ar_marefat_zat-ch8_3.htm

جهاز الإرادة

جهاز الإرادة

توجد فی الإنسان میول و جواذب و دوافع تشكّل بمجموعها سرّ حصول الإرادة و الحركة الإرادیّة و قد درس علماء النفّس أنواعاً كثیرة من المیول الطبیعیّة و الفطریّة، و قسّموها إلى أنواع متعددّة و لهم اختلافات فی عددها و كیفیة تصنیفها، و نحن هنا نتعرّض إلى ذكر الدّوافع و المیول التی نحسّها وجداناً (دون التقیّد باصطلاح أو متعابعة لمدرسة خاصّة).

فبعض هذه الدّوافع لها علاقة واضحة بالتفاعلات الكیمیاویة و الفیزیولوجیّة للبدن مثل میول الأكل و الشرب و هی تصاحب حیاة الإنسان منذ الولادة إلى الموت، و هی تثار عند احتیاج البدن للموادّ الغذائیّة و المائیّة، و هكذا نجد المیل الجنسیّ الذی یظهر على أثر ترشّح الهرمونات الخاصّة و یكون ذلك بعد سنی البلوغ.

و هناك مجموعة أخرى من الدوافع تعقبها حالات بدنیّة خاصّة بحیث یتصوّر ذوو النظر السطحیّ من الناس أنّ هذه الدوافع النفسیّة هی نفس الحالات البدنیّة مثل المیل إلى الدفاع و الانتقام الذی یبدو بشكل غضب ظاهر تتغیّر فیه ملامح الوجه و تنتفخ فیه الأوداج، و مثله المیل للفرار من الخطر و یعدّ نوعاً من الدفاع.

و هناك مجموعة أخرى من الدوافع تشكّل (العواطف) و أهمّها العواطف العائلیّة و الاجتماعیّة.

و من غرائز الإنسان غریزة حبّ الاطّلاع و البحث عن الحقیقة و هی تدفع الإنسان إلى كشف المجهولات و معرفة الواقع، و هناك غریزة طلب الاقتدار و التسلّط و توسیع دائرة النشاط كما أنّ هناك نوعاً آخر من الغرائز یرتبط بالحصول على العناوین الاعتباریّة من قبیل الجاه و المقام و الاستقلال فی الشخصیّة.

و هناك نوع آخر من المیول الفطریّة ترتبط به أنماط الجمال و الكمال الظاهریّة و المعنویّة، و هی تحرّك الإنسان نحو الحصول على أنواع الكمالات و أنماط الجمال القابلة للاكتساب و الارتباط و التعلّق بالأشیاء الكاملة و الجمیلة و الخضوع أمام الكمال و الجمال الأصیل.

و یمكننا أن نعتبر «حبّ الذات» أمّ الغرائز الإنسانیّة و تنقسم ابتداءً إلى قسمین رئیسییّن:«حفظ الوجود» و «الحصول على الكمالات الممكنة» و ینشعب «حفظ الوجود» بلحاظ تعلقه بالفرد أو النوع و بلحاظ إشباعه للاحتیاجات و دفع الأخطار إلى المیل للأكل و الشرب و الشهوة الجنسیّة و حسّ الدفاع و الفرار من الخطر و الانتقام و العواطف العائلیّة و الاجتماعیّة.

و كذلك یشمل «تحصیل الكمالات» غرائز الاستطلاع و الاقتدار و طلب الجاه و حبّ الكمال و الجمال.

و ینبغی أن لا یظنّ أحد أنّ ما ذكرناه یشمل كلّ الغرائز و المیول الإنسانیّة كما لا ینبغی أن یؤدیّ بنا تصنیفها إلى توهم أنّها أمور منفصلة عن بعضها فی مقام التأثیر، إذ أنّ من الممكن أن تتدخّل عدّة من الغرائز فی تحقیق عمل واحد.

و هناك نقطة أخرى ینبغی التذكّر بها و هی أنّ فصل المیول و الدوافع عن العلوم و الإدراكات لا یعنی إنكار دخولها فی مجال الشعور الإنسانیّ لأنّ من البدیهیّ أن هذه الجواذب و الحالات النفسیّة لیست مثل القوّة المغناطیسیّة التی تعمل دون إدراك أو شعور و إنّما المقصود من ذلك التفریق بین جهاز الإدراك المحض و جهاز الإرادة من زاویة وجود الدفع و الجذب فی الجهاز الثانی و عدمه فی الجهاز الأوّل و معرفة العلاقة بینهما لكی نحصل على معرفة أكبر بالنسبة للظواهر النفسیّة للتدبیر و السیطرة.