العلاّمة مصباح الیزدی: التنظیر فی العلوم الإنسانیّة هو رهن بعلم المعرفة، وعلم الوجود، وعلم الإنسان إذا کانت علوماً صحیحة

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد عدّ رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث فی المؤتمر الدولیّ للعلوم الإنسانیّة الإسلامیّة وبعد إعرابه عن شكره وتقدیره للقائمین على هذا المؤتمر – عدّ الثورة الإسلامیّة فی إیران أهمّ ظاهرة فی تاریخ الإسلام وأنّها قد شكّلت انعطافة فی التاریخ وقال: ما ظهر فی بدایة هذه الثورة كانت حركة سیاسیّة ثمّ تبعها تأسیس حكومة على اُسس إسلامیّة، لكن لابدّ من الالتفات إلى أنّ الإسلام لیس سیاسة فحسب.
ورأى سماحة آیة الله محمّد تقی مصباح الیزدی أنّ هویّة هذه الثورة تكمن فی إسلامیّتها. وعبر إشارة سماحته إلى أنّ الإسلام – من زاویة معینة – هو مقولة ثقافیّة أضاف: إنّ التغییر والتحوّل على المستوى الثقافیّ (والذی یشكلّ فی الحقیقة تحوّلاً فی المعتقدات والقیم) فی مجال المؤسّسات الصانعة للثقافة مثل الحوزة والجامعة هی مسألة بالغة الأهمّیة وأساسیّة للغایة.
وعبر إشارة آیة الله مصباح الیزدی إلى اهتمام الإمام (رحمة الله علیه) بقضیّة التحوّل الثقافیّ وإصداره أمراً بتأسیس هیئة الثورة الثقافیّة قال: إنّ أهمّ مهمّة اُنیطت بهذه الهیئة هی أسلمة الجامعات. ولیس المراد من أسلمة الجامعات بناء المساجد وإقامة صلاة الجماعة فیها، بل المراد منها أسلمة ما یُدرَّس فی تلك الجامعات.
وبیّن آیة الله مصباح الیزدی أنّ الثورة الثقافیّة هی أصعب بكثیر من الثورة السیاسیّة وأضاف: التحوّل على الصعید الثقافیّ یحتاج إلى زمن طویل، كما أنّ العامل الآخر فی إطالة أمد هذا التحوّل هو أنّ المسائل السیاسیّة قد ألقت بظلالها على الاُمور الثقافیّة.
وفی معرض إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى حرص قائد الثورة المعظّم الإمام الخامنئیّ على التأكید على الغزو الثقافیّ وشنّ الغارات الثقافیّة لیلاً والثورة الالكترونیّة وإنتاج العلم قال سماحته: لقد شهدت البلاد فی حقل العلوم الطبیعیّة والتجریبیّة، لاسیّما تلك الاُمور التی شهدت نتائج عینیّة وعملیّة، تطوّرات ملحوظة وهی من مفاخر بلدنا بل من مفاخر العالم الإسلامیّ أیضاً. لكنّ هذه الحركة – ولأسباب شتّى - تتقدّم ببطء شدید على مستوى العلوم الإنسانیّة، حتّى أحسّ الیوم بعضهم بالمسؤولیّة ونهضوا ملبّین نداء القائد الذی ظلّ على مدى عشرات السنین یؤكّد على هذا الجانب ونحن نأمل أن تكون هذه الحركة حركة مباركة ومرضیّة عند الله تعالى.
وأشار عضو مجلس خبراء القیادة إلى وجود تفاسیر غیر صائبة لعملیّة أسلمة العلوم الإنسانیّة وقال: فالبعض یفسّرها بضرورة التحوّل فی اُسلوب البحث والتحقیق فی العلوم وأن تُبیَّن العلوم بما یوافق القرآن والسنّة. وبما أنّ هذا التصوّر ساذج إلى أبعد الحدود إذ لا یمكن استخراج العلوم من القرآن والسنّة فقد ذهب البعض إلى الاعتقاد بأنّ القصد من أسلمة العلوم الإنسانیّة هو تبیین وتدریس هذه العلوم بنحو لا یكون فیها تضادّ وتقابل مع الإسلام.
وقال سماحة مصباح الیزدی: ومن جانب آخر یرى البعض أیضاً أنّ العلوم الإنسانیّة المتوفّرة حالیّاً هی عصارة جهود الملایین من البشر على مدى قرون من الزمن ولا یمكن الشطب علیها جمیعاً وإبطالها والتوجّه صوب القرآن والسنّة.
وعبر بیان العلاّمة مصباح الیزدی أنّ المراد من أسلمة العلوم لا زال مبهماً لدى بعض أساتذة الجامعات المخلصین، تطرّق سماحته إلى بیان معنى أسلمة العلوم الإنسانیّة وأضاف: إنّ لبعض العلوم الإسلامیّة الموجودة حالیّاً اُصولاً موضوعة تستند إلى مبادئ فلسفیّة غیر إسلامیّة ونظریّات مادّیة. ومن هنا فإنّ من جملة الخطوات الأساسیّة الواجب اتّخاذها فی طریق أسلمة العلوم الإنسانیّة هو طرح نقد جامع لاُسس تلك العلوم.
وعبر إشارة سماحة مصباح الیزدی إلى مثال على بطلان اُسس هذه العلوم قال: فهناك – على سبیل المثال – نظریّة تقول بأنّ العالم كان فی بدایة الأمر مادّة متراكمة فانفجرت وظهر فی إثرها الكون والمنظومات المختلفة، لكنّ هذه النظریّة أو الفرضیّة مبنیّة على القبول بوجود صدفةٍ من دون علّة، فی حین أنّه قد ثبت فی علم الفلسفة أن وجود المعلول من دون علّة هو أمر محال.
وفی معرض إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى ضرورة طرح نقد كلّی للعلوم الإنسانیّة من منطلق علم الأسالیب أضاف قائلاً: من أجل إثبات المسائل العلمیّة فإنّه لابدّ من اُصول ومبادئ وهذه الأخیرة إمّا أن تكون بدیهیّة أو یكون قد تمّ إثباتها مسبقاً فی علم آخر لتنهی بالأخیر إلى علم الفلسفة على هیئة اُصول موضوعة.
وتطرّق عضو مجلس خبراء القیادة إلى مواقف العَلمانیّین بخصوص فصل الایدیولوجیّة عن العلم وقال: یعتقد هؤلاء أنّقضایا الدین هی غیر علمیّة وأنّها مسائل ذوقیّة، وأنّ الجامعة هی مهد البحث العلمیّ، كما أنّه لا یمكن إثبات البحث العلمیّ إلاّ من خلال التجربة، وأنّ أمثال هذه المسائل تتخطّى حدود التجربة بل هی خارجة عن الفلسفة أیضاً.
وعبر إشارة العلاّمة مصباح الیزدی إلى ضرورة الإحاطة بعلم المعرفة للإجابة على هذه المزاعم أضاف سماحته: لابدّ بادئ ذی بدء من تبیین طرق ومناهج المعرفة ونسبة اعتبارها فی المباحث المتّصلة بعلم المعرفة، فإن لم یحصل ذلك فلن یصل الدور حتّى إلى إثبات الاُصول الموضوعة، فضلاً عن تأسیس مسائل علمیّة على تلك الاُصول.
ورأى رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث أنّ مبحث العلوم الإنسانیّة هو مبحث أكادیمیّ وجامعیّ وقال: لابدّ من البحث – لیس من باب ممارسة نشاط ایدیولوجیّ نابع من تعصّب للإسلام، ولیس حتّى من منطلق أنّه مجال لتحقیق أهداف الثورة، بل من منطلق كونه نشاطاً أكادیمیّاً وعملاً علمیّاً محضاً – نقول لابدّ من البحث فی ماهیّة المعرفة، وكم هو عدد المناهج المعرفیة؟ وما هو مقدار اعتبارها؟ وما هو منشأ اعتبارها؟ ومن هنا فإنّه ما لم یُطرح علم المعرفة بشكل صحیح فإنّه لا یمكن التنظیر فی العلوم الإنسانیّة.
وأكّد اُستاذ الفلسفة الإسلامیّة على ضرورة علم الوجود للولوج فی بحث أسلمة العلوم الإنسانیّة وقال: نحن ندّعی بأنّه بمقدورنا وضع منظومة من العلوم والمعارف یتمّ فیها طرح وإثبات أكثر البحوث منطقیّة. على أن تبدأ هذه المنظومة من أكثر النقاط أساسیّة ألا وهو علم المعرفة مروراً بعلم الوجود وعلم الإنسان ووصولاً – فی نهایة المطاف - إلى العلوم الإنسانیّة؛ ذلك أنّه ما لم یكن لدینا علوم صحیحة فی مجال علم المعرفة وعلم الوجود وعلم الإنسان فإنّنا لا نستطیع التنظیر فی حقل العلوم الإنسانیّة.
ورأى سماحته أنّ المراد من أسلمة العلوم الإنسانیّة هو إثبات اُسس العلوم وتوضیح ارتباط تلك الاُسس بمسائل العلم وأضاف: نحن نعتقد بأنّ الاُسس الصحیحة توافق القرآن الكریم؛ بمعنى أنّ العقل والنقل یتّفقان هنا بشكل كامل.
واعتبر سماحة العلاّمة مصباح الیزدی خلال محاضرته فی المؤتمر الدولیّ للعلوم الإنسانیّة الإسلامیّة – اعتبر أنّ القسم الآخر من أسلمة العلوم الإنسانیّة یكمن فی نقد المدارس الفكریّة عبر استخدام المنهجیّة الخاصّة بنفس تلك المدارس وقال: أسلمة العلوم الإنسانیّة لا یراد منها عملٌ تعبّدی یشوبه التعصّب یهدف إلى إثبات نزعة ایدیولوجیّة خاصّة أو تثبیت حزب معیّن أو حتّى ترسیخ المقدّسات والـمُثُل الثوریّة، بل إنها تمثّل نشاطاً علمیّاً بحتاً، هذا وإن أدّت فی النهایة إلى أن یقتات جمع غفیر من البشر من هذه المائدة الواسعة.
وعبر إشارة سماحته إلى ضرورة التوكّل على الله والخطْوِ فی هذا الطریق قال: منذ الیوم الأوّل للثورة فقد بیّن الله عزّ وجلّ لنا أنّه ثمّة نظام آخر یهیمن على الأسباب المادّیة، بحیث یمكن من خلاله أن یقهر شعب أعزل أكثرَ التقنیات العسكریّة تطوّراً. ولابدّ أن نلتفت إلى أنّ ربّ جبهة القتال هو عینه ربّ الجامعة. فإن تحلّینا بروح الشباب المجاهدین فسیمدّنا الله عزّ وجلّ فی خضمّ الإمتحان بإمداداته الغیبیّة أیضاً.
یُذكر أنّ المؤتمر الدولیّ للعلوم الإنسانیّة الإسلامیّة قد عُقد بتاریخ 20 أیّار 2012م فی مركز المؤتمرات الدولیّة فی مؤسّسة الإذاعة والتلفزیون.