون کثیراً باللذّات البهیمیة.

(٥)

قد عرفنا ان الجمال فی الحقیقة صفة للوجود، لکن لا ینافی ذلك اتصاف المهیّات به. وان المهیات هی الاعرف عند الانسان من الوجود، بل لا یعرف من حقیقة الوجود شیئاً الا بقدر معرفته بنفسه. وهی فی الغالب لیس الاّ شعاعٌ ضعیفٌ یکاد ینطفی. ولذلك ما یقع من اشتباه النفس بالبدن لأکثر الناس.

فالذی یعرفه کل انسان من الجمال انما هو معنی یحصّله من مقایسة بعض الاشیاء ببعض، فما یعجبه منها یعدّه جمیلاً. ونفی الجمال عمّا یتنفّر منه انّما هو بحسب ادراکه وبالنسبة الى نفسه، ولا ینافی ذلك کونه جمیلاً عند موجود آخر، کما انه لا ینافی کونه جمیلاً بحسب وجوده مع صرف النظر عن مقایسته الى موجود آخر.

(٦)

الوجود مطلوب لکلّ موجود، ومن ذلك ان کل انسان بل کل موجود شاعر فانه یحبّ نفسه، ویحبّ مقوّمات وجوده ومکمّلاته. ولو حصل له مشاهدة ذاته لرآها تفیض بالجمال، وهذا بحسب وجوده مع صرف النظر عن مقایسته الى وجود آخر، وهکذا الحال فی شهود کل وجود.

فاذا افاض الله على عبد بمعرفة شهودیة وعلم حضوری بمراتب الوجود العالیة لأدهشه جمالها ولقضی عجباً وخرّ صعقاً. فعرف ان الوجود فی ذاته جمیل، وعرف مغزی قوله تعالى «الَّذِی أَحْسَنَ كُلَّ شَیْءٍ خَلَقَه»1.

فالوجود بوصف انه مطلوب لکل موجود وأنّ کل موجود یحبّه ویلتذّ به فهو جمیل کما انه خیر. وکلّما کان مرتبة الوجود أشدّ کان أجمل، والعالم بمجموعه جمیل، وانما القبح والشرّ یأتی من المقایسة والنسبة.

(7)

انجذاب النفس الى الجمیل انما هو لمصلحة لها فیه وانتفاعها به فغایته استیفاء ما فی الجمیل من المصلحة والمنفعة. فانظر الى ما فی الاشیاء الجمیلة من المنافع العظیمة للانسان، ولولا جمال منظرها لما انعطف قلبه الیها وما استفاد منها. فجمال المناظر الطبیعیة هو الذی یجرّ الانسان الى معالجتها والتفکّر فیها، وجمال الطفل هو الذی یأخذ بقلب الأُمّ ویبعثها الى تربیته. وهکذا لا یخفی الدور الذی یوفیه الجمال فی الزواج و سائر شؤون الحیاة الاجتماعیة.

قال تعالى: «إِنَّا زَیَّنَّا السَّمَاء الدُّنْیَا بِزِینَةٍ الْكَوَاكِب»2. وقال: «وَلَكُمْ فِیهَا جَمَالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَحِینَ تَسْرَحُون»3 وقال: «خُذُواْ زِینَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد»٤. وقال عزّ اسمه: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا»٥.

ومن المعروف حبّ النبی(صلی الله علیه و آله) للطیب والزینة٦، وروی انه کان اذا أبرد بریداً اختار حسن الوجه7. وقد ثبت ان من مرجّحات امام الجماعة صباحة الوجه. وروی «أُطْلُبُوا الْخَیْراتِ عِنْدَ حِسانِ الوُجُوه»8 کما روی أنه «لَیْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ یَتَغَنَّ بِالْقُرْآن»9. و روی «إِنَّ اللَّهَ جَمِیلٌ یُحِبُّ الْجَمَالَ‏»10.

فللانسان الالتذاذ بالجمال فی مختلف مراتبه ومظاهره والانتفاع بمنافعه فی شتّى شؤون الحیاة مادام لا یعارض مصلحة اقوى، ولا یمنعه من الترقی الى مرتبة أعلى. وقد تكفلّت الشریعة الغرّاء ببیان موارده ورسم حدوده.

والانجذاب الى الجمال قد یعین على التخلّص من المرتبة النازلة الى الراقیة، وذلك مثل الانجذاب الى لطائف الصور والمعانی لمن لم یتخلّص بعد من مرتبة البهیمیّة، وهکذا فی کلّ جمال یکون اعلى شأنا بالنسبة الى الحال الفعلیّ للانسان. ومن البدیهی ان ذلك یختلف بحسب اختلاف الاشخاص والاحوال، فالانجذاب الى جمال خاص یکون معیناً على الترقی لانسان وهو فی نفس الوقت یکون موجباً لتنزّل انسان آخر.

(8)

وهناك نحو انجذاب آخر للنفس الى الجمیل، یستغرق لبّه ویُنسیه کل شیء سواه، ولا یصلح استیفاء المنافع غایةً لهذا الانجذاب التامّ، بل یبطل عنده ما یترتّب على المراتب النازلة من المصالح المشار الیها. ولذا اعتبره کثیر من اهل النظر زیغاً وانحرافاً عن مجری الفطرة، ومرضاً وجنوناً.

والذی نراه ان فی فطرة الانسان مبنى لهذا الحبّ، والزیغ والانحراف ان کان فانما هو فی تعیین المتعلَّق لا من حیث اصل التعلّق.

ولتبیین هذا نقول: ان من الشعورات الفطریة فی الانسان الشعور بالخضوع تجاه الکمال الذی لا یطمع فی الحاقه بنفسه وقیامه به بعینه. وحینئذ یحبّ هذا الکامل ویتلذّذ باظهار الخضوع له، وغایة مطلوبه منه ان یتّحد به ویندكّ فیه. ومن مظاهره حبّ التقرّب الیه والالتصاق به. و ألذّ الأشیاء عند هذا المحبّ ان یری وجوده فانیاً فی محبوبه قائماً به، و من مظاهره اتباع ارادته له و التشبّه به فی صفاته وشؤونه.

وهذه المرتبة من الحبّ انّما تطلب ممن یمکن قیام ذات الانسان به وتعلّق روحه وشراشر وجوده علیه، وهو لیس الاّ من هو فی سلسلة علله المفیضة للوجود علیه. وحیث ان وجود کل شیء وجماله مستفیض من غیره سوی الحق تعالى فان المطلوب اوّلاً وبالذات هو هو.


1. السجدة / 8.

2. الصافات / 7.

3. النحل / 7.

٤. الأعراف / 32.

٥. المزمل / ٥.

٦.راجع: الكافی، ج ٥، ص 321؛ «مَا أُحِبُّ مِنْ دُنْیَاكُمْ إِلَّا النِّسَاءَ وَ الطِّیب»

7.راجع: مجموعةورام، ج 1، ص 29،  باب الرسوم فی معاشرة الناس؛ «قال النبی(ص)  إذا أبردتم إلی بریدا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم»

8. الاختصاص، ص 233.

9. مستدرك‏الوسائل، ج ٤، ص 273، بَابُ تَحْرِیمِ الْغِنَاءِ فِی الْقُرْآنِ وَ اسْتِحْبَابِ تَحْسِینِ الصَّوْتِ بِهِ بِمَا دُونَ الْغِنَاءِ وَ التَّوَسُّطِ فِی رَفْعِ الصَّوْتِ

10.الكافی، ج ٦، ص ٤38، بَابُ التَّجَمُّلِ وَ إِظْهَارِ النِّعْمَةِ.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...