ar_akhlag3-ch4_5.htm

انواع العلاقات الاجتماعیة

انواع العلاقات الاجتماعیة

یمكن افتراض عدة انواع للعلاقات الاجتماعیة حسب تأثیراتها المختلفة فی تحقیق المصالح المادیة والمعنویة، إذ انّ تأثیرها یكون ایجابیا تارة وسلبیا تارة اُخرى، وهكذا التعارض الذی قد یحصل لدى تحقیق المصالح المادیة والمعنویة:

النوع الأول هو أن یكون التعایش السلمی بین الناس نافعا فی تحقیق مصالحهم المادیة والمعنویة. هذه الفرضیة یمكن تصورها بمستوى مجتمع صغیر ذی عدة مئات أو عدة آلاف من الأشخاص وبمستوى المجتمع العالمی والتعایش بین جمیع البشر، أی لو قدّر أن یكون جمیع البشر فی الارض مؤثرین فی تلبیة المتطلبات المادیة والمعنویة المتبادلة لكان من الممكن تأسیس أكبر مجتمع انسانی وعالمی، الاّ انّ هذه الفرضیة تتحقق حینما تكون لجمیع البشر أهداف معنویة مشتركة، ویدركون مصلحتهم الواقعیة، ویتقبلونها ویسعَون لتحقیقها، وبكلمة واحدة: عندما تتحقق وحدة دینیة بین جمیع البشر یمكن أن ینفع الجمیع بعضهم بعضا مادیاً ومعنویاً.

ان تأسیس المجتمع العالمی والحكومة الواحدة على أساس توفیر المصالح المادیة والمعنویة لبنی الانسان كافة فرضیه مثالیة، ویسعى الاسلام من أجلها، انه المجتمع الذی تسود جمیع أعضائه أهداف ورؤیة مشتركة ویتبادل الجمیع المنفعة المادیة والمعنویة، ولكن هذه الفرضیة لا تتحقق بسهولة ولم تشهد المجتمعات البشریة مثل هذه الحالة الى یومنا هذا.

لقد وعد الله سبحانه فی القرآن بتحقق الحكومة العالمیة لامام العصر(علیه السلام)ویؤمن المسلمون بذلك وینتظرون ذلك الیوم الموعود.

فی الصورة الثانیة نفترض مجتمعین أو مجموعتین ذاتَی علاقات وتعایش بحیث تُهدّد المصالح المادیة والمعنویة لاحد الطرفین على الاقل. مثل هذه العلاقات تحصل بین دول الاستعمار والبلدان المستعمرة. فالدول التی تجهد للسیطرة على المجتمعات الاُخرى تقوم بتهدید مصالحها المادیة وهكذا المعنویة. ومن البدیهی ان تكون هذه العلاقات ذات قیمة سلبیة ولابدّ من الكفاح ضدها.

الفرضیة الثالثة هی أن لا تتضمن العلاقات مع مجتمع ما مصلحة معنویة ولا ضرراً معنویا بل تتضمن مصلحة مادیة للمجتمع، نلاحظ مثلاً بلدین: فی الأول شعب مسلم وفی الثانی شعب كافر، ولم یكن البلد غیر المسلم ـ لاسباب مختلفة ـ بصدد الاضرار بالمجتمع الاسلامی وسلب ایمانه أو زعزعة آدابه ومبادئه الدینیة بالغزو الثقافی، بل یرغب فی اقامة علاقات اقتصادیة مع البلد المسلم لكی یتمتع البلَدان من خلالها بمصالح ومكاسب مادیة متبادلة. فی هذه الحالة لا تكون مثل هذه العلاقات غیر مرغوبة، بل قد تكون ذات قیمة من بعض الجهات.

فی الرؤیة القرآنیة تكون المجتمعات الانسانیة منذ بدئها حتى نهایتها بمثابة الاُسرة الواحدة، لانّها وجدت من أب واحد وأم واحدة، وعلیه تكون العلاقات بینها أمراً طبیعیاً، ولا تتصف بقیمة سلبیة الا اذا ترتب الضرر علیها، فاذا لم یصحبها أی ضرر بل ترتّبت علیها مكاسب مادیة فانّها ستكون قیّمة بتلك النسبة.

الفرضیة الرابعة هی أن یصحب اقامة العلاقات مع مجتمع آخر مكاسبَ معنویة من جهة، وأضراراً مادیة من جهة ثانیة. هنا یعتبر مبدأ ترجیح المعنویات على المادیات (سنقدم مزید إیضاح فی هذا المجال) هذه العلاقات ایجابیة، نعم اذا ترتبت خسائر معنویة للمجتمع الاسلامی على الاضرار المادیة الفعلیة فی بعض الموارد الاستثنائیة على المدى البعید، حینئذ لا رجحان لاقامة العلاقات، ان هذا استثناء من القاعدة إذ انّ الأصل والقاعدة العامة هی تحمل الاضرار المادیة من أجل تحقیق المصالح المعنویة.

فمثلاً اذا كان جمع من المسلمین فی بلاد الكفر قد استضعفهم الكفار فانّ واجبنا هو السعی لتحریرهم من نیر الكفر والظلم، ومن الطبیعی ان لا یتحقق هذا الهدف المعنوی بدون تحمل المسلمین خسائر فی الأموال والانفس، قال تعالى فی القرآن الكریم:

(وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْیَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِیراً)([1]).

أجل، وقع بعض المؤمنین فی قبضة الكفر وكان على المؤمنین فی المدینة الذین أسسوا مجتمعا حدیثاً وكانوا ذوی سیادة، السعیُ لتحریرهم. وكان من البدیهی أن یكلفهم ذلك مجهوداً باهظا وخسائر روحیة ومالیة، ولم یكن ذلك عملا صائبا وقیّما فحسب بل واجبا.

الفرضیة الخامسة هی ان تكون اقامة العلاقات مع مجتمع آخر نافعة مادیا ولكنها ضارة معنویا. فی هذه الفرضیة یقف المجتمع على مفترق طریقین حیث یتعارض تحقیق المصالح المادیة مع تحقیق المكاسب المعنویة. فی هذه الحالة أیّ طریق ینتخب؟ هل تكون المصالح المعنویة اثمن واسمى فیضحی المجتمع بالمكاسب المادیة من أجلها، أم العكس فیجب علیه الاهتمام بمكاسبه المادیة؟ الجواب: انّ المبدأ هو ترجیح المصالح المعنویة على المكاسب المادیة، وفی المستقبل سوف نستنبط رجحان المصالح المعنویة على المكاسب المادیة من آیات القرآن الكریم. یلزم إذنْ قطع هذه العلاقات الضارة معنویا وإنْ تضمنت مكاسب مادیة، إذ انّنا سنحصل على مكاسب من خلال هذه العلاقات ولكن سوف نفقد مكاسب اثمن. إذنْ بمحاسبة بسیطة سیكون ضررها أكبر من ربحها.

وعلیه من الضروری قطع هذه العلاقات الا فی بعض الموارد الاستثنائیة التی تترتب فیها خسائر معنویة على قطع العلاقات اضافة الى الخسائر المادیه أی یتمّ تهدید المصالح المادیة للمجتمع بقطع هذه العلاقات، ویشكّل انعدام المصالح المادیة تهدیداً للمصالح المعنویة للاسلام والمجتمع الاسلامی على المدى البعید.

فی هذه الظروف والموارد الاستثنائیة یمكن السماح باقامة العلاقات الاّ انّ القاعده العامة هی التضحیة بالمكاسب المادیة من أجل المصالح المعنویة فی حالة التعارض بینهما. وكل علاقة تصحبها مفاسد معنویة تكون ذات قیمة سلبیة لابدّ من قطعها.



[1]. النساء 75.