ar_porsesh4-ch2_3.htm

التعددیة الدینیة فی البعد العملی

سؤال: هل كان للتعددیة الدینیة فی بعدها العملی وجود على امتداد التاریخ الإسلامی؟

جوابه: یمكن طرح التعددیة الدینیة بین طائفتین من مذهب واحد أو بین مذهبین من دین واحد بل وحتى بین دینین ایضاً. فیمكن تصورها بین الإسلام والمسیحیة والیهودیة فی المجتمعات التی تعیش متقاربة مع بعضها أو فی حدود منطقة جغرافیة واحدة أو فی مدینة واحدة، حیث یعیش أتباع هذه الدیانات مع بعضهم حیاة وئام بعیداً عن أی صراع، فی وقت یعتبر كلٌّ منهم نفسه أنه على حق والآخر على باطل، بل وتدور بینهم جدالات ومناظرات أیضاً; وفی الإسلام هنالك وجود لمثل هذا الأمر أیضاً، فالقرآن الكریم وسیرة النبی الأكرم(صلى الله علیه وآله) والأئمة الأطهار(علیهم السلام) تحث المسلمین على التحلی بمثل هذه العلاقات، وان الوحدة التی ننادی بها فی شعاراتنا الآن وندعو الشیعة والسنّة إلیها، كانت مطروحة فی عهد الإمام الصادق(علیه السلام) أیضاً، وكان(علیه السلام)یحث على المشاركة فی صلوات الإخوة أهل السنة وجنائزهم، وكان(علیه السلام)یعود مرضاهم ولا یتوانى عن تقدیم أی مساعدة یستطیعها إلیهم.

والأكثر مدىً من ذلك أن علاقة المسلمین بأهل الذمة كانت منذ صدر الإسلام حمیمة وودّیة فكانوا یتبادلون المعاملات ویتشاطرونها ویتبادلون الاقتراض ویعود بعضهم مرضى بعضهم الآخر، لكن فی نفس الوقت كان كلٌّ منهم یرى دینه هو الحق من الناحیة النظریة والفكریة.

على أیة حال، هذا الأمر من المسائل القطعیة فی الإسلام ولا مجال للشك فیه، ولا یراود الشك علماء المسلمین شیعة وسنة بأن حیاة الوئام مع أهل الكتاب هی من الامور المتسالم علیها، وإن كانت هنالك فوارق فی طبیعة هذه الحیاة بین الطائفتین، ولكن هنالك على أیة حال سبل علاج للمسائل والعلاقات المشتركة، وهذا الموضوع لا یعنی ـ بطبیعة الحال ـ تاییداً لدینهم ـ أهل الكتاب ـ بل یمكن القول واستناداً لما یراه الإسلام بإمكانیة التعایش السلمی مع المشركین فی حالة توقیع معاهدة معهم تحت عنوان الحكم الثانوی، كما شهدنا فی صدر الإسلام الصلح الذی عقده النبی(صلى الله علیه وآله) مع المشركین والمعاهدة التی أبرمها الطرفان فی عدم التعرض لأرواح وممتلكات الطرفین.

* * * * *


أحقیة الأدیان والمذاهب وإن تعددت؟

سؤال: هل یمكن القول بأحقیّة الأدیان والمذاهب وإن تعددت؟

جوابه: كما تقدم أن للتعددیة والكثرة بعداً عملیاً، وذاك ما یدعو إلیه الإسلام من المداراة والوئام والتعایش السلمی بین اتباع الأدیان والمذاهب المختلفة، واذا لم نقل أن الإسلام كان مبدعاً وسباقاً فی هذا المضمار فهو الملتزم باحترام حقوق مختلف الأقلیات الدینیة والمذهبیة على أقل تقدیر; ویكفینا بهذا الإتجاه العودة إلى الكلام الرائع والمشهور عن الإمام علی(علیه السلام) عندما سمع بأن جنود معاویة قد انتزعوا من امرأة یهودیة خلخالها فقال: فلو انّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً.

بید أن الحدیث یدور حول ما إذا كان ممكنا اعتبار كافة الأدیان والمذاهب حقاً حین التعاطی مع ظاهرة الكثرة فی الأدیان والمذاهب؟ هل یمكن القول إن الإسلام حق، والمسیحیة حق ایضاً؟

للإجابة على هذا السؤال نُلقی نظرة على مضمون الإسلام والمسیحیة حتى نرى ما إذا كان بالإمكان الإقرار بأحقیتهما أم ان الإعتراف بأحقیة أحدهما یستلزم إنكار الآخر؟

إنّ «التوحید» هو القضیة الأولى فی الإسلام، أی ان الله واحد لا یقبل التجزئة والتعدد، ولم یلد ولم یولد، غیر أن التثلیث هو الأصل
الأول فی المسیحیة، وناهیك عن ما شذ وندر من الفرق فإن مذاهب الكاثولیك والبروتستانت والأرثوذوكس وهی المذاهب الثلاثة فی المسیحیة، تقول بان الله ثلاثة: الاب والابن وروح القدس. وان سبیل الخلاص من الشقاء والعذاب هو الإعتقاد بالتثلیث. وقد قیل وكُتب الكثیر فی تفسیر هذه الأصول والأقانیم الثلاثة، وماعدا الثلة القلیلة من الذین یرون التثلیث أمراً خارجاً عن أصل المسیحیة، فإن الباقین یؤمنون به، ویقبلون بنحو ما بألوهیة المسیح أو انه ابن الله.

یقول القرآن فی تعامله مع مثل هذا الكلام: «تَكادُ السَّماواتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَْرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً»1، أو قوله فی موضع آخر «... فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَیْراً لَكُمْ»2، أو ما یقوله «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَة...»3.

هل یقبل عقل إنسان ـ ناهیك عن المسلم ـ ان التوحید والتثلیث حق وصواب، فالأول یقول إنك لن تدخل فی جماعة المسلمین ما لم تصبح موحداً وتؤمن بالله الواحد، وإن أول شرط لاعتناق الإسلام ودین الحق هو التوحید، فیما یقول الثانی إنك لن تدخل المسیحیة وتحرز النجاة وتبلغ السعادة ما لم تؤمن بالتثلیث، فشتان ما بین هذین المنطقین، وكذا إذا ما قارنا بین هذین الدینین وبین البوذیة القائلة بعدم وجود الله وانه لن یوجد، فإنها لا تجتمع ابداً، إذ ان «الله موجود» تتنافى مع «الله غیر موجود»، كتناقض «الله ثالث ثلاثة» مع «الله غیر موجود»، والجمع بینها أقرب للمزاح والأسطورة منه إلى الجد والواقع.

وكذلك لو ألقینا نظرة على الشریعة والاحكام الاسلامیة والمسیحیة لوجدنا عدم إمكانیة الإعتراف بحقانیتهما معاً، فالإسلام یقول بحرمة أكل لحم الخنزیر، فیما تقول المسیحیة بأن أكل لحم الخنزیر حلال وطیب. وعلى صعید الإسلام یقول علی(علیه السلام): لو ألقیتم قطرة من خمر فی بئر ونما من ذلك الماء نبات وأكله خروف فإنی لا آكل من لحم ذلك الخروف، أما فی المسیحیة فقد ورد: لو أن قسیساً غمس رغیفاً فی الخمر ووضعه فی فمك فإن ذلك الرغیف الذی أكلته سیتحول إلى دم عیسى.4 وفی ضوء هذه الموارد وما ناظرها هل یعقل إنسان ان الاسلام صراط مستقیم یوصل إلى الحق وقمة الكمال والسعادة، والمسیحیة كذلك وهكذا البوذیة... الخ؟!

* * * * *




1. مریم: 90 و91.

2. النساء: 171.

3. المائدة: 73.

4. إشارة إلى مراسم العشاء الربانی، راجع الكتاب المقدس، العهد الجدید، انجیل متى، الباب 26.