ar_akhlag3-ch6_7.htm

الإصلاح والعدل والاحسان

الإصلاح والعدل والاحسان

قلنا ان الإصلاح والافساد یستعملان تارة فی موارد خاصة كالاصلاح بعد الافساد، واصلاح ذات البین بین فئتین أو فردین متنازعین، والإصلاح بین الزوجة والزوج. وتارة یكون له مفهوم عام أحیانا فیشمل موارد الإصلاح الابتدائی غیر المسبوق بالفساد، فیكون جزءاً من المفاهیم القیمیة العامة فی مطلق القیم المحبذة. وفی المقابل یكون للافساد مفهوم عام فیشمل الافساد الابتدائی غیر المسبوق بالصلاح أیضا. نرید هنا القول بان الإصلاح والافساد المستعملین فی الشؤون الاجتماعیة بصورة اعتیادیة یتطابقان تقریبا مع موارد العدل والظلم، وبعبارة اُخرى لهما مصادیق مشتركة، لان الإصلاح الاجتماعی هو تنظیم العلاقات الاجتماعیة بنحو یتحرك فیه المجتمع فی طریق الكمال المتوخى والهدف النهائی، واعطاء كل ذی حق حقه، وتطلق العلاقات العادلة على هذا المعنى أیضاً، وفی غیر هذه الصورة یكون المجتمع فاسداً والعلاقات الاجتماعیة ظالمة.

بناء على ذلك یطلق الإصلاح على اقامة العدل مهما كان متعلقه ونطاقه، كالحیاة والصحة والمال والعرض والكرامة والأخلاق والعقیدة، اذ یحق لاعضاء المجتمع ان یتمتعوا بالأمن على النفس والمال والكرامة والأخلاق والعقیدة، وكل عامل یساهم فی تحقیق هذه الحقوق یكون قد ساهم فی اصلاح المجتمع، وعلى العكس یكون كل عامل یهدّد هذه الحقوق عاملا للفساد الاجتماعی.

ویمكن تارة ثالثة اعتبار معنى اوسع من (العدل) للاصلاح الاجتماعی كی یشمل الاحسان ایضاً. فلو وجدت انسانا عاجزاً عن تدبیر شؤون حیاته إثر عوامل طبیعیة أو غیر طبیعیة ولم تكن بشخصك مسؤولاً عن تكفل معیشته ورفع حوائجه فقمت فی هذه الحالة باعانته علمیا أو صحیاً أو مالیا كان عملك هذا اصلاحا، ولكنه لیس عدلاً بل احسانا.

یجب على المسؤولین فی المجتمع طبعا توفیر المتطلبات الضروریة لكل عضو من أعضاء المجتمع. وحتى الفقراء المعوزون الذین یعجزون عن تدبیر شؤون حیاتهم فی المجتمع هم عیال على الحكومة، فعلیها تكفُّل معیشتهم، فان لم ترفع حوائجهم رغم قدرتها وامكاناتها فانها تكون قد ارتكبت ظلما. من هنا یدخل اعانة الحكومة فی تدبیر شؤون الحیاة للعاجزین تحت عنوان العدل لا الاحسان. والذین لم یتحملوا مسؤولیة خاصة فی تكفل معیشة العاجزین ومع ذلك یقومون باعانتهم فانهم یحسنون الیهم فی الواقع، ولا یدخل هذا العمل فی دائرة العدل لانهم لا یظلمونهم ان لم یقوموا بذلك. ویعدّ هذا العمل من مصادیق الإصلاح الاجتماعی أیضاً لانهم قد أوصلوا فرداً آخر الى الصلاح والكمال باعانتهم واحسانهم.

وبذلك یكون مفهوم الإصلاح أوسع من مفهوم العدل حتى فی العلاقات الاجتماعیة، وأما الفساد فیكون معادلا للظلم فی كل موضع تقریباً، ویعنی مصادرة حق شخص والصد عن رشده وتكامله، ولا یحق لاحد ان یتعامل هكذا مع شخص آخر، فان قام بذلك كان ظالما بحقه.

ان الاحسان أمر ضروری الى جانب العدل فی العلاقات الاجتماعیة، ولكی یتصف المجتمع بالصلاح التام لا یكفی وجود العدل لوحده. اذ هناك افراد فی المجتمع لا حق لهم على أحد ولا یقدمون عملاً للمجتمع ولكن لكی یكون المجتمع مجتمعاً مثالیا ولا تؤلِم مظاهر الفقر والمجاعة وجدانَ أعضائه یلزم تكفّل معیشة هؤلاء أیضاً، ویمكن اعتبار حق لهم على الحكومة. ان الافراد الذین یولدون وهم یعانون من نقص فی الخلق والضعف أو یصبحون ذوی عاهة وضعفاء إثر بعض الحوادث یكون لهم حق على المجتمع، الاّ انّ اثبات هذا الحق لیس أمرا بدیهیا بل یحتاج الى تبریر واستدلال. من البدیهی ان یثبت الحق للذین یساهمون فی تقدیم خدمات اجتماعیة على المجتمع، ولكن ذوی العاهة الذین یعجزون عن تقدیم خدمة للمجتمع یثبت لهم حق على الحكومة فی الرؤیة الاسلامیة. وقد أقرت بعض الانظمة الاُخرى بهذا الحق غالباً، الاّ انّه لیس من السهل اثبات حقهم على المجتمع، وانْ اثبتنا حق هؤلاء الافراد على المجتمع آخذین بنظر الاعتبار الهدف من الخلق والحق الالهی وبمعونة الادلة النقلیة.

وكما قلنا إنّ مثل هذا الحق إن ثبت فانه یكون على عاتق الحكومة، واذا قام افراد آخرون بتكفُّل معیشة هؤلاء الافراد الضعفاء فانهم محسنون بحقهم، ویكون عملهم اصلاحیا فی الوقت ذاته.

إذنْ یمكن القول انّ العلاقة بین مفهوم الإصلاح ومفهوم العدل هی علاقة الاعم والاخص. فكل عدل اصلاح ولكن لیس كل اصلاح عدلاً، وحیثما فصلنا بین العدل والاحسان فانّهما من مصادیق الإصلاح.

وطبعا كما قلنا هناك تطابق بین مصادیق الافساد والظلم. جدیر ذكره هنا ان اطلاق الفساد على هذا المعنى الواسع لا یستلزم ثبوت الحكم الصادر بحق مفسد ان یكون ثابتاً على اهل الفساد جمیعاً ولا یستلزم تعمیم ذلك الحكم على الموارد الاُخرى كافة.

وبعبارة أوضح: لقد ثبتت عقوبة الإعدام أو النفی أو... على المحارب فی القرآن الكریم بوصفه مفسداً فی الارض، والكلام هنا هو أن حكم الاعدام اذا ثبت على هذا المفسد فانه لا یدل على تعمیمه لیشمل المفسدین الآخرین كالعاملین بالنمیمة والتفریق بین المرء وزوجه بالسحر فنحكم علیهم بالاعدام أیضاً بحجة انهم مفسدون.

لابدّ من البحث الفقهی الدقیق حول هذه الاحكام لكی تُعرف دائرتها من خلال تعیین حدود الموضوع بدقة، وماهیة الموارد التی یشملها ومدى اطلاقها. أجل انه بحث فقهیویلزم القیام به بأسلوب فقهی خاص، ومجرد تعمیم مفهوم الافساد لا یستلزم تعمیم حكم مورد ونوع من المفسدین على موارد الافساد كافة.